بصيغة الرجل المؤمن بأن رئاسة الحكومة ورئاسة الوزارة الأولى، وحتى رئاسة الجزائر، قدر مسطر تتحكم فيه آيات منزلة من فوق، ولا يهم موقع ومربط ذلك الفوق، رافع الوزير الأول مطولا عن ''المعجزة'' الجزائرية في تجاوز كافة التأثيرات الداخلية والخارجية· فنحن وفق منظار ''العفريت'' أويحيى الذي يتمتع بملكة خاصة على ''غلب'' الحقائق، حالة كونية شاذة، لا تشبه تونس ولا تشابه مصر وليس لها ''علاقة'' بليبيا كما أن بعدنا الجغرافي عن اليمن وعن سوريا وعن ''اليابان'' حصّننا من شر ''التوسونامي'' ومن تداعيات الحمم البركانية التي أرّقت العالم، لكنها حينما تقترب من حدودنا فإنها على طريقة ''صحاف'' بغداد، تنتحر كما انتحر العلوج على أسوار لسان ذات الصحاف وذات البغداد وذات ''البعاد'' عما كان يجري فوق الأرض وتحت السماء··أويحيى لمن يعرفه ولمن ''ينكره''، ثعلب دولة بملء الفم المليان، فمهما اختلفت و''اختنقت'' الآراء في تقييم وتقنين وزنه الحقيقي ووزنه الافتراضي، إلا أن قدرته على اللعب على أكثر من لسان وسنان بوّأته مكانة الساحر الذكي الذي تمرس على مزاولة مهامه، النظيفة منها والقذرة، وفق ما يريد وليس وفق ما يريده الآخرون، ففي عز أزمات السقوط والتبدد يتجدد ''العنقاء'' لكي يلغي رماده المفترض، وأي تجاوز لحقيقة أن أويحيى ظاهرة سياسية ألمت بفن الممكن، انتقاص من شأن ''ذكاء'' فطري مكّن رجلا متعدد المهام من الجمع بين الأضداد، بين الاستقالة والإقالة، بين الرحيل والعودة، بين الزيت والماء، فوحده أويحيى من يمكنه أن ''يفك ويحاجي'' في الوقت نفسه، لكنه حينما ينتهي من كلامه، لا يسع مستمعيه إلا التصفيق إعجابا بقدرة ''العفريت'' على شل مدارك من كان يريد له استقالة أو إقالة مستعجلة توقف ''تكلاخه'' الجميل والمحترف، فوجد نفسه مرغما على الاعتراف للرجل بأنه متمكن من اللعب في كافة الوضعيات، فهو حارس مرمى ومهاجم وخط وسط ومدافع جيد غالبا ما ينهي مباراته ضد خصمه بنتيجة ''صفر'' مقابل صفرين أو ثلاثة أصفار للخصم، فأويحيى يعتبر ''الصفر'' في ملعب مفتوح على مئات الأصفار المتنقلة جوا وبرا وبحرا، انتصارا كبيرا وأحسن وضع ينتهجه الرجل لمقارعة خصومه أن يحافظ على صفره لآخر ساعة صفر حتى لا تتجاوزه لعبة الأصفار فينتهي به مرماه إلى تسجيل عدة أصفار ضده··ما تمخض عنه خروج أويحيى من ''قمقمه'' أن الوزير الأول وأويحيى الأول في الأرندي وفي التحالف، ضرب كل ''الجعجعة'' السياسية والشعبية التي ظلت محور حدث وحديث في صفر مكرر، فالأخبار المتناقلة عن ''التغيرات'' والتعديلات والاستقالات من هنا وهناك، ظهر أنها منشطات غير ضارة تناولها بطالون سياسيون لإقامة عرس لم يسمع به أويحيى ولا غيره، فالوضع ''الصفري'' الذي تعيشه البلاد على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والرياضية والثقافية، هو آمن وضع لدوام الاستقرار، فلا الحكومة بتعدادها الوزاري ''الصفري'' محل تغيير ولا البرلمان بأصفاره 389 نائبا و''غائبا'' برلمانيا بحاجة لحل من أجل حله من تشريعه ووضعه الصفري المتجذر، ولا الساحة السياسية المكتظة بالفطريات الحزبية يمكنها أن تستقطب غير ما هو موجود، والنتيجة أن أويحيى ''العظيم'' سكت ''شهرا'' وحينما نطق لم يكتف بإعلان كفره بما ما هو موجود من طواحين هوائية سياسية، وإنما تجاوز ذلك لكي يخاطب مهندسي الثورات الشعبو أمريكية أن ''الجزائر'' استثناء قدري ومعجزة كونية، فهي لن تتغير من الخارج كما أنها لن تتغير من الداخل، فوضع ''الصفر'' الذي رست عليه المناقصة الديمقراطية بالبلد صمام أمان لأويحيى، لم يقتنع أحد بعزته بذلك الصفر، إلا أن جميعنا صفق لفصاحة رجل دولة لن ينكر عليه أحد قدرته على التفكير والعمل وحتى الضرب بصوت مسموع وفق شعار ''هذا أويحيى···فمن أنتم؟،''أويحيى قال كلمته وحدد معالم سيره ووضع لكل حرف نقطته متجاوزا بذلك أي مزايدات وأي تبضع شعبوي، فالرجل لا يستعجل استقالته كما لا يستعجل ''قدره'' في أن يكون يوما رئيسا إذا ما وصله ''مكتوبه'' على طريقة حكمة رئيس فرنسي سابق، فأويحيى ليس معارضا ولا ''معاضضا''، فقط ظاهرة سياسية ذات معالم واضحة ومحددة المعايير التي لا تحتمل من لون الوجبة إلا لونا واحدا إما أسود أو أبيض، فالوضع بطبعته الحالية الذي امتزجت فيه ديمقراطية الواجهة بديمقراطية موجهة من على ظهر البوارج الحربية الأمريكية المتربصة بحدودنا، حيث مستقبل ليبيا مرهون بين الجنون القذافي وبين الجنون الأمريكي، لم يغير من قناعة التغيير في ذهن سي أحمد، فرغم أن كل المؤشرات و''المتفجرات'' تؤكد أنه لا رهان للأنظمة العربية المتهالكة سوى حضن الشعوب هروبا من لعبة ''الشعوب'' المؤمركة، إلا أن ما تمخض عنه ''جراب'' أويحيى أن ساحر الأرندي أغلق اللعبة بعدما حدد إطار الجري فيها، غير مبال بما يؤمن بأنها أوضاع أكبر من السيطرة كون الريح ليست ريح الشعوب المنتشية بثوراتها وإنما ريح الغرب وما تخفي من عواصف جرت بما اشتهت سفنها المرابطة لرصد أي صرخات شعبية ولو كانت بهدف ''التبراح'' الشعبي العادي لسلعة البطاطا أو الزيت ترجتمها الحرفية المعولمة ''وأمريكاه''···في عرف أويحيى أن النظام لن يتغير والوضع لن يتغير و''قانون المرور'' من وإلى السلطة لن يتغير، ومبرر الوزير الأول أن الجزائر فوق رأسها ''ريشة'' تقيها تداعيات أن يأتيها التغيير من حيث تدري أو لا تدري· والمفارقة العجيبة في أطروحات رجل ذكي يمتلك الحدس والحس السياسي كأويحيى الذي بسط الأمور وأعادها إلى وضع ''الصفر'' المعروف والمألوف، أن التغيير بمفهومه العابر للحدود لم يعد قرارا محليا يوقعه أويحيى أو غيره، وإنما قرار دولي وضع لكل بلد ''أجندته'' و ألغامه وأدواته ''الفايس بوكية'' المتفجرة· وأي استغباء لوضع دولي عام من طرف رجالات النظام سباحة ساذجة ضد تيار تجاوزت تأثيره وارتداده أي وضع متخفٍ لنعامة لم تفهم بعد أن الذيل المكشوف يكشف الرأس المدسوس في الرمل وفي الوحل···نهاية الأمر، الزخم الإعلامي الذي عجّت به الساحة السياسية والاجتماعية من طرف المتبضعين على قارعة ''المصادر المأذونة'' للترويج للمفرقعات الإعلامية شديدة ''المحلول'' سقط في كأس أويحيى، وأويحيى قال لكم بنجاعته المعهودة كلامكم كله جزء من الصفر، فلا حكومة راحلة ولا برلمان قيد الحل ولا تغيير قادم إلا ما جاء به ''المكتوب''·· لذلك فالنظام عندنا يؤمن بأن ''الشعوب'' تتغير وأويحيى لا يتغير و إنما ينتظر لقاء رجل مع مكتوبه على رأي الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان، فماذا يخفي ''المكتوب'' أو القدر لأويحيى وماذا يخفي المكتوب ذاته للجزائر؟!