بوتفليقة أقدم سياسي عربي وأنا في حاجة إلى مشورته وعلى الجزائر أن تلعب دورا أكبر من حق الشعب الصحراوي تقرير مصيره ولو طلب منا التدخل فنحن جاهزون هناك دولتان عربيتان لديهما مقومات اللحاق بأوروبا هما الجزائر والعراق يسير الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، منذ توليه المنصب على حقل ألغام، فالزمن مختلف عن العقود الماضية، والربيع العربي ينتشر بين الدول، والأزمات لا تتوقف، فالوضع في سوريا أسوأ من خيال أي كاتب سيناريو، ومؤخرا أزمة السودان وجنوب السودان، بالإضافة إلى التوترات القائمة في ليبيا واليمن والبحرين، وملفات حقوق الإنسان في السعودية وقضية الصحراء الغربية.. السيد نبيل العربي فتح هذه الملفات في أول حوار له مع جريدة جزائرية حين رد على أسئلة ''الخبر'' في لقاء معه بمكتبه بمقر الجامعة العربية في القاهرة، قبيل زيارة مرتقبة إلى الجزائر للقاء الرئيس بوتفليقة، للحديث والتشاور حول العديد من القضايا كالانتخابات التشريعية في الجزائر وبعثة الملاحظين العرب، ولن تخلو المائدة من ملفات أخرى من قبيل تطوير الجامعة العربية، والوضع في سوريا. فالعربي يرى بأن بوتفليقة هو أقدم سياسي في الوطن العربي، لذا فهو فيي حاجة إلى أن يسمع منه، طالبا منه ومن الجزائر دورا أكبر خلال الفترة المقبلة. في البداية ما هو تقديركم للوضع في سوريا؟ الحكومة السورية لا شك لديها معارضة قوية، والحكومة لديها وجهة نظر والمعارضة لديها وجهة نظر أيضا. للأسف الشديد كان يمكن أن يحل هذا الموضوع بطريقة سلمية، لكن الحكومة لجأت إلى استخدام القوة، والمعارضة تحت هذه الظروف، اضطرت أيضا إلى استخدام القوة كرد فعل، وهذا أمر خطير. لكن المطلوب اليوم هو أن يلتزم الجميع بوقف إطلاق النار بصورة كاملة، وليس بصورة جزئية، المطلوب هو وقف كامل وشامل لإطلاق النار، حتى يمكن للمسار السياسي أن يتحرك. والمسار السياسي الآن يقوم بجزء منه السيد كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ونائبه الدكتور محسن القدوة، وزير خارجية فلسطين، وهما شخصيتان لديهما خبرة كبيرة وتفهم كامل للأوضاع في المنطقة، والمطلوب الآن أن نستيقظ صباح كل يوم ولا نجد إنسانا قد قُتل. وحتى يتقدم المسار السياسي مطلوب تعاون كامل بين الحكومة والمعارضة، وبالنسبة إلى هذه الأخيرة هناك تكليف لجامعة الدول العربية للاجتماع بقيادتها، ونحن مكلفون بالاتصال بهم منذ شهر سبتمبر الماضي. حاليا سبعة أشهر مرت اتصلنا فيها بكل أطياف المعارضة السورية، والآن يجب أن نلتزم بالبيان الذي صدر في الدوحة منذ ثلاثة أيام. وقبل نهاية الشهر الجاري سنعقد اجتماعا موسعا مع المعارضة بمختلف مكوناتها. ويوم الأحد لدي موعد مع الدكتور برهان غليون وأعضاء المجلس الوطني السوري، لتحديد تاريخ هذا الاجتماع. وأريد أن أشير إلى أن هناك أطرافا من المعارضة تتفهم الخطوات التي يقوم بها المجلس، كما توجد أطراف تؤيد ما يقوم به المجلس رغم أنها لا تنتمي إليه. وكان قد عقد، منذ أسبوع، اجتماع في القاهرة حضره ما يقارب مائة معارض سوري من المجلس الوطني، وكذا من المعارضة السورية في الداخل بهدف الاتفاق حول هيئة واحدة تمثلهم. نحن نرى أن المهمة الأولى هي أن تتفق أطراف المعارضة حول الشخصيات التي تمثلهم في الاجتماع مع ممثلي الحكومة السورية، وكان السيد كوفي عنان قد اتصل بالحكومة وطلب منها تعيين ممثليها. نحن نريد أن يجتمع الطرفان بهدف تحريك المسار السياسي بشكل أفضل، ونصل لحل سلمي. لا أحد يرغب في التدخل العسكري في سوريا هل تؤمنون بإمكانية الحل السلمي في سوريا أم أن الدعوات للحوار ما هي إلا ذر للرماد في العيون؟ إذا كان الحل السلمي لا يؤدي إلى نتيجة، فما هو المطلوب إذن؟ هل المطلوب إعلان الحرب؟!.. لا يوجد أحد يرغب في ذلك، ولا يوجد أحد يريد مزيدا من القتل والخراب والدمار. هل ترون أن خطة كوفي عنان قد تؤدي إلى حل؟ بقبول روسيا والصين وإيران مهمة المبعوث المشترك كوفي عنان، وصدور أول قرار من مجلس الأمن بالإجماع، أعتقد بأن كل هذا الضغط سيؤدي في النهاية إلى حل سلمي. يلاحظ أن الملف السوري مع الوقت أصبح أكثر تعقيدا، والحل غائب. الجامعة العربية حولت الملف الليبي في وقت قياسي إلى مجلس الأمن، لماذا لم تتحركوا في الملف السوري بنفس الطريقة والسرعة التي انتهجتموها في ليبيا، رغم أن جزءا من المعارضة طالب بطرح الملف على مجلس الأمن والدعوة للتدخل العسكري؟ بنغازي كانت على وشك أن تدمر، فاجتمع وزراء الخارجية العرب وقرروا دعوة مجلس الأمن لفرض الحظر الجوي على ليبيا، لكن الظروف مختلفة الآن فحتى السوريين لا يرغبون في حدوث هذا. لكن هناك جانبا من المعارضة يطالب بالتدخل العسكري؟ ليس هناك إجماع حتى وسط المعارضة على التدخل العسكري، ولا أيضا لدى وزراء الخارجية العرب. في ليبيا كانت هناك أطراف في المجتمع الدولي مستعدة لاستخدام القوة العسكرية، لكن في الحالة السورية، لا توجد أي دولة في العالم تريد القيام بهذا الدور والتدخل عسكريا، حتى تركيا التي أشارت إلى هذا الموضوع عبر دعوتها لإقامة ممرات آمنة ومنطقة عازلة لن تتدخل عسكريا.. لا توجد دولة في العالم ترغب في السير في هذا الاتجاه، فعلينا أن نسعى إلى حل الموضوع في إطار الممكن والمتاح، وأن لا نفكر في سيناريوهات مثل سيناريو ليبيا لأنه لا توجد دولة ترغب في إعادته. الجامعة العربية ليس لديها سلاح ولا القوة لتفعل ذلك، والجهاز الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يفوض استخدام القوة العسكرية هو مجلس الأمن. والجامعة العربية أجرت أول اتصال مع الحكومة السورية وطالبتها بوقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين، واتخاذ قرارات سياسية حقيقية، وكان ذلك في يوم 13 جويلية 2011 أي شهرا ونصف الشهر قبل أن يجتمع الوزراء العرب. وأنا شخصيا ذهبت إلى دمشق قبل أن يشهد الوضع في سوريا كل هذا التصعيد، لكن لم أنجح. لماذا لم أنجح؟ لأننا نعيش في عالم تحكمه قواعد معينة ويجب أن نلعب في إطار هذه القواعد. رئيس وزراء قطر نفى تسليح المعارضة السورية هل ستشارك الجامعة في وفد المراقبين الدوليين بسوريا؟ طلب من الجامعة المشاركة، وطلب من بعض الدول تقديم الأسماء للمشاركة في وفد المراقبين، السيد كوفي عنان هو مبعوث مشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية. العملية بين المنظمتين، ونحن المنظمة الإقليمية والأممالمتحدة هي المنظمة الأم التي تشملنا، والأممالمتحدة هي المنظمة الأم التي تتحرك بالتشاور والتفاهم معنا. هل هناك فرق بين مسعى الجامعة والمسعى القطري في الملف السوري؟ ماذا تقصدين بالمسعى القطري؟ رئيس وزراء قطر كنت معه أول أمس، يعني يوم الثلاثاء الماضي، في مؤتمر صحفي، ونفى تسليح بلاده للمعارضة في سوريا، هناك كلام عن تسليح قطر ودول أخرى للمعارضة، لكنهم أنكروا هذا الكلام، والبيان الذي صدر الثلاثاء الماضي من الدوحة كل الدول العربية وقعت عليه، الإعلام ربما يتحدث بطريقة أكثر جرأة، لكن أقل دقة. وماذا عن تصدر قطر للمشهد السياسي في الجامعة العربية؟ هذا السؤال تعودت عليه، ويسألني عنه الصحفيون خلال المؤتمرات الصحفية، وأجبت عليه أكثر من مرة، هل تريدين إجابة؟.. نعم قطر لديها سياسة رشيدة وتأكدي أن كل اقتراح تم تقديمه إلى الآن من قطر أو غيرها من الدول تم عرضه على مجلس الوزراء الذي يقبله أو يرفضه، وتأكدي أن كل قرار تم اتخاذه منذ بداية الأزمة تم تعديله أكثر من مرة حتى يكون الموقف جماعيا ومتفقا عليه من قبل كل الدول العربية، وهناك أكثر من دولة تقدم مقترحاتها حول معالجة الأزمة في سوريا، والقرار الذي يتخذ في النهاية هو محصلة موافقة 21 دولة. مثلا في الدوحة اجتمعت اللجنة المكونة من 10دول، ولكن بكل صراحة كان القرار معدا من الأمانة العامة قبل ذلك، وتمت الموافقة عليه بإجماع كل الدول. هناك تقارير منظمات حقوقية دولية انتقدت بشدة انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين والسعودية، لكن الجامعة العربية لم تتحرك، ما تعليقكم؟ أولا جامعة الدول العربية مثل أي منظمة ليست فوق الدول، وإنما هي منظمة مكونة من الدول. لقد تطرقت إلى هذا الموضوع مع جلالة الملك أثناء تواجدي بالبحرين، واقترحت عليه تشكيل لجنة مشتركة من شخصيات محترمة لإعداد تقرير حول الوضع، وترأس اللجنة الدكتور محمد ابسيوني وهو شخصية محترمة جدا، كان يدرس معي في كلية الحقوق، قدموا تقريرا ينتقد أداء الحكومة، والحكومة قبلت هذا النقد، والسؤال الذي يجب أن يطرح: هل هناك مشكلة في البحرين؟ والجواب نعم هناك مشكلة. وهل هذه المشكلة تعالج؟.. الرد نعم هذه المشكلة تعالج. لم نشرع بعد في مراجعة منظومة عمل الجامعة العربية كانت للجامعة العربية تحركات كبيرة خلال ثورات الربيع العربي لدعم مطالب الشعوب في التغيير والحصول على حقوقها، وآخر تقرير للأمم المتحدة حول الوضع في الصحراء الغربية انتقد بشدة خروقات حقوق الإنسان من طرف المغرب، ألم يحن الوقت لفتح هذا الملف عربيا؟ موضوع الصحراء الغربية يختلف تماما، هو بين أيدي الأممالمتحدة. وبناء على قرارات الأممالمتحدة وبناء على رأي استشاري أصدرته محكمة العدل الدولية بخصوص الموضوع، وبحكم أن كل شعب في العالم من حقه تقرير مصيره، يجب أن لا تكون هناك ازدواجية في المعايير أو في المعاملة مع الملفات، فالشعب الصحراوي من حقه أن يقرر مصيره أيضا. والأممالمتحدة لديها مبعوث خاص في الصحراء الغربية، والأممالمتحدة تتولى هذه القضية ولا داعي لتدخل الجامعة في هذا الموضوع، إلا إذا طلب منها لأن الأممالمتحدة هي الأشمل. هناك حديث عن إعادة هيكلة جامعة الدول العربية، إلى أين وصلت الأمور؟ تم إنشاء جامعة الدول العربية سنة 1945، وهي أقدم من الأممالمتحدة، وكان من الضروري إعادة النظر في آليات عملها، وستتم هذه العملية عبر ثلاث مراحل، تتمثل المرحلة الأولى في إعادة الهيكلة، فيما يتعلق بالأمانة العامة والنظر في جميع الاتفاقيات التي تم إقرارها منذ عام 1945 حتى يتبين لنا ما تم إنجازه وما لم ينجز، وسنعمل في المرحلة الثانية على إعادة النظر في منظومة الجامعة، وهذا لم نتطرق إليه إلى الآن، فيما سنخصص المرحلة الثالثة لتعديل ما يمكن تعديله في طريقة عمل الجامعة، من خلال إعطاء الأمانة العامة والمجالس المعنية المكانة وحرية أكثر للتحرك ومواجهة الأعباء والمتطلبات، وبالتأكيد هذا سيأخذ وقت. كثير من الملاحظين اعتبروا أن قمة بغداد الأخيرة فاشلة بكل المقاييس، وكان هذا الفشل منتظرا، فلماذا اخترتم بغداد التي لم تتحرر بعد من رواسب الاحتلال لعقد القمة؟ الاحتلال في العراق انتهى، الجزائر ومصر وسوريا وأغلب الدول العربية عانت من رواسب الاحتلال من قبل، والموضوع يأخذ بعض الوقت. العراق كان بحاجة إلى عقد هذه القمة حتى يعود إلى البيت العربي، كما أن العراق من الدول القوية والتي لها حضور دائم، والدليل أن جميع الدول حضرت باستثناء دولتين فقط، ورغم ذلك تم تمثيل الدولتين على مستوى السفراء، وقد حضر القمة تسعة رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء، وأرى أن التمثيل طيب للغاية ويعبر عن الاهتمام بعودة العراق إلى البيت العربي، وهذه نقطة هامة في إطار التعاون مع العراق. كثير من الصحفيين يطرحون علي أسئلة حول هذه الإنجازات؟ وأقول لهم خطوة خطوة، نحن نفكر في جميع الأبعاد، ونسير في خطى ثابتة. زيارتي للجزائر غير عادية وماذا عن زيارتك للجزائر يوم الاثنين المقبل؟ أنا من الناس الذين يدركون جيدا قيمة الجزائر وأهميتها بالنسبة إلى العالم العربي. كنت قد شاركت في ندوة بأمريكا، وسألوني عن العالم العربي، فقلت لهم هناك دولتان لديهما إمكانيات كبيرة، كالثروة القومية من بترول وأراضي زراعية، والإمكانيات البشرية والتاريخ، ما يؤهلهما للحاق بالدول الأوروبية، قلت لهم إن الدولتين هما الجزائر والعراق. الواقع أن الجزائر تتميز بموقعها المطل على البحر المتوسط أمام أوروبا مباشرة، ولديها شعب لا تنقصه الخبرة، ولديها القيادات لأننا يجب لا أن ننسى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو أقدم السياسيين في العالم العربي، فهو يمارس السياسة منذ الستينيات، وأعتقد بأنه لا يوجد اليوم أحد في العالم العربي لديه هذه الخبرة، وبالنسبة إلي زيارة الجزائر هي زيارة غير عادية، الجزائر مقبلة على انتخابات هامة، وجامعة الدول العربية أرسلت وفدا وسوف ترسل باقي الأعضاء، حيث إن مراقبي الجامعة يقدر عددهم ب126 لديهم خبرة سابقة في مراقبة الانتخابات، وأتوقع انتخابات هادئة ونزيهة، وهذا هو المهم إن شاء الله. من سيرافقك في الزيارة؟ الوفد الذي سيذهب معي إلى الجزائر مكون من نائب الأمين العام وهو الجزائري أحمد بن حلي، ورئيس مكتب الأمين العام، الذي سيبقى بعد ذلك للإشراف على المراقبين. وهناك اهتمام غير عادي من قبل الأمانة العامة وجامعة الدول العربية بخصوص الانتخابات الجزائرية، وهو أكبر وفد من جامعة الدول العربية يشارك في انتخابات دولة عربية. هل هناك قضايا أخرى مطروحة على طاولة اللقاء مع الرئيس بوتفليقة غير الانتخابات التشريعية؟ الجزائر مر على ثورتها خمسون عاما، وقدمت الكثير، وقبل نصف قرن كان من الصعب أن تتفاهم مع شخص جزائري باللغة العربية، ولا شك في أن تجربة التعريب في الجزائر خلال نصف القرن الماضي تنظر إليه الدول العربية وبقية دول العالم بإعجاب شديد، وكما قلت الرئيس بوتفليقة هو أقدم سياسي في العالم العربي، وأنا أحتاج إلى أن أفتح معه كل الموضوعات السياسية المطروحة على الساحة العربية، أو فيما يخص جامعة الدول العربية نفسها، ولدي اهتمام شديد بأن نتفق في الآراء سواء مع الرئيس أو الطاقم المحيط به، لأن وجهة نظر الجزائر مهمة ونحن في حاجة إليها، ورجائي أن تقوم الجزائر بدور كبير، والجزائر دائما تلعب دورا قويا، وأرجو من جميع الدول العربية أن تشعر بأن ما يحدث في العالم العربي يخصها، وأن ما يتعلق بتطوير الجامعة وتحسين أدائها يخصها أيضا، وعليها أن تلعب دورا فيه.