وتلاميذ متخلفون ذهنيا في أقسام الأصحاء مضطربون نفسيا مصنفون كمواطنين عاديين أعدت النقابة الوطنية للنفسانيين تقريرا ''أسود'' حول الحالة النفسية للجزائريين، كشفت فيه عن غياب إحصائيات رسمية عن الوضعية الوبائية تبعا لإقرار السلطات -حسبها- بأن الاضطراب النفسي نمط حياة عادي، لا يحتاج إلى تغطية نفسية حتى على مستوى المدارس التي أخفقت في تشخيص تلاميذ متخلفين ذهنيا، عوملوا وكأنهم أصحاء. عقدت النقابة الوطنية للنفسانيين أمس دورة لمكتبها الوطني، ناقشت خلالها مختلف المشاكل المهنية والاجتماعية التي يعيشها مستخدمو القطاع، كما قام أعضاء المكتب بتشريح الوضع النفساني للجزائري مقارنة بوسائل التكفل والتغطية المتاحة، في شكل تقرير سيتم عرضه على المجلس الوطني المزمع عقده قريبا. المسؤول الأول عن صحة الجزائريين ليس على اطلاع بحالتهم النفسية وقال رئيس النقابة خالد كداد ل''الخبر''، في هذا الإطار، بأن النفسانيين يدقون ناقوس الخطر، ويحذرون من ''انفلات'' كلي للصحة النفسية بسبب غياب التغطية، حيث مازالت السلطات العمومية حسبه ترفض تقبل حقيقة مفادها أن الخدمة النفسية هي جزء لا يتجزأ من الخدمة الصحية العمومية، ما يفسر عدم وجود إحصائيات رسمية عن الوضعية الوبائية لدى الجزائريين. فالتحقيقات التي قامت بها النقابة تؤكد كلها بأن آخر إحصاء قامت به وزارة الصحة يعود إلى 2003، رغم وجود مصلحة خاصة بالصحة العقلية على مستوى هذه الأخيرة، ''لم تكلف نفسها عناء إنجاز تحقيقات أو استطلاعات عن الحالة النفسية للجزائري''، وهو أمر يفسر في نظر ممثل النفسانيين عدم وجود تغطية نفسية، فالمعايير المعمول بها في جميع الدول، يضيف، تنص على خمسة نفسانيين لكل عشرة آلاف ساكن، في حين أن الجزائر تحصي نسبة تقل عن ذلك بكثير. كما أن عدد الأطباء النفسانيين -يضيف- في جميع القطاعات انطلاقا من الصحة والشباب والرياضة والتضامن والمؤسسات العقابية والجمارك والجيش، لا يتعدى 3500 نفساني، رغم النداءات المتكررة التي وجهتها النقابة إلى وزارة الصحة لفتح مناصب تسد العجز المسجل في هذا الإطار، غير أن وزير الصحة -يقول محدثنا- يبرر عدم تلبية هذا المطلب الملح برفض مصالح وزارة المالية تخصيص مناصب لتوظيف نفسانيين. وتساءل كداد عن ردة فعل ولد عباس إذا ما طلب منه الوزير كريم جودي إطلاعه على الوضعية الوبائية لدى الجزائريين، كشرط منطقي لفتح مناصب جديدة، واستطرد قائلا بأن رفض وزارة المالية في هذه الحالة مبرر، ما دام المسؤول الأول عن صحة الجزائريين ليس على اطلاع بحالتهم النفسية. وهنا انتقد كداد ''النظرية'' التي سلّمت بها السلطات العمومية للهروب من مسؤوليتها، بقولها إن الاضطراب النفسي أصبح نمط حياة الجزائريين، وهو أمر خطير في نظره، لأنه يخفي في الحقيقة تنصلا من المسؤولية، ما نتج عنه فراغ رهيب في الحلقة التي لا بد أن يكون النفساني أهم مؤثر فيها كونه يعمل على امتصاص مختلف المشاكل والاضطرابات النفسية تجنبا لانفجارها، على غرار ما وصل إليه عدد كبير من الأشخاص، تحول الشارع إلى ملاذ لهم للتعبير عن مكبوتاتهم من خلال اعتدائهم يوميا على المواطنين. السلطات العمومية تتنصل من مسؤوليتها وأشار ممثل النفسانيين في سياق ذي صلة، إلى الانعكاسات الخطيرة لتنصل السلطات العمومية من مسؤولياتها في مجال التغطية النفسية، ويتجلى ذلك من خلال الاعتداءات المسجلة يوميا، وارتفاع نسبة العنف بجميع أشكاله سواء تعلق الأمر بالطلاق أو الانتحار نتيجة للضغط النفسي الذي ميز السنوات الأخيرة بسبب تفاقم ظاهرة البطالة وأزمة السكن، إضافة إلى العنف المدرسي الذي أخذ أبعادا خطيرة مؤخرا، بعد أن تجاوزت حدوده التلاميذ فيما بينهم لتنتقل إلى الأساتذة وعمال الإدارة وحتى مديري المؤسسات التربوية، لتسقط بذلك -يضيف محدثنا- معايير السلّم الاجتماعي أمام مرأى السلطات التي مازالت تصر على أن ''الباتولوجيا'' النفسية هي نمط حياة عادي لدى الجزائريين. وبخصوص المؤسسات التربوية، أشار خالد كداد إلى ظاهرة خطيرة تتكرر يوميا في المدارس الابتدائية، وقفت عليها النقابة، تتعلق بالتلاميذ الذين يعيدون السنة الأولى أكثر من مرة، حيث اتضح بعد اختبار الذكاء والمستوى الذهني، بأن معظم هؤلاء متخلفون ذهنيا، والأخطر -يضيف- أن وحدات الكشف الصحي الموجودة على مستوى هذه المؤسسات عجزت عن تشخيص هذا المرض لسبب بسيط هو غياب التغطية النفسية التي ينص عليها القانون ويجسدها قرار وزاري بين قطاعي التربية والصحة لتغطية الصحة المدرسية العضوية والنفسية لتلاميذ المدارس. ويضاف إلى جملة هذه التعقيدات -يقول كداد- الانسداد الذي يميز العلاقة بين نقابة النفسانيين والوزارات المعنية الممثلة للصحة والشباب والرياضة والتضامن، تبعا لرفض مسؤوليها التحاور معها كشريك اجتماعي، بالنظر إلى المشاكل المهنية والاجتماعية لمستخدمي القطاع. ويأتي على رأس هذه المشاكل التهميش الممارس على النفساني في جميع القطاعات، لأن السلطات -حسب كداد- لا توليه الاهتمام المفروض واللازم، ما انعكس على التغطية الشاملة بسبب تراجع الأداء المهني. ليس هذا فقط، فالسلطات تخفي نية ''سيئة'' لضرب مصداقية ودور الطبيب النفساني من خلال تقليص مدة التكوين إلى بكالوريا زائد ثلاث سنوات، مقابل خمس سنوات التي تنص عليها المعايير الدولية.