جاء منطوق الحكم على مبارك ونجليه ووزير داخليته ومعاونيه الستة، مخالفا لما كان ينتظره الشارع المصري، ورأى شباب الثورة أن الحكم مجحف في حق الشهداء وأهاليهم وفي حق مصر الثورة، الأمر الذي دفع بهم للنزول من جديد إلى ميدان التحرير بالقاهرة وإلى الميادين الرئيسية في باقي المحافظات المصرية. هذه الأجواء جعلت مصر تعيش توترا سياسيا كبيرا، وضعها أمام عدة احتمالات، منها اندلاع ثورة ثانية، كما يتمنى ذلك ثوار مصر. كل هذا قبل أيام قليلة من تنظيم الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي سيتنافس فيها كل من محمد مرسي والجنرال أحمد شفيق. سيناريوهات ما بعد الحكم على مبارك الشيخ والجنرال يستثمران في الغضب كل السيناريوهات عادت إلى الطاولة من جديد بمجرد عودة حشود الغاضبين إلى ميدان التحرير، ورغم الدفع بقوة من قبل المجلس العسكري نحو جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة المصرية، إلا أن شباب الثورة والقوى السياسية لهم رأي آخر، وساعدهم في ذلك الأحكام القضائية التي صدرت بحق مبارك وأعوانه ونجليه. لكل قوة سياسية في مصر الآن سيناريو مفضل، جماعة الإخوان المسلمين تريد أن تصب موجة الغضب في الشارع لصالح مرشحهما للرئاسيات الدكتور محمد مرسي، ودعت بالفعل القوى السياسية للاحتشاد من أجل دعم مرسي، الذي وعد بإعادة محاكمة مبارك بشكل عادل، لذا قرر أفرادها النزول بشكل رمزي إلى ميادين الحرية في مصر، ودعم موجة ثانية من الثورة، ولكن في إطار من الضغط لكسب أصوات لصالح مرشحهم من جهة، وتقليل الدعم القوي لمؤسسات النظام القديم لأحمد شفيق، من جهة أخرى. وبالموازاة، يريد الجنرال أحمد شفيق الوصول إلى جولة الإعادة في أمان، فهو يثق أن وراءه حشد ضخم من رجال الأعمال الذين يدعمونه بالمال وأصوات العاملين معهم، ويراهن على قطاعات عريضة من المجتمع المصري، منهم المسيحيون والصوفيون وقطاع السياحة وقوى النظام القديم، من الشرطة وعائلاتهم وعائلات ضباط الجيش التي لا تريد أن تخرج مؤسسة الرئاسة من الرتبة العسكرية، بالإضافة إلى رهانه على الدعم الدولي من أمريكا والاتحاد الأوروبي الذي لا يريد دولة إسلامية في مصر، كما يراهن أيضا على بعض أنظمة الحكم في الخليج التي تفضل التعامل مع نظام مبارك، كما يراهن على إسرائيل التي تراه الوحيد الذي سيحافظ على اتفاقية كامب ديفيد دون تعديلات، وسيحافظ لهم على مزايا اقتنصوها من مصر طوال فترة حكم مبارك. لكن هذه السيناريوهات تقف تماما حينما يعود شباب الثورة إلى ميدان التحرير، فلهؤلاء كلمة أخرى ويراهنون على الشارع الذي أعطى لمرشحيهم 8 ملايين صوت، تقاسمها كل من حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، وهي الكتلة التصويتية الأكبر في الانتخابات، وفي نفس الوقت، يشعر الثوار بأنهم كانوا ضحية طوال الأشهر الماضية، فقد مات منهم المئات في أحداث وزارة الداخلية ومجلس الوزراء وماسبيرو والعباسية، واعتقل منهم الآلاف طوال المرحلة الانتقالية، ويرفضون بشدة الخيار الصعب بين إعادة النظام القديم والدولة الدينية، لذا طرحوا فكرة الطريق الثالث، وهي العودة للشارع والحكم بالشرعية الثورية، وطرحوا سيناريوهين: الأول تكوين مجلس رئاسي مدني برئاسة الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وممثلين عن الإخوان والسلفيين، أو إنشاء مجلس رئاسي مدني يضم محمد مرسي وحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، ويتولى هذا المجلس إدارة انتخابات جديدة ودستور والمرحلة الانتقالية، لكن هذا الطرح يحتاج إلى دعم قوي من الشارع، وموجة ثانية للثورة، ما يعني إبعاد المجلس العسكري عن تكملة إدارة الفترة الانتقالية. أما السيناريو الثاني الذي وضعه شباب الثورة، يتمثل في استبعاد أحمد شفيق من الماراطون الرئاسي، من خلال تطبيق قانون العزل السياسي، وبالتالي صعود حمدين صباحي لجولة الإعادة، ليصبح للثورة منافسا في الإعادة. نائب رئيس مجلس الدولة المصري، المستشار عمرو جمعة، ل''الخبر'' الطعن في الحكم على مبارك سيأتي بمفاجآت ما هو الموقف القانوني في حال إقرار قانون العزل السياسي، وما هي السيناريوهات المطروحة إذا تم استبعاد أحمد شفيق؟ رغم استثنائية فكرة العزل السياسي لقيادات الحزب الوطني الديمقراطي المصري المحل، دار الحديث بين القوى السياسية في أعقاب الثورة على إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرسوما بقانون يفيد ذلك، إلا أن هذا لم يصدر، ومرت الأيام وطالبنا البرلمان المُنتخب منذ أولى جلساته بإصدار مثل هذا القانون لكنه لم يُصدره في تهاون غريب، ولم يقم بذلك إلا لما تقدم للترشّح اثنان من قيادات النظام، هما السيدان عمر سليمان وأحمد شفيق، وسبق أن قلنا إن هذا القانون هو نوع من التلاعب الذي يقوم به البرلمان، لأنه لو كان جادا في المبدأ لأصدره منذ البداية، وهو ما أوقعنا الآن في هذا اللبس الدستوري، وحتى لما همَّ بإصداره استثنى بعض الفئات لأسباب سياسية أو مصلحية، من بينهم الوزراء السابقون حتى لا ينال العزل رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان وزيرا للدفاع في حكومات مبارك المتتالية، وكذا السيد عمرو موسى، أما في حال صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بدستورية القانون ومن ثم إقراره، فإن الوضع القانوني والمنطقي هو بطلان ترشيح أحمد شفيق، وبالتالي جميع ما يترتب عليه من إجراءات ونتائج، حتى في حالة فوزه بالمنصب، ويقتضي ذلك إعادة الانتخابات كلية منذ البداية. وأقول إن هذا ما يُمليه المنطق القانون والواقعي، ولكن قد نصطدم من جديد بالقنبلة الموقوتة التي جاءت بها أحكام المادة 28 من الإعلان الدستوري وتحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية. وما هو الموقف الذي تتوقعه في النقض في قضية مبارك؟ جاء الحكم في قضية مبارك وولديه ومعاونيه محبطا من الوجهة السياسية والاجتماعية لأحلام الثورة، غير أنه من الوجهة القضائية والقانونية هو نتاج ضمير القاضي وقت استحضاره وقائع الدعوى وفق الثابت لديه من الأوراق وشهادات الشهود، وقد ثبت من حيثيات الحكم بشكل صارخ مدى تباطؤ وتواطؤ أجهزة الأمن والتحريات المصرية المختصة في إمداد المحكمة بالمستندات والأدلة، التي كانت غير كافية لإثبات الجرائم، الأمر الذي انعكس على الحكم ذاته، وأتصور أن الطعن في الحكم أمام محكمة النقض سيأتي بمفاجآت قانونية جديدة. طالبت حركات وأحزاب والبرلمان بإقامة محكمة خاصة لمبارك لإعادة محاكمته، ما إمكانية هذا الطرح؟ إن ما يحدث في هذا الشأن يعتبر نموذجا مريبا لاستثمار الحكم القضائي سياسيا وانتخابيا، والتلاعب بعواطف ومشاعر الشعب المصري الذي يتمسك بقشة الحلم لاستطلاع مستقبل أجمل، فجميع القوى السياسية في أعقاب الثورة آثرت الشرعية القانونية والديمقراطية وليست الشرعية الثورية، وبالتالي أن تكون المحاكمات الجنائية للرئيس السابق وولديه ومعاونيه أمام القضاء الطبيعي وليس أمام قضاء استثنائي. وفكرة إعادة المحاكمات التي ألهبت حماس الجماهير، هي في الأساس فكرة تتنافى مع مبدأ الديمقراطية والدولة القانونية. القاهرة: حاورته سهام بورسوتي ''الخبر'' تقضي ليلة مع المعتصمين في ميدان التحرير ''نحن شعب أقام جمعة الغضب يوم السبت!'' لم تتوقف الحلقات النقاشية في ميدان التحرير طوال ليلة السبت إلى الأحد، وقد سهرت ''الخبر'' مع المعتصمين حتى الساعات الأولى من صباح أمس. فقد غلب على المشهد مزيج بين الغضب والفرحة. المعتصمون يشعرون بالسعادة، لأن الثورة مازالت في الميدان، والثوار يستطيعون جمع أنفسهم من جديد، فقد فرّقهم كل شيء وجمعهم الاتفاق على أن الحكم ضد مبارك ونجليه ووزير داخليته ومساعديه الستة، كان ''ظالما للثورة''. عادت إلى التحرير أجواء افتقدها الثوار منذ فترة، مثل الفكاهة وتعليق ملصقات ساخرة مكتوب عليها ''نحن الشعب الوحيد الذي أقام جمعة الغضب يوم السبت''، و''أبهرنا العالم بثورة ونبهره مرة أخرى بعودة النظام ونبهره ثالثا بثورة ثانية''، و''شفيق مثل القطط بسبعة أرواح لم تنجح معه 3 مليونيات وقانون العزل والتحقيق في موقعة الجمل''، و''إذا كان التصويت بعدد ضربات الأحذية فسيحصل شفيق على رئاسة الجمهورية بنسبة 99%''. وبجوار المتحف المصري، اجتمعت مجموعة من الثوار تغني وترقص طوال الليل، وغلب على أغانيها كلمات الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، وفي وسط الميدان وقفت مجموعة من مشجعي النادي الأهلي والزمالك يغنون أغاني ''الألتراس الشهيرة''، ومن أبرزها ''مش ناسيين التحرير.. قلناها زمان للمستبد.. الحرية جاية لابد.. يانظام غبي إفهم بقى مطلبي.. حرية حرية''. وعلى النحو ذاته، لم تخل الحلقات النقاشية من محاولة بعض شباب الإخوان المسلمين إقناع الثوار بأن يلتفوا حول المرشح محمد مرسي في جولة الإعادة، باعتبار أنه ''مرشح الثورة'' ضد شفيق ''مرشح الفلول''، لكن شباب الثورة رفضوا هذا المبدأ، مؤكدين على أن هناك طريقا ثالثا غير انتخاب شفيق أو مرسي، ويتمثل في عودة الثورة من جديد إلى الشارع. واتفق قطاع عريض من الشباب على استخدام أسلوب جديد في الحشد يعتمد على تنظيم مسيرات في الأحياء الشعبية لجمع ثوار جدد ينضمون إلى ميدان التحرير، وعدم الاكتفاء بثوار التحرير فقط. النائب العام المصري يطعن في الحكم قرر النائب العام المصري، عبد المجيد محمود، أمس، الطعن أمام محكمة النقض في الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة في قضية الرئيس السابق حسني مبارك. وذكر بيان صادر عن مكتب النائب العام أن ''إجراءات على الحكم بدأت''. كما قرر النائب العام تمديد قرار المنع من السفر الصادر بحق مساعدي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي الستة، الذين قضت محكمة الجنايات يوم السبت ببراءتهم. وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت بمعاقبة مبارك والعادلي بالسجن المؤبد ''لمشاركتهما'' في قتل المتظاهرين خلال الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق في 11 فبراير الماضي. وبرّأت المحكمة معاوني العادلي، كما برّأت نجلي مبارك جمال وعلاء، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم لسقوط التهمة الموجهة إليهم بالتقادم. الوكالات