من المستفيد من محاكمة مبارك ومن الخاسر ؟ عقب صدور الحكم ضد مبارك بدا شباب ثورة 25 يناير في محاولة حشد أكبر عدد ممكن من المعتصمين في ميدان التحرير، وقد تم تحديد موعد الساعة الخامسة بعد الظهر، وذلك بسبب الحر وصعوبة الاعتصام في الميدان تحت أشعة الشمس. "الفجر" واكبت أجواء بداية ما أطلقت عليه ائتلاف ثورة 25 اسم "الثور المصرية الثانية" التي انطلقت في عدة محافظات مصرية أهمها القاهرة والإسكندرية والسويس وذلك ساعات فقط بعد إعلان الحكم على مبارك الذي أزعج الشارع المصري بقوة ويبدو أنه يتجه لخلط أوراق سباق الرئاسة. خيبة الأمل تلون شعارات "الثورة الثانية" الطريق إلى ميدان التحرير له سبعة أبواب رئيسية توافدت من خلالها ثلاثة اتجاهات سياسية، تشكلت أساسا من "الأترس" الرياضي وهم الذين صنعوا المشهد الكبير الذي تناقلته عدسات الكاميرات العالمية وأيضا من قوى الثورة من الإخوان والليبراليين واليساريين الذين قضوا ليلتهم هناك بعدما استقبلوا كل من حمدين صباحي وخالد علي وعبد المنعم أبو الفتوح الذين لا يزالون يحظون بتأييد ثوري رغم خسارتهم لسباق الرئاسة من الجولة الأولى. أما الصنف الثالث الوافد على ميدان التحرير فقد كان من الجمهور الذين احتشدوا لمتابعة مجريات عملية الاعتصام وسط ميدان التحرير الذي أغلقت جميع منافذه أمام وسائل النقل بأمر من اللجان الشعبية التي عادت لتمارس سلطتها على ميدان التحرير. لا دخول إلى ميدان التحرير دون كشف هوية، فاللجان الشعبية يطلبون منك استظهار بطاقة التعريف وذلك لتجنب دخول رجال الشرطة والأمن والمخابرات، فهؤلاء زبائن غير مرغوب فيهم بميدان التحرير ومعظم المناوشات في ميدان التحرير تحدث في حال التعرف على شرطي أو شخص من مؤيدي المرشح للرئاسة الفريق أحمد شفيق.. تجد كالعادة شعارات ساخرة في ميدان التحرير تعكس حنين المتظاهرين إلى أيام 25 جانفي، فنجد شيخ رفع لوحة كتب عليها "مكنتش محاكمة كانت حقنة أدرليالين" وهي شعارات تعبر عن صدمة المواطنين من حكم محاكمة مبارك دون وجود مطالب واضحة وقد تلون الاعتصام في ميدان التحرير عقب النطق بالحكم بالشعارات التي تعبر عن السخط واليأس من حالة الفوضى التي يصر المجلس العسكري على إدخال الشعب المصري فيها قبل أيام من انتخابات رئيس للبلاد. ومن الضيوف غير المرحب بهم أيضا في الميدان باعة الشاي والمكسرات الذين غزوا ميدان التحرير منذ فترة طويلة، لكن مع بداية اعتصام القوى الثورية بدأت عملات تطهير الميدان من الباعة الجوالين الذين اضطروا للاستقرار في الشوارع الجانبية. إعلاميون يتلونون عكست تحركات وسائل الإعلام المصرية حالة من التخبط في التصريحات والمواقف، وربما كانت صحيفة الأهرام المصرية أكثر انحيازا إلى ميدان التحرير وإلى قضية الثورة وبإبرازها لعنوان المنشيت الرئيسي الأولى يحمل دلالات ضد قرار المحكمة وذلك في سابقة جديدة في تاريخ الإعلام المصري الحكومي الذي يعرف عليه دائما الوقوف في صف النظام، ولكن بعض القنوات المصرية استمرت في إعلان ولائها للمجلس العسكري واصفة قرار المحكمة بالهام والتاريخي الذي حقق للثورة أهدافها، كما انعكس ذلك على صحيفة الدستور المصرية التي كانت قبل اندلاع الثورة لسان حال أقوى المعارضين في مصر ولكنها اليوم تسجل خروجا عن الركب و حالها في ذلك حال العديد من الوجوه الإعلامية المصرية البارزة. من المستفيد من محاكمة مبارك ومن الخاسر؟ من منطلق القوة أصبح محمد مرسي مرشح الإخوان، يفاوض باقي التيارات السياسية التي خسرت الانتخابات من أجل تشكيل مجلس رئاسي للوقوف أمام فوز أحمد شفيق. وزار محمد مرسي ميدان التحرير وتم استقباله بحفاوة من قبل المعتصمين الذين أكدوا أنهم فعلا بحاجة إلى حشد جميع القوى السياسية وهو ما دفع بمحمد مرسي لأن يطلق على نفسه لقب مرشح الثورة المصرية بكل أطيافها في سبيل مواجهة عودة النظام القديم الذي يعتبر فعلا الرابح الأكبر من "محاكمة القرن" خصوصا بالنسبة لأنصار الحزب الوطني المحل وضباط الداخلية ورجال الامن بالدرجة الاولى التي سقطت عنهم تهمة قتل المتظاهرين بتأكيد من قاضي المحكمة وهو ما دفع بمساعدي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي الذين تمت تبرئتهم في قضية المشاركة في قتل الثوار إلى رفع قضية ضد وزارة الداخلية تطالب بالتعويض وإرجاعهم إلى مناصبهم القيادية... والخاسر الأكبر من محاكمة مبارك هو الفريق أحمد شفيق الذي بدا فعلا يقترب من سيناريو الإطاحة به قبل توليه مقعد رئيس الجمهورية، ولا يختلف اثنان الآن في مصر على أن شفيق هو مرشح المؤسسة العسكرية المصرية وهو ما يعني استنساخ نظام قمعي يشبه نظام مبارك، ورغم حظوظ شفيق الكبيرة في تولي المنصب إلا أنه بات يواجه تحد وغضب شعبي كبير بعد الحكم ضد مبارك خصوصا وأن القوى الثورية في ميدان التحرير فسرت قرار القاضي بأنها مؤامرة يقودها المجلس العسكري لوضع الثورة المصرية في مواجهة مع القضاء ولفت الانظار الى أخطاء المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية. وأصبحت مشاهد حرق وتمزيق صور المرشح أحمد شفيق عادية جدا بل ضرورة في بعض الأحيان يلجأ إليها المعتصمون للتأكيد على ولائهم الدائم للثورة ضد النظام السابق. وتعيش حملة شفيق حالة من الخوف خصوصا وأنها مكونة أساسا من رموز قيادية كبيرة في النظام السابق على غرار إبراهيم مناع، مدير حملة شفيق الذي شغل في عهد مبارك وزير الطيران، كما اتسعت عمليات حرق مقرات أحمد شفيق لتمتد إلى مدينة الفيومجنوب غربي القاهرة بعد أيام من إشعال النار في إحدى غرف مقره الانتخابي بالقاهرة، ولم يصب قرار المحكمة في صالح شعبية أحمد شفيق التي بدأت تتراجع بشكل واضح ويقول مصريون إن الأحكام وترشح شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك للرئاسة يؤكد فشل الثورة وأنه لم تحقق هدف إسقاط نظام مبارك.