قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''ليس من البرّ الصّوم في السّفر'' أخرجه مسلم. قال ابن عبد الهادي: ظاهره أنّ ترك الصّوم أولى ضرورة أنّ الصّوم مشروع طاعة فإذا خرج عن كونه طاعة فينبغي أن لا يجوز ولا أقل من كون الأولى ومَن يقول أنّ الصّوم هو الأولى في السّفر يستعمل الحديث في مورده ومورده رجل أجهده الصّوم وأتعبه في السّفر حتّى ظلّل عليه أي ليس من البرّ إذا بلغ الصّائم هذا المبلغ من المشقّة وكأنّه مبني على أنّ تعريف الصّوم للعهد والإشارة إلى مثل صوم ذلك الصّائم نعم الأصل هو عموم اللّفظ لا خصوص المورد لكن إذا أدّى عموم اللّفظ إلى تعارض الأدلة يحمل على خصوص المورد كما هاهنا والبرّ بكسر الباء الطاعة والعبادة. وقد اختلف العلماء في حكم الصّوم في السّفر، فقال جماعة: لا يجوز صوم رمضان في السّفر ولا يجزئ، روي ذلك عن عمر وابنه عبد الله، وعبد الرّحمن بن عوف وقوم من أهل الظاهر، وحجّتهم هذا الحديث وظاهر قوله تعالى: ''فمَن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعِدّةٌ من أيّام أُخَر'' البقرة184، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''صائم رمضان في السّفر كالمفطر في الحضر'' رواه ابن ماجه عن عبد الرّحمن بن عوف. وذهب الأئمة الثلاثة وجمهور الصّحابة والتابعين فمن بعدهم إلى جواز الصّوم والفطر والصّوم أفضل وحجّتهم الأحاديث الصّحاح الدالة على جواز المرين، ورأوا أنّ الصّوم أفضل لما فيه من براءة الذمّة والمسارعة على البرّ وفضيلة الوقت، وقد قال تعالى: ''وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون'' البقرة184. نعم، إن أجهده الصّوم وخاف منه ضرراً في الحال والاستقبال كان الفطر أفضل لقوله تعالى: ''يُريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر'' البقرة185 .