الاستقالة من منظور قانوني، طلب مكتوب يعبّر فيه الموظف عن إرادته الصريحة في قطع العلاقة التي تربطه بالإدارة بصفة نهائية، وينبغي تقديمها إلى السلطة التي تملك حق التعيين. وبناء على هذا المفهوم، فالتصريح الذي جاء على لسان أحمد أويحيى، (استقالة الحكومة بيد رئيس الجمهورية ومسؤولية الفشل يتحمّلها الجميع) بصفته الوزير الأول والأمين العام للأرندي يصدم ويطرح علامة استفهام. فأويحيى من أبناء النظام وشغل منصب الرجل الثاني في السلطة التنفيذية منذ سنة 1996، على عدة فترات، ويفترض من هذا الموضع أنه أول العارفين بأحكام الدستور، لأن الفرق واضح، من جانب قانوني وآخر سياسي، بين الاستقالة والإقالة. وأويحيى، خرّيج المدرسة الوطنية للإدارة والإداري المتمرس، لا يتصوّر أن يغيب عنه مثل هذا الأمر. فمعروف أن الوزير الأول يعرض، وفق المادة 80 من الدستور، مخطط عمل حكومته على المجلس الشعبي الوطني ليحوز على ثقته. معنى ذلك أن المجلس الذي منح الثقة لأويحيى انتهى وجاء بدله مجلس جديد، فكان يفترض أخلاقيا أن يستقيل أويحيى. ثم هناك سبب آخر يفترض أن يدفع ''السي أحمد'' إلى تقديم استقالة حكومته. فبمجرد أن أعلن المجلس الدستوري عن نتائج الانتخابات في 15 ماي، أوجدت الانتخابات واقعا سياسيا جديدا يتمثل في أغلبية جديدة لجبهة التحرير الوطني. وبالتالي، احتراما ل ''إرادة الناخبين'' واستنادا للمادة الدستورية (86) التي تتيح للوزير الأول الاستقالة، كان على أويحيى رفع استقالته إلى رئيس الجمهورية ليضع الكرة في مرمى عبد العزيز بوتفليقة. لكن الاستقالة تتطلب شجاعة سياسية، لا يبدو أنها تتوفر في من يوصف بأنه أقرب مدني إلى القوى النافذة في الجيش. والاستقالة حق للوزير الأول وليس لرئيس الجمهورية الذي يعطيه الدستور، في مادة أخرى (77)، الحق في إعفاء أو إنهاء مهام الوزير الأول وبالنتيجة الحكومة، دون انتظار أن يقدم أويحيى استقالته! وبما أن ''السي أحمد'' لم يفعلها، من حق المراقب والملاحظ أن يقرأ هذه الحالة على أنها مؤشر تجاذبات بين أركان الحكم في البلاد. ويتعزز هذا المؤشر عند سماع أويحيى يقول: ''أنا مصدر إزعاج داخل النظام وخارجه''! أما ما جاء في الشق الثاني من تصريح أويحيى (الفشل يتحمّله الجميع)، يحمل دلالة تستحق التوقف عندها. فالقراءة التي تعطى لهذا الكلام، هي أن الرئيس بوتفليقة هو من يجب أن يستقيل، لأن في كلام أويحيى تلميحا إلى الرجل الأول في السلطة التنفيذية صاحب البرنامج الذي ينفذه الوزير الأول. [email protected]