وافقت الحكومة الجزائرية على قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. وقبيل الموافقة على القرار العربي بلحظات، كان وزير الشؤون الخارجية، مراد مدلسي، وهو عضو في اللجنة الخماسية (الجزائر ومصر وقطر والسودان وعمان) التي شكلتها الجامعة العربية لمتابعة الأزمة السورية، يرافع لمنح فرصة أخرى لدمشق. لم تعارض الجزائر، كما كان متوقعا، قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وصادقت ضمن 18 دولة من بين 22 على القرار الذي عارضته سوريا ولبنان واليمن، وامتنع العراق عن التصويت بشأنه. وفسر الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية، عمار بلاني، موقف الجزائر بأنه ذو صلة برغبة الجزائر في وقف إراقة الدماء في سوريا، والشروع في حوار بين الأطراف المتنازعة، الإخوة السوريين، لتنفيذ الإصلاحات السياسية، بعيدا عن أي تلميحات للتدخل الأجنبي في سوريا، ودعمها للجهود العربية لتعزيز الحل السلمي. ونفى إعلان الجزائر لأية تحفظات بشأن القرار، كون الوزير مدلسي لا يمكن أن يتحفظ على قرار كان ضمن اللجنة الخماسية التي تولت صياغته النهائية. وإذا كان المندوب السوري لدى الجامعة العربية، يوسف الأحمد، قد حاول، عقب المصادقة على القرار، أن يدفع ب''الجزائر إلى مواجهة إعلامية وسياسية مثيرة'' مع قطر، عندما زعم في ندوته الصحفية أمام عشرات وسائل الإعلام العربية والدولية بأن ''وزير الخارجية القطري، حمد بن جاسم، أقدم بشكل غير دبلوماسي وغير أخلاقي على قطع كلمة وزير الخارجية الجزائري، الذي كان يتحدث عن عدم ميثاقية القرار العربي القاضي بتعليق عضوية سوريا''، فإن وزير الخارجية، مراد مدلسي، سارع متسلحا بشهادة وزير الخارجية المصري، محمد كامل عمرو، الذي يزور الجزائر، إلى تكذيب هذا الحادث، ونفي وقوعه أصلا، وتجنب الدخول في معترك دبلوماسي مع دولة قطر التي باتت لاعبا رئيسيا في قرارات الجامعة العربية وإنتاج الثورات في دول عربية محورية كسوريا ومصر. الملاحظ أنه ومنذ اندلاع الثورة التونسية في ديسمبر الماضي، تراوحت المواقف الجزائرية إزاء التحولات الراهنة في الوطن العربي وحراك التغيير الذي داهم ست دول عربية حتى الآن، بين حد الصمت والتردد والغموض، وبين حد الالتزام بالمبادئ الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية القائمة على مبدأ رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ورفض التدخل الأجنبي. واستمرت هذه المواقف في حالة الثورة المصرية، لكنها ظلت في المنطقة الرمادية، تحت عنوان ''لا نعلق على الأوضاع الداخلية للدول العربية وعلاقتنا مع الدول وليس مع الأنظمة''. غير أن الحالة الليبية وبحكم عامل الجغرافيا وانتقال شكل الثورة الليبية إلى حرب أهلية، دفع بمواقف الدبلوماسية الجزائرية إلى ''دائرة الضوء''، وبات الموقف الجزائري في حكم أطراف إقليمية ودولية مؤيدا لنظام القذافي، ومناهضا للثورة وللمجلس الانتقالي الليبي الذي بات السلطة الجديدة في ليبيا، وتحولت الدبلوماسية الجزائرية إلى ''مرحلة الدفاع عن النفس''. الكثير من التحاليل ذات الصلة بشأن الدبلوماسية الجزائرية تبرز فارقا جوهريا بين الثقل السياسي والتاريخي والاقتصادي والديمغرافي للجزائر في الفضاء العربي والإقليمي، وبين فعالية مواقفها داخل هذا الفضاء، نتيجة انكفائها لسنوات على نفسها، وفقدانها لمعالم ومحددات العمل الدبلوماسي، وانسياقها وراء رصيد تاريخي بات من الماضي، وتراوحها بين مبادئ القومية والحنين إلى الحرب الباردة.