لا أعرف إن كان القانون لا يزال يعاقب المزوّرين في هذا البلد. لكن حملة النصب والاحتيال التي تقوم بها بعض الأحزاب الميكروبية هذه الأيام، يجب أن تجد من يقف في طريقها. ذلك أن الركض الماراطوني بدأ بينها، وكلها تتسابق، ليس لنيل رضا الشعب ككل الأحزاب المحترمة في العالم، وإنما لبيع كراسٍ في البرلمان القادم لأصحاب المال والأعمال المشبوهة، وكل حزب حدّد سقف سعره حسب الطلب. لا نتحدث هنا عن الأخلاق السياسية، فهي لم تعد موجودة لدى هذه الطبقة التي جمعت حولها من يعتبرون أن الأخلاق في السياسة مجرد مكيافيلية، يؤمن بها الهواة ومعلمو الجامعات! ولكننا نتحدث عن القانون، فيما يسمونها دولة القانون! كيف يمكن لحزب سياسي ليس فيه من المناضلين سوى الرئيس والختم، أن يتحوّل في مواسم الانتخابات إلى شركة ذات المساهم الواحد، يتاجر في سلعة وهمية مقابل مئات الملايين، ليحتال على أميين ومغفلين وطماعين... صحيح أن القانون لا يحمي المغفلين، ولكن الاستغفال هنا قانوني ومصرّح به لدى وزارة الداخلية. وهذا النوع من المحتالين الذين استخدم النظام ضمائرهم الشيطانية في مرحلة معيّنة، أصبحوا اليوم مضرّين بالمصلحة الوطنية، حيث أوصلوا إلى هذا البرلمان أكبر تجمع جزائري من الأميين والعاطلين عن التفكير وناقصي كفاءة ووطنية. ألا تعتبر هذه جريمة في حق هذا الشعب؟ الجواب هو: لا... ذلك أن هؤلاء التجار، أو فلنقل الساسة المفلسين، لهم حججهم الواهية التي يتقبلها قانون الغاب السائد في هذا البلد. فهم، من الناحية القانونية، مثل آلاف الشركات الوهمية في الجزائر، لها مسيّر يحمل ختما في جيبه، ومن حقه أن يمضي الصكوك والفواتير، وحتى قوائم المرشحين للانتخابات... لكن هذه الشركات ذات الشخص الواحد مضرّة بالسياسة الوطنية، مثلما هي مضرّة الشركات الأخرى بالاقتصاد الوطني، لأنها لا تدفع الضرائب! وفيما يتعلق بالشركات السياسية، يكون الأمر أخطر، لأنهم بمثل هذا النصب والاحتيال على أصحاب المال، يأخذون منهم أموالا ويطلبون منهم الاستثمار في حملاتهم الانتخابية لشراء الأصوات... وبعد ذلك، يصبح من حقهم القانوني، هنا، أن يفرضوا الجباية على النظام الذي يجازيهم على كل رأس بعشرين ألف دينار شهريا. يا للمهزلة الإنسانية التي لا يستطيع كاتب ''الكوميديا الإلهية'' أن يتخيلها!؟ دعونا نكن صرحاء. سيقول البعض إن هذا الشعب قابل لهذه المسرحية، وهو الذي يبيع صوته ويذهب إلى صناديق الاقتراع.. وقد يقول آخرون إن الذي يتوفر فيهم الوعي السياسي، لا يذهبون أصلا إلى هذه الصناديق... ذلك فيه بعض الحق. لكن الحق فيه أن نقص الوعي السياسي الذي لا تقوم به وسائل الإعلام الثقيلة ولا المنظومة التربوية ولا هذه الأحزاب التي وجدت ضالتها في جهل بعض الناس بمصير بلدهم، هو الذي وفّر هذا المناخ المتعفن الذي تعيش فيه بعض الميكروبات المضرّة بصحة البلد. إلى جانب أن الواعين سياسيا، وهنا كارثة الجزائر، لا يهتمون بالانتخابات أصلا، لأنهم يعرفون أنها مزوّرة، وأن هذا النظام يلجأ دائما إلى سياسة ''الكوتا'' لتوزيع مقاعد على أحزاب لا تنال رضا ولا شعبية الناس. اللعبة، إذن، مخدوعة، وعلى رجال النظام والقانون أن يجدوا مخرجا لهذه اللعبة القذرة، إذا بقي فيهم من يفكر في مستقبل أبنائه، وليس في مستقبل جيبه المثقوب فقط.