إعادة الاعتبار للوجهة الجزائرية كأهم مصدر للتزوّد بالغاز من المرتقب أن يوقع الاتحاد الأوروبي، ممثلا في المفوض الأوروبي للطاقة غونتر أوتينغر، ووزير الطاقة، يوسف يوسفي، بالعاصمة قبل نهاية مارس المقبل على اتفاق استراتيجي، يرمي إلى تدعيم الشراكة والتعاون في قطاع الطاقة، ويجعل من الجزائر أحد أهم الشركاء على المدى المتوسط والبعيد. تفيد مصادر مقرّبة من الملف أن المفاوضات التي دامت ست سنوات كاملة، أفضت في جانفي الماضي إلى اتفاق مبدئي تأكد في فيفري الجاري، حيث انتهى الجانبان تقريبا من صياغة المسودة التي ستكون أساس الاتفاق الهام الذي سيوقع على شكل مذكرة تفاهم، يفتح الباب لتطبيق جملة من الترتيبات الخاصة بالطرفين. ويكرس الاتفاق توجها أوروبيا جديدا، ينهي مرحلة الاحتقان وعدم الفهم بين الجانبين، والذي بلغ حده الأقصى في 2008 في التقرير الذي وجه لقصر ''الإليزيه'' من قبل المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة، الفرنسي كلود مانديل، والذي أشار من خلاله إلى أنه يتعيّن على أوروبا أن تعول على ثلاثة مصادر رئيسية في مجال التزوّد بالغاز، هي إيران وقطر وروسيا، ثم أضيف لها أذربيجان والعراق وتركمنستان، مستثنيا الجزائر، في وقت عرفت فيه العلاقات الطاقوية الأوروبية الجزائرية توترا، على خلفية مطالبة الجزائر مراجعة أسعار الغاز والسماح بتسويق مباشر لجزء منه في السوق الأوروبي، رغم أن السوق الأوروبي كان يتزوّد من روسيا أساسا بنسبة 35 بالمائة، والنرويج والجزائر التي كانت تصل حصتها إلى 12 بالمائة، بينما كانت تضمن الجزائر إمدادات رئيسية عن طريق الأنابيب، أهمها ''تراسماد'' أو ''أونريكو ماتيي'' باتجاه إيطاليا، وأنبوب غاز باتجاه إسبانيا ''بيدرو دوران فاريل'' و''ميدغاز'' أيضا باتجاه إسبانيا، وتفوق إمدادات الغاز الجزائري باتجاه أهم البلدان الأوروبية، إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وتركيا وبريطانيا، بحوالي 85 بالمائة ما تصدره إلى الخارج، حيث تصدر عبر الأنابيب حاليا حوالي 50 مليار متر مكعب. وساهم تعدد الأزمات وانقطاع الإمدادات عن أوروبا من روسيا بعد أزمة 2006 بين روسيا وروسيا البيضاء، ثم بين روسيا وأوكرانيا سنتي 2009 و2010 في إعادة النظر في الاستراتيجية الغازية المنتهجة، مع التفاوض مع عدة بلدان، منها مصر وقطر وفنزويلا، لضمان تأمين الإمدادات على المدى المتوسط والطويل، مع بروز مؤشرات عن زيادة معتبرة للطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا. فقد كشفت تقديرات الوكالة الدولية للطاقة أن استهلاك أوروبا بلغ 253 مليار متر مكعب في 1990، وارتفع إلى 306 مليار في 2007، وأكثر من 350 مليار في 2011، ويرتقب أن يصل إلى 617 مليار متر مكعب في .2030 وأثار اعتماد وزراء الطاقة في نهاية أكتوبر 2005 ما يعرف باتفاقية مجموعة الطاقة الذي دخل حيّز التنفيذ في جويلية 2006، والذي مهّد لإدماج سوق الطاقة في أوروبا في بروز مشاكل متعددة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي اللذين كانا يتفاوضان حول اتفاق استراتيجي، في وقت برزت أيضا إشكاليات إعادة التفاوض على الأسعار وكيفية الدخول الحر إلى السوق الأوروبي والتسويق المباشر، وتجديد العقود طويلة الأجل، في وقت بدأت فيه بلدان، مثل قطر وروسيا، يسوّقان الغاز بأسعار منخفضة تعتبر بمثابة ''إغراق'' في الأسواق الحرة ''سبوت''. ولكن أوروبا التي واجهتها مصاعب عديدة مع روسيا، رغم أنها أكبر مصدر للغاز، أرست سياسة تنويع جديدة، وبدأت تعيد الاعتبار للوجهة الجزائرية لأنها كانت الأمن طوال الثلاثين سنة الماضية، إذ لم تنقطع إمدادات الغاز الجزائري حتى في أوج الأزمة التي كانت تعاني منها الجزائر. ويرتقب أن تدعم الجزائر مع إنشاء أنبوب الغاز '' غالسي'' من إمدادات الغاز إلى أوروبا، بحوالي 12 مليار متر مكعب إضافية، لتصل صادرات الجزائر الإجمالية إلى 85 مليار متر مكعب. ورغم بروز المنافسة القطرية والأذرية، إلا أن أوروبا بحاجة إلى إقامة محطات إعادة تحويل الغاز المقدرة حاليا ب12 محطة فقط، لضمان تنويع المصادر. ومع ذلك، فإنها لا يمكن أن تتخلى عن الغاز الجزائري على المدى القصير والمتوسط، وهو ما دفعها إلى الإقرار بأهمية التوقيع على الاتفاق الاستراتيجي.