تختلط الأمور على المرء عندما يقف على ضحالة البرنامج المعد لإحياء خمسينية الاستقلال في الجزائر والتأخر المسجل في الإعلان عنه، مقارنة بزخم النشاط الذي تشهده فرنسا لنفس المناسبة، في إطار مراجعة التاريخ لصالحها. ونخشى إذا تواصلت الأمور على هذا النحو أن يأتي يوم وتطالبنا فرنسا بالاعتذار لها ونقول لها ''عذرا لأننا اكتشفنا متأخرين الدور الإيجابي للاستعمار والمهمة الحضارية التي قدمتم من أجلها''. لأننا لو كنا نعلم لما قاومنا فرنسا وجيشها الإفريقي بجنرالاته إثر انتفاضاتنا الشعبية. ولترجينا أن يتقبل جنود الاحتلال اعتذارات من اقتلعت آذانهم من أجل المكافأة واعتذار آلاف أطفال ونساء ورجال قبيلة أولاد رياح بمنطقة الظهرة للجنرال ''بيليسيي'' وبيجو لهروبهم إلى المغارة التي احترقوا فيها عن آخرهم، لجهلهم لمهمتكم الحضارية. كما كان سيرتمي في أحضان فرنسا طلبا لصفحها ملايين الجزائريين ممن سُفكت دماؤهم وشردوا بعد انتزاع أراضيهم بقوانين فارنيي وسيناتوس كنسيلت. لو كنا نعلم، لأرغمنا الشيخ الحداد على عدم إعلان الجهاد ورمي عصاه بسوق قرية صدوق، ولما قال كلمته ''سنرمي فرنسا في البحر كما رميت عصاي''. لو كنا نعلم، لما شجعنا الأمير عبد القادر والمقراني وبوعمامة ولالة فاطمة نسومر والزعاطشة وآخرين على مقاومة فرنسا. لو كنا نعلم لما قام مصالي وعلي لعيماش وآلاف الجزائريين في المهجر بتأسيس نجم شمال أفريقيا وحزب الشعب للمطالبة بالاستقلال. لو كنا نعلم لما قام مصالي بأخذ كمشة التراب في ملعب البلدي بالجزائر العاصمة ويقول ''هذه الأرض ليست للبيع'' في 2 أوت 6391 ورفضه لمشروع بلوم فيوليت الإدماجي. لو كنا نعلم لحذفنا مقطع قصيدة ابن باديس ''من رام إدماجا له -رام المحال من الطلب''. لو كنا نعلم لما خضنا الثورة ولأمرنا الشعب بعدم احتضان الثورة بعد رميها للشارع. لو كنا نعلم، لاعتذرت آلاف القرى المدمرة من الطائرات وقنابل ''النابالم'' ولاعتذر ملايين ممن وضعوا في المحتشدات من ضباط ''لاساس'' والحركى. ولاعتذر من تعرضوا للتعذيب من جلاديهم والمغتصَبات من المغتصبين. لو كنا نعلم لطلب زبانة وفراج وإيفتون وكل من نفذ فيهم حكم الإعدام الاعتذار من فرنان ميسونيي صاحب المقصلة. وعذرا لحصولنا على استقلالنا لأننا لسنا أهلا للحرية وممارسة الديمقراطية، وحمدا لله أن حكامنا تفطنوا للأمر وحرمونا من الاستقلال فلم الاحتفال إذا؟ [email protected]