رغم أن التعددية السياسية والإعلامية ودّعت العشرين خريفا فإن العشر الأواخر منها كانت بمثابة تجربة جديدة في ما يسمّى ب (تعددية الحزب الواحد)، فهل سيستمر الوضع الراهن على ماهو عليه أم أن هناك آفاقا جديدة تسمح بدخول الجزائر في مرحلة التعديدة الحزبية والسياسية، ونهاية التضييق على الحريات السياسية والإعلامية..؟ * * التداول على الحكم لا "الريع" * * منذ أن تحولت الأحزاب والمجتمع المدني إلى لجان مساندة، فقد النضال الحزبي مشروعيته، ولم يعد همّ من يصل إلى السلطة تطبيق برنامجه السياسي، وإنما كيفية تقاسم "الريع" مع حاشيته، حيث بات همّ قيادة الحزب أو قيادة المجتمع المدني هو "التموقع" في خندق المستفيدين من السلطة. * وصار الفساد لغة الإدارة والسياسة، ولا أبالغ إذا قلت أن "القيم" في المجتمع صارت مميّعة، ولم يعد المواطن الصالح قادراعلى حماية نفسه، فالاعتداء وصل إلى مستوى انتحال صفات الأموات والأحياء، وإذا كان بإمكاننا تقديم شكوى بمن ينتحلون هذه الصفات، فإن دخول الأنترنت إلى عالم التلاعب" بالرأي العام، أدى إلى ظهور نوع جديد من انتحال الأسماء، فقد وجدت موخرا صورتي وأسمى على "الفايس بوك" يستخدمها مجهول ل شتم السلطات الجزائرية، وهذا الاحتيال هو الأخطر، لأنه قد يشوّه سمعتك فهو يتحدث باسمك مع أصدقائك وقرائك ومريديك، ويقدم لهم، باسمك معلومات خاطئة، وهو دور كانت تقوم به المصالح سابقا واليوم صار يقوم به المدسوسون داخل الفكر والثقافة والمنظومة التعليمية. * وهذه الجريمة في حقّك لا يوجد قانون يحميك منها، ولهذا على القارىء أن يتذكر دائما أن ما لا يستطيع الآخرون قوله بأسمائهم قد يقولونه باسمك، ولست أول ضحية في انتحال اسمي، فهناك المئات من الشرفاء ممن تلطخه سمعتهم عبر الأنترنت، لأن هناك في مجتمعاتنا من هم عديمو الضمير يلجأون إلى التلاعب بعقول الجيل الصاعد. * ومثلما تلاعب مجمع الخليفة بعقول المواطنين واستغلته السلطة لأعراض سياسية هناك تلاعب آخر بعقول المرشحين لمجلس الأمة الذين يبتاعون الأصوات من أجل الحصول على راتب ب 30 مليون سنتيم وحصانة وهمية. * والحقيقة التي لا يعرفها الكثير هي أن المجلس الوطني ومجلس الأمة أو البرلمان بغرفتيه مجرد ديكور لما يسمى بالثلث المعطل في مجلس الأمة وعددهم 48 نائبا، هؤلاء يعنيهم الرئيس، وهم المخولون بتمرير ما تريده السلطة، وهم الثلث المعطل للبرلمان، لأنه بإمكانهم تجميد أي مشروع قانون يمرره المجلس الوطني الشعبي، أو بقية المنتخبين في مجلس الأمة. * ولهذا، فالتداول في الجزائر هو على الرواتب ونهب خيرات البلاد وليس على كراسي السلطة، وقد أدركت أحزاب الائتلاف الحكومي أو التحالف الرئاسي ذلك، فتعاقدت على حماية مصالح قيادتها، وساهمت في تشجيع مايسمى ب (الإصلاحيين) أو (التقويميين) أو من يريدون المزايدة على قادة أحزابهم. * * لا معارضة ولا سلطة؟! * * تلقت جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان ورؤساء الكتل البرلمانية وحتى رئيس المجلس الدستوري رسالة خطية من مرشح سابق للرئاسة، ورئيس حزب قد طلب الاعتماد، يدعوهم إلى المساهمة في فتح المجال السياسي، باستجواب وزير الداخلية حول أسباب رفضه خلال 11 سنة اعتماد أحزاب جديدة، ولم يتلق صاحب هذه الرسالة ردا إلا من السيد أبو جرة سلطاني، أما بقية الأحزاب فقد التزمت الصمت، فإذا كان رئيس هذاالحزب يستنجد بالسلطة والأحزاب، وهو مرشح سابق للرئاسيات، ولا يجد ردا فكيف يمكن أن نتحدث عن مواطن يتعرض لظلم أو اعتداد من مسؤول..!؟ فإلى من يتجه ومن سيستمع إلى إغاثته..؟ ربما تجاهل أحزاب التحالف للرسالة يأتي في سياق أنها في السلطة وليست مستعدة لفتح الباب أمام حزب جديد يعارضها، ولكن ماذا عن أحزاب المعارضة التي تتبجح ب (شتم السلطة) وهي لاترد على رسائل زملائها في المعارضة؟ * المؤكد أن الدخول إلى النظام هو خسارة للأحزاب والخروج منه خسارة أكبر، ولكن الأكثر تأكيدا هو أن التغيير سيحدث طال الزمن أو قصر، لأن الربيع -كما يقول أحمد بن بيتور- يغذي التسلط وبالتالي فالتغيير حتمي. * لا المعارضة في الجزائر معارضة ولا السلطة سلطة فالكل مجرد أفراد يطموحون إلى حلول فردية لمشاكلهم، وليس العمل من أجل ترقية المجتمع. * والتهميش الذي كان سمة السلطة للمعارضة فقد قيمته، لأن الجميع عاش التهميش، كل حسب موقعه في المجتمع، ولكن المشكلة هي أن المعارض والسلطة صارت وجهين لعملة واحدة وهي الصمت، وعدم الجرأة على اتخاذ الموقف المناسب في المكان والوقت المناسبين. * * في انتظار أكتوبر القادم؟ * * الكل يراهن على أن يكون التغيير من الشارع، والكل ينظر لتغيير شبيه بأحداث 5 أكتوبر 1988، دون أن يسأل نفسه: ماذا حدث يومئذٍ..!؟ * باختصار شديد: أرادت السلطة أن تغير الحزب الواحد ب (قناع التعددية) فجاءت بانتفاضة، وهي اليوم تطمح إلى تغيير آخر، في أكتوبر القادم بعد انتهاء "المونديال"، ونهاية "حمى الانتصار". * وهناك جهات تغذي التوتر على أكثر من صعيد، فعلى مستوى الجامعة في العاصمة، تم تقسيمها إلى ثلاث جامعات في مشاكل جديدة، خاصة بعد أن فتحت المدارس العليا لتعود عبر فرنسا من جديد. * وإذا كانت الكليات المالية عاجزة عن التسيير البيداغوجي للطلبة فهل يستطيع التقسيم الجديد أن يسير الميزانية..؟ * وإذا كان أكتوبر القادم بعيد، فإنه سيحمل اسم شهر آخر، وإن كنت أميل إلى أن نهاية كأس العالم أو قبلها بقليل تبدأ المشاكل في الجزائر. * وإذا لم تسارع السلطة ب حراك سياسي، حيث تسمح باعتماد الأحزاب والجمعيات وتفتح الفضاء الإعلامي للسمعي البصري، فإن المأساة ستكون كبيرة، لأن أكتوبر 1988 صنع في الثانويات، أما أكتوبر القادم فإن صناعته في الجامعات أو الأحياء الشعبية، وتوقعوا معي كم سندفع من ثمن..؟ لا أشك مطلقا في أن عام 2010 سيكون عاما جديدا، ولكنني أشك في أن يتمتع به من يقفون ضد إرادة الشعب من التغيير أو يعملون على انهيار الدولة. * فهل نقول عن العقد الماضي أنه سنة أولى تعددية في انتظار الانفتاح السياسي والإعلامي؟