فازت جماعة الإخوان المسلمين بالجزء الأول من الانتخابات التشريعية في مصر، بعد 70 سنة من تاريخ النشأة. وفاز بعدها التيار السلفي بثلث الأصوات، وتقهقرت الأحزاب اليسارية والليبيرالية والعلمانية. المشهد نفسه عرفه المغرب بعد فوز العدالة والتنمية الإسلامي الذي تأسس على أنقاض العدل والإحسان المحظور وترأس زعيمه الطاقم الحكومي، وكذلك النهضة في تونس التي تحصلت على حقائب سيادية في الحكومة. ولا يختلف الوضع في تركيا، حيث تمكن حزب إسلامي من تسيير البلد وفقا للمقاييس المعمول بها دوليا، وقد تأسس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، هو الآخر، على أنقاض حزب أربكان المحظور. لكن القاسم المشترك بين جميع هذه التشكيلات يكمن في نوعية العلاقات مع الحكام السابقين وما شابها من قمع واعتقالات وتعذيب واغتيالات، جعلت رصيدهم يتزايد على مرّ العصور. وبدأت القصة مع الإخوان المسلمين التي أنشأها حسن البنا في مصر. وبعد اغتيال زعيمها في 1949 وموجة الاعتقالات التي طالت قادتها، زاد رصيدها لدى مناضليها، ثم تحالفت الجماعة مع ''الضباط الأحرار'' في 1952 للقيام بانقلاب عسكري. وسرعان ما انتهى شهر العسل وتواصل القمع ليصل إلى حد القطيعة مع محاكمة وإعدام سيد قطب. نفس الفصول عاشتها حركة النهضة التونسية مع زين العابدين بن علي، ليعود راشد الغنوشي من الباب الواسع وقد أنصفته صناديق الاقتراع. وخلال جميع المراحل التاريخية المتوترة، جرب الإسلاميون شتى أشكال الممارسة السياسة. فجربوا العمل الدعوي والموعظة الحسنة والمغالبة والممانعة، فالشارع فالعنف فالإرهاب.. ولما جاء عصر ''الفايسبوك'' لم يظهروا في الصفوف الأمامية، بل نزلوا على استحياء إلى ميدان التحرير وشارع بورفيبة وفي نهاية المطاف خرجوا من صناديق التصويت في كومة من الدخان، بينما لم يظهر أثر لجميع أولئك الذين كانوا يحتلون المنابر الإعلامية عندما هب ريح التغيير في العالم العربي. أما اليوم، فالموضوع لا يختلف من بلد إلى بلد، وقد أعلن مصطفى عبدالجليل مثلا عن الالتزام بالشريعة الإسلامية في الحكم. ومن الغرابة أن دول الناتو التي ساهمت في إسقاط العقيد القذافي، كانت على يقين بأن الدولة ستكون علمانية لا محالة في ليبيا الحديثة، لكن واقع ليبيا المعقد أعطى للإسلاميين فرصة امتلاك السلاح وتمكينهم من التفاوض على اقتسام الحكم