عشية الزيارة التي سيقوم بها، اليوم، للجزائر وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أكد رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، في رسالة إلى نظيره الفرنسي، فرانسوا هولاند، عن استعداده للعمل معه لتوثيق العلاقات الثنائية بين الجزائروفرنسا، لكن هذه العلاقة، حسب ما لمح إليه الرئيس بوتفليقة، تقتضي ضرورة ''إخضاع الماضي بين الجزائروفرنسا لفحص ''ذكي وشجاع''، في إشارة إلى أهمية تصفية نقاط الخلاف في ملف الذاكرة للعبور إلى المستقبل. تظهر رسائل التهنئة المتبادلة بين قصر المرادية والإليزي، وجود استعداد لدى الرئيس بوتفليقة وعند الرئيس فرانسوا هولاند لوضع ''كل الملفات الخلافية'' بين البلدين، على طاولة المفاوضات والنقاش بين مسؤولي البلدين، خصوصا أثناء زيارة الدولة التي سيقوم بها هولاند قبل نهاية السنة الجارية للجزائر، وهو ما يعني أن هناك قناعة لدى أعلى مسؤولي الدولتين، أن العلاقات الجزائرية الفرنسية التي تضررت كثيرا خلال حقبة حكم الرئيس ساركوزي، قد حان الوقت لمعالجة آثارها السلبية وفتح صفحة جديدة من ''التفاهم''، ليس فقط حول الشق الاجتماعي والاقتصادي في العلاقات بين البلدين، وإنما أيضا حول الماضي التاريخي المتولد عن احتلال فرنسا للجزائر لفترة 132 سنة، وما وقع فيه من أحداث أليمة لا زالت تحصد ضحايا إلى الآن. ومن هذا المنطلق شدد الرئيس بوتفليقة في برقية التهنئة للرئيس فرانسوا هولاند ''لقد آن الأوان في سبيل ذلك للتخلص من أدران الماضي بأن نخضعه سويا ضمن المناسب من الأطر لفحص حصيف (ذكي وجريئ) وشجاع سيساهم في تعزيز أواصر الاعتبار والصداقة بيننا''. في المقابل أكد الرئيس بوتفليقة لنظيره الفرنسي ''إنني أود فضلا عن ذلك أن أعرب لكم عن تمام استعدادي للعمل معكم في سبيل توثيق العلاقات والتعاون والحوار بغية إقامة شراكة عمادها الإمكانيات التي يزخر بها بلدانا وتكون كفيلة بالاستجابة لتطلعات شعبينا''. ورغم أن برقيات التهنئة المتبادلة بين الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وفرانسوا هولاند جاءت بمناسبة خمسينية استقلال الجزائر والعيد الوطني الفرنسي (14 جويلية)، غير أنها ليست مجرد برقيات بروتوكولية عادية يتم تبادلها بين الرؤساء في مثل هذه المناسبات الوطنية، بل تحمل في طياتها العديد من الرسائل المشفرة تعكس مفهوم ونظرة كل طرف وتصوره لمستقبل العلاقات بين البلدين والأولويات المراد تحقيقها، وذلك بالنظر إلى الخصوصية والحساسية التي ظلت دوما تطبع العلاقة بين محور الجزائر باريس. ومن هذا المنطلق يأتي تشديد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على أهمية إخضاع الماضي بين الجزائروفرنسا لفحص ''حصيف''، وهو جواب على ما جاء في برقية الرئيس هولاند للرئيس بوتفليقة بمناسبة خمسينية الاستقلال ''استمعت إلى ندائكم يوم 8 ماي الفارط إلى قراءة موضوعية للتاريخ بعيدا عن حروب الذاكرة والرهانات الظرفية، إن الفرنسيين والجزائريين يتقاسمون نفس المسؤوليات في قول الحقيقة التي يدينون بها لأسلافهم وشبابهم كذلك''، وخصوصا عندما قال الرئيس الفرنسي في برقيته إن فرنسا ''تعتبر أن هناك اليوم مكانا من أجل نظرة حكيمة ومسؤولة نحو الماضي الاستعماري الأليم، وفي نفس الوقت التقدم بخطوة واثقة نحو المستقبل''. هذه المؤشرات المتداولة في برقيات التهاني بين بوتفليقة وهولاند تعطي الانطباع بأن عقارب ساعة البلدين قد ضبطت على أجندة ملفات واضحة تم الاتفاق على مباشرة ''النقاش'' حولها، بمناسبة زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية لوران فابيوس، وسيتم إنضاجها لدى زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر، ويكون هذا الأمر وراء الحرارة في التصريحات التي تطبع مسؤولي البلدين، بعدما كانت تتميز ب''التشنج والاستفزاز'' في عهد ساركوزي.