يسترجع المجاهد الدكتور، أحمد مهساس، في هذا الحوار، الظروف التي رافقت إنشاء المنظمة الخاصة التي كان عضوا في هيئة أركانها، وكيف هندس لتفجير الثورة، بعد اكتفاء فرحات عباس والحزب الشيوعي وجمعية العلماء المسلمين بمطالبة السلطات الفرنسية بالحقوق دون الاستقلال التام، ثم انسحابهم من الساحة بعد مجازر 8 ماي 1945 عارضنا مصالي الحاج عندما نصب آيت أحمد على رأس المنظمة السرية لقلة كفاءته وميولاته الجهوية مشروع تجريم الاستعمار غير مهم وأدعو الرئيس للاهتمام بالشباب والفساد واتهامهم لحزب الشعب بتوريط الجزائريين في هذه المجازر. يبرر أحمد مهساس رفض بعض قيادات المنظمة السرية تولي حسين آيت أحمد رئاستها بعد وفاة محمد بلوزداد، بعدم كفاءته ورعايته للجهوية. ومن منطلق موقعه بحزب الشعب، ومعايشته للإرهاصات الأولى للحركة الوطنية، يعتبر مهساس كلا من عبان رمضان والعقيد عميروش مجاهدين عاديين، ولم يكونا مهندسا الثورة، مثلما يرد في بعض الكتابات التاريخية، وربط ما وصفه بالمبالغة والتبجيل ب”النعرة الجهوية لدى البعض”. وينفي أحمد مهساس ما جاء في كتاب سعيد سعدي بخصوص الاتهامات التي وجهها للرئيس الراحل هواري بومدين وعبد الحفيظ بوصوف، باغتيال العقيد عميروش وسي الحواس، ويربط ذلك بمحاولة كسر رموز الحركة الوطنية في الجزائر وتفتيتها، كما قلل مهساس من أهمية مشروع قانون تجريم الاستعمار، تقديرا منه أن المستعمر أصلا مجرم، ويفسر تداوله في الوقت الراهن بمحاولة التغطية على الأوضاع السيئة، داعيا رئيس الجمهورية بالمناسبة، لتغيير الواقع المتدهور والاعتناء أكثر بالشباب من خلال توفير مناصب الشغل والسكن، وتمكين الأغلبية من الاستقرار. كيف تم إنشاء المنظمة السرية؟ الدكتور أحمد مهساس: إن قضية المنظمة السرية، لا يمكن تناولها بمعزل عن المحيط العام الذي ميز تلك الحقبة التاريخية، وميلادها كان نتيجة لنضال، ووضعية نظامية عايشناها، فمنذ نداء مصالي الحاج، سنة 1926 الخاص بالاستقلال، بدأت تلك الفكرة تنتشر بين الجزائريين شيئا فشيئا، حتى نضجت وأصبحت واقعا ملموسا. ومن جملة ما حدث، أنه تم بعث التنظيم تحت اسم حزب نجم شمال إفريقيا سنة 1936، الذي حل من طرف الاستعمار الفرنسي، وأعيد تأسيسه تحت اسم حزب الشعب سنة 1937، الذي عمد إلى تعميق فكرة الاستقلال أكثر من السابق، لكن بتصور غير الذي كنا نؤمن به، لكن بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، لجأت فرنسا إلى حل جميع التنظيمات، حتى تسيطر على الأوضاع داخليا. إن ممثلي الحركة الوطنية آنذاك، فرحات عباس، الحزب الشيوعي وجمعية العلماء، كانوا يطالبون بالحقوق، ويتفاوضون مع الفرنسيين في باريس من أجل جلب الحقوق للجزائريين، ولم ينادوا يوما بالاستقلال، وللأسف الشديد أنهم حتى عندما كانوا يعودون من باريس، لم يأتوا بأي إضافة للجزائريين، لهذا كنا متيقنين من أن فكرة المطالبة بالحقوق خاطئة، ولن تطرد فرنسا من الجزائر. زيادة على ذلك، فإن كل الانتفاضات الشعبية التي شهدتها الجزائر خلال القرن ال19 لم تنجح، أي لم تحقق الاستقلال، لذا أخذنا في الاجتهاد والتفكير لتأسيس تنظيم أكبر وأحسن واستراتيجي، يحقق الهدف الأسمى، وأن إعلان حزب في تلك الأوضاع خطر كبير في نظر السلطات الاستعمارية، الأمر الذي عزز الاتجاه الجديد والنضال في السرية منذ سنة 1939. وأؤكد هنا أنه لو كانت فكرة الاستقلال منتشرة بقوة وسط الشعب الجزائري ووجدنا الدعم الكافي خلال تلك الفترة، أي في الأربعينيات، لتمكنا من طرد فرنسا وحصلنا على الاستقلال، فالمنظمة السرية كانت جد فعالة ومحركة للأوضاع، باعتبارها تنظيما سياسيا سريا ومعارضة جديدة للاستعمار، وكانت محاولة أولى لتوحيد الرؤى، بعد أن وجدت جماعة تكتفي بالمطالبة بالحقوق، وطرف آخر متشبع بفكرة الاستقلال والعمل المسلح لتحقيق الاستقلال. كيف كان وقع مجازر 8 ماي 1945 على رموز الحركة الوطنية ونشاطها؟ ارتكبت السلطات الفرنسية مجازر 8 ماي 1945، من أجل تحطيم التوحيد الجديد “أحباب البيان والحرية”، ومحو فكرة الاستقلال تماما من أذهان الجزائريين وترهيبهم، وأنا أذكر أن الجميع تراجع، وبقي حزب الشعب ينشط وحده في الميدان، ولم يكتف هؤلاء بالانسحاب، بل اتهمونا بتوريط الشعب الجزائري، والدفع به إلى التهلكة وتوريطه، وحملونا المسؤولية، ولهذا بقي الحزب وحده في النضال السياسي السري. ولقد شارك الحزب في الانتخابات وعقد مؤتمره السري سنة 1947، واتخذ القرارات بإعطاء الأسبقية للمرحلة المسلحة وتأسيس نظام خاص، أي نظام سياسي ونظام الانتخابات الرسمي والمنظمة الخاصة التي تستعمل الوسائل العسكرية، كما كان يؤكد على ضرورة المشاركة في الانتخابات بهدف توعية الشعب وتعزيز فكرة الاستقلال لديه. ما هي الاستراتيجية التي اتبعتها المنظمة الخاصة ضد المستعمر الفرنسي؟ كنا نتدرب على أساس العسكري العادي، وركزنا عملنا أكثر على حرب العصابات والمقاومة النفسية ضد الاستعمار حتى نضيق عليه الخناق، كان المجند في التنظيم يخضع لمجموعة من الامتحانات، ويقع تحت المراقبة الصارمة، وكان التدرج في التكوين من نظام سياسي إلى نظام عسكري تحدده مقاييس واضحة ودقيقة، فالسرية كانت شرط نجاح المنظمة في مهامها، إلى درجة أن أي وافد إليها لا يكشف عنه، ومن يغادرها لا يكشف عنه أيضا. قلتم إن التجنيد بالمنظمة الخاصة كان يخضع للعديد من المعايير ويخضع للصرامة، ومع ذلك عين مصالي الحاج حسين آيت أحمد على رأس المنظمة الخاصة بعد وفاة محمد بلوزداد، فما تفسيركم لذلك؟ إن المرحوم محمد بلوزداد ترأس المنظمة الخاصة وأدارها بجدارة، لكن عندما باغته المرض، اضطر إلى التخلي عنها، وهنا قام مصالي الحاج بتزكية حسين آيت أحمد، على رأس المنظمة الخاصة، ولم أكن وحدي من عارض تعيينه على رأس المنظمة الخاصة، بل عبر العديد منا عن عدم رضاهم برئاسته للمنظمة، وحاولنا إقناع مصالي الحاج، لكنه رفض قطعيا استخلافه بشخص آخر. ما هي المعايير التي اتخذتموها للحكم على عدم كفاءة آيت احمد في رئاسة المنظمة، وهل كان لديكم بديل أو اقتراح آخر؟ لقد عارضنا تنصيب حسين آيت أحمد، على رأس المنظمة الخاصة، لأنه لم يكن له رصيد نضالي كاف بحجم المنصب الموكل إليه، وكنا نفضل أن يتم تعيين بعض قادة الولايات، كما هو الشأن مثلا لبوتليليس، المنحدر من ولاية وهران، الذي كان يشرف على المنطقة الخامسة، كما أن آيت أحمد كانت كفاءته ناقصة ولا تتوفر لديه صفات القيادة. زيادة على هذا، كنا متخوفين من أن يقوم بزرع الجهوية في الحزب، بحكم ميولاته ودعمه للمنحدرين من منطقة القبائل، ونحن كنا نريد الوحدة بعيدا عن تلك الرؤى والأفق الضيق، وكنا نكره الجهوية ونمقتها، لأنها لا تخدم مصلحة الشعب والجزائر، فالوحدة كانت ضرورية أكثر من أي وقت مضى للوصول إلى نتائج جيدة. هل حقا كان حسين آيت أحمد راعي الحركة البربرية داخل الحزب؟ نعم إن آيت أحمد قد أظهر في أكثر من مناسبة دعمه للحركة البربرية، التي هي فخ من صنع المستعمر الفرنسي، من أجل تفكيكنا وإضعاف تنظيمنا وإحكام قبضته أكثر على الجزائر، وكانت تلك الحركة إحدى النماذج لسياسة “فرق تسد”، المنتهجة من طرف فرنسا، ورغم أن فرنسا استثمرت في هذه القضية، لكنها لم تنجح ولم تنل ما كانت تصبو إليه، وهو تكسير صفوف المناضلين. لكن كيف استطعتم الصمود في وجه مثل هذه المحاولات الرامية لتكسير الحزب على أساس الجهوية؟ إنني أؤكد أنه لولا الدين الإسلامي الذين كان يدين به الشعب الجزائري، والعروبة، لما استطعنا الصمود في وجه الفرنسيين، ولكنا تفرقنا، وكان هذا عاملا مهما في تماسكنا وصد جميع هجمات المستعمر، وإلا لكان مصيرنا مثل ما حدث ويحدث في بعض الدول التي فتتتها الجهوية، التي حاربناها ولا زلنا نحاربها. لماذا انتقدتم مصالي الحاج؟ إن الحزب الذي كان وراء الثورة انتهى به الأمر إلى التفتت، وهذا كان كارثة حقيقية، فنحن كنا مستعدين للتضحية بحياتنا لبناء نظام الاستقلال، وبعد أن قطعنا تلك الأشواط وجدنا مسؤولين لم يتفهمونا، ولم يقوموا بأي تنازل أو تضحية، حينها أدركنا جيدا أن الحزب الذي ضحينا من أجله خذلنا، وعلى رأسهم مصالي الحاج، فلم يقم بأي تنازل من أجلنا، لهذا كرهنا الزعامات ولم نعد نؤمن بها. فتجربة مصالي كانت درسا مريرا، وفي نفس الوقت كافيا لنا للاقتناع بعدم تنصيب أي زعامات جديدة. وهكذا انقسم الحزب، فبقيت جماعة مع مصالي الحاج، وانضمت أخرى للمركزيين، ونحن فضلنا البقاء في المجموعة المستقلة، ولما جاءت حادثة “لوس”، لم يقوموا بأي عمل لنجدتنا، بل كانت مناسبة لهم حتى يتخلصوا منا. كيف تم حل المنظمة الخاصة ؟ لقد تم حل المنظمة السرية عندما كنت في السجن، وطلبت من المحامي أن يبلغهم بعدم حل المنظمة الخاصة، لأن الشعب سيعتقد أن الحزب قد تراجع عن فكرة الثورة، وطلبنا منهم بذل جهد من أجل إخراجنا من السجن، لكنهم أبوا، لأنهم لم يريدوا الاحتفاظ بالمنظمة الخاصة. كيف انضممتم إلى هيئة أركان المنظمة الخاصة ؟ لقد التحقت بهيئة أركان المنظمة الخاصة سنة 1948، مباشرة بعد معاينة قمت بها للمنطقة الممتدة من تيبازة إلى غاية الشلف، فيما يشبه عملية مسح المناطق التي ستشملها الثورة، وكلفت بعدها بقيادة المنطقة الرابعة التي كانت تسمى جنوبالجزائر، وهي تمتد من منطقة بوفاريك شرقا إلى الاغواطجنوبا وتنس غربا. لماذا كانت هناك معارضة من طرف الحزب لعمل المنظمة الخاصة ؟ لقد عارضونا لأنهم ظنوا أن الفرنسيين سيعملون مع الوطنيين المركزيين، وأن الاستقلال يمكن أن يمنح لهم بالتفاوض أو كهدية تقدم على طبق من ذهب، وأنهم سيفتكون المزيد من الحقوق، ولهذا كانوا يرفضون العنف ويدعون إلى التخلي عنه، وبعد الانتخابات شرعوا في قمعنا، أي المصاليين والمركزيين، وهنا قمت بمبادرة اسمها “نداء العقل” عكست موقف تيار جديد داخل الحزب نفسه. إن القيادة هي التي حطمت الحزب وليس القاعدة، وهذا هو السبب الذي دفعنا إلى البحث عن نموذج جديد للثورة، وذهبت حينها إلى المناضل السابق في نجم شمال إفريقيا، المدعو راجف بلقاسم، حتى يمنحنا الواجهة للعمل في السرية التامة حتى يقتنع بنا الشعب. كيف كانت علاقتك بعبان رمضان ؟ أنا من قمت بتجنيد عبان رمضان بالحزب، بعد أن اقترحه علي بعض المناضلين، واستطعت تقييمه بعد جلستين، ثم أدخلته في التنظيم. لماذا فشل مؤتمر طرابلس؟ كنا مقتنعين بضرورة عقد اجتماع بعد اندلاع الثورة، لأن ثورتنا لا تشبه الثورات الأخرى، وهي متميزة عنها جذريا، وكان لابد من إعادة جلب المناضلين للحزب على أساس جديد يرفض الزعامة، وبعد مؤتمر الصومام قررنا الدخول في الثورة، لكن المركزيين عارضونا تماما، وبعد اندلاع الثورة اعتقدت فرنسا أن الحزب قد انشق، لكنها أدركت فيما بعد أن الجناح المسلح هو الذي فجرها. لقد عارضتم في الكثير من المرات طريقة كتابة التاريخ وأعربتم عن تذمركم الشديد، خاصة من التلفزيون، لماذا ؟ نعم، أنا مستاء جدا من الطريقة التي يتناول بها البعض كتابة تاريخ الثورة الجزائرية، لأنني سجلت غياب عنصر الموضوعية، وتتم في الكثير من الأحيان بمبالغة وتبجيل في غير محله، وهذا أمر لا يمكن أن يكون مبررا بأي شكل من الأشكال. وأذكر هنا مثلا، عندما يصفون عبان رمضان بمهندس الثورة ويؤكدون أن المجاهد الفلاني هو زعيم الثورة، عبان رمضان، مثلا، ومع كل احتراماتي لروحه، كان مجاهدا مثل غيره من المجاهدين، وحتى عميروش، ولا يجوز علميا أن نقول إنه مهندس الثورة، بدليل الوقائع المادية التي أعرفها جيدا، إن “القبائل” يبالغون في تمجيد أي مجاهد ينحدر من منطقتهم وهذا غلط. فأنا من أشرفت على تجنيد عبان رمضان سنة 1947، ثم دخل بعدها السجن، ولما خرج منه وجد الثورة قد اندلعت، ومن هذا المنطلق كيف يهندس لشيء وهو غائب عنه، أما عندما يتناول التلفزيون الجزائري المواضيع التاريخية، فيقع في الأخطاء نقلا عن بعض التصريحات، وهذه الأمور لا تخدم حتى الثورة، بل تسيء إليها، لأنها غير موضوعية. ماذا تقترحون لتصحيح الوضع؟ أنا شخصيا أجد نفسي محرجا وفي وضعية غير مناسبة عندما أقوم بتصريحات متعلقة بالثورة أو الحركة الوطنية أو المنظمة الخاصة، بكل موضوعية، لكن أجد بالمقابل آراء وتصريحات فيها الكثير من المبالغة وأحيانا خاطئة، فهذا يضر بالتاريخ نفسه ولا يخدم المصلحة الوطنية. وأنا عندما أتحدث استند إلى كرونولوجيا تاريخية، باعتباري شاهدا تاريخيا على البدايات الأولى للحركة الوطنية، ومنذ عهد مصالي الحاج، وأغلبية التطورات التي رافقتها إلى غاية تأسيس الذراع المسلح وانعقاد مؤتمر الصومام، ثم اندلاع الثورة ومرحلة الاستقلال، وعلى هذا الأساس بإمكاني تقدير أية حادثة أو أي مجاهد وفق المهمة التي كان يؤديها، ونطلق عليه الوصف المناسب دون زيادة أو نقصان. لقد تناول رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، سعيد سعدي، قضية التاريخ والمجاهدين، واتهم الرئيس الراحل هواري بومدين وعبد الحفيظ بوصوف باغتيال العقيد عميروش وسي الحواس وهما في طريقهما إلى تونس من أجل جلب الذخيرة، وقدم بعد المعطيات، فهل هذا صحيح؟ أنا أنفي مثل هذه التصريحات، لأنها خاطئة وغير صحيحة، وسعيد سعدي لم يستند إلى أية أدلة مادية تؤكد ما قاله، وقد شتمني نجل عميروش عبر الصحف، والإشكالية كما سبق وأن قلت، أن المنحدرين من منطقة القبائل يبجلون كثيرا المجاهدين الذين ساهموا في الثورة، ويعتبرونهم أكثر قيمة من المجاهدين الآخرين، فهم يحكمون ويصنفون الحوادث على أساس الجهوية التي حاربناها دائما، ولولا الإسلام لتفتت المجتمع الجزائري. في تقديرك، لماذا صدر كتاب سعدي في هذا الظرف بالذات، وما المقصود من ورائه؟ المقصود من كتاب سعيد سعدي وجميع الاتهامات التي ساقها، هو تشويه رموز الحركة الوطنية والمساس بها، والإنقاص من قيمتها المعنوية، وهذا ليس مباحا، كما أن هناك بعض الأطراف ترعى هذه الأمور، خاصة تلك التي تساند فرنسا. يجري حاليا الإعداد لمشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، وهناك جهود من طرف البعض من أجل افتكاك حق الاعتذار والتعويض، كما أن الحكومة التزمت الصمت، ففي تقديركم هل سيري هذا المشروع النور، أم أنه مجرد مشروع سيبقى حبيس الأدراج؟ بإمكاني أن أجزم أن فرنسا لديها فريقا من الخبراء والمتمرسين في الشؤون السياسية أذكياء، ولا يمكن النيل منهم بالسهولة التي يتصورها البعض، وأنا أقول هذا بحكم التجربة النضالية التي مكنتني من معرفة الفرنسيين جيدا أثناء السرية وخلال الثورة، خاصة عندما كلفت بزراعة خلايا الافالان بفرنسا، وفي اعتقادي إقرار قانون تجريم الاستعمار لن يكون سهلا، كما أنه ليس هو المهم الآن. كيف تعتبرونه غير مهم، والمشروع رد صريح على قانون تمجيد الاستعمار، كما بإمكانه تعويض ضحايا التجارب النووية وجرائم الإبادة، ووضع حد للتمادي الفرنسي تجاه رموز الثورة، كتصريحات كوشنير، وإقامة مؤسسة للفكر الاستعماري وغيرها من الأمور الأخرى ؟ في اعتقادي، المهم في الظرف الراهن هو الالتفات إلى الأمور الأساسية التي تهم المواطن، فيجب تصحيح العديد من الأوضاع، الصعيد الاجتماعي يشهد تدهورا، كما أتأسف لانتشار الفساد في العديد من القطاعات. لقد دعمت رئيس الجمهورية عندما اعتلى سدة الحكم وساندت برنامجه لأنني اقتنعت به، لكن هناك أمورا يجب تصحيحها والتركيز عليها من أجل بسط الاستقرار، كما هو الشأن بالنسبة للشباب الذي يعتبر المحرك الأساسي وطاقة البلد كله، ولهذا فالأمور الأساسية في نظري هي توفير مناصب الشغل، السكن وتحسين الظروف المعيشية، حتى نقلص من العنوسة ويتمكن الشباب من الزواج، أما بالنسبة للاستعمار، فهو مجرم ولا نقاش في هذا الأمر، ولا نحتاج إلى قانون حتى نجرمه وندينه. ما هي الاقتراحات التي تقدمونها لتربية الأجيال على التاريخ الصحيح؟ اعتبر أن الطريقة المناسبة لتلقين التاريخ للأجيال، هي كتابته بطريقة صحيحة، وأن نكون صادقين في ممارستنا و تعهداتنا. السيرة الذاتية الدكتور أحمد مهساس، من مواليد سنة 1923 بمدينة بودواو بولاية بومرداس، بدأ النضال ضد المستعمر الفرنسي في صفوف الحركة الوطنية سنة 1940، سجن عدة مرات بسبب مواقفه السياسية المناهضة للاستعمار، كما تقلد مناصب عليا في الحزب، ثم باللجنة المركزية وساهم بعدها في إنشاء المنظمة الخاصة، وكان عضوا فاعلا في قيادة أركانها. سجن سنة 1950 في واقعة “كومبلو”، وفر من السجن رفقة بن بلة، كما يعتبر أول من زرع خلايا الأفالان بفرنسا. شغل منصب عضو مجلس الثورة، ثم وزيرا للفلاحة خلال الاستقلال. اختار المنفى الاختياري سنة 1966 بفرنسا، وهو خريج المدرسة التطبيقية للدراسات العليا، ثم نال دكتوراه في علم الاجتماع.