أعفير الواقعة بين سد تاقصبت ومحطة التحلية بكاب جنات محرومة من قطرة ماء 25 رئيس بلدية و30 رئيس دائرة و25 واليا فشلوا في حل أزمة العطش لا أحد من المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير ولاية بومرداس يجهل أزمة العطش التي تعيشها بلدية أعفير أقصى شرق الولاية، منذ نصف قرن. ووصل الأمر بالوالي الأسبق لبومرداس، الهاشمي جيار، إلى حد مساومة السكان في عز الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد في 1995، عندما طلب منهم مساعدة قوات الأمن على مكافحة الإرهاب، مقابل أن يتكفل هو شخصيا بحل أزمة العطش بأعفير، لكن السكان تصدوا للإرهاب وبقي 15 ألف نسمة دون ماء وذهبت وعود الوالي في مهب الريح. استغرق وصولنا إلى بلدية أعفير المحيطة ب24 قرية متناثرة وسط الجبال وتمتد من أقصى شرق بومرداس إلى ناحية تيفزيرت غرب ولاية تيزي وزو، أكثر من ساعتين انطلاقا من العاصمة. الحرارة فيها لا تطاق وتشعر بها أكثر عندما يتأكد لديك أنك متوجه إلى بلدية لم تذق طعم الاستقلال، بسبب أزمة العطش التي تعاني منها وهي حقيقة أكدها لنا مرافقنا إلى هذه المنطقة ''م. س''، ابن مجاهد ومقاوم سابق للإرهاب في هذه البلدية سنوات التسعينيات. يروي مرافقنا كيف كانت فرنسا الاستعمارية تموّن أعفير بالماء الشروب 24 ساعة على 24 ساعة، انطلاقا من عين الأربعاء الواقعة في أعالي ولاية تيزي وزو، لكن الحنفية جفت بعد الاستقلال مباشرة وعجز أزيد من 25 رئيس بلدية و30 رئيس دائرة و25 واليا و30 مدير للجزائرية للمياه، تعاقبوا على تسيير هذه الولاية، عن حل أزمة العطش، التي تعاني منها أعفير، منذ نصف قرن، ليتم فسح المجال للحلول الترقيعية والوعود الزائفة رغم لجوء السكان إلى قطع الطريق عشرات المرات وغلق مقر البلدية منذ 2007 لأكثر من 50 مرة، بسبب العطش الذي طال المدارس والمراكز الصحية. وذكر لنا إسماعيل، أحد سكان هذه البلدية المعزولة التي خرج شبابها للحديث معنا، وجود نية لعدد من السكان مغادرة هذه البلدية بشكل جماعي، بعدما دب في نفوسهم اليأس، كما أن توفير جرعة ماء ضرب من الخيال. واستغربنا عندما أخبرنا هؤلاء الشباب بأن البلدية تتزود بخزان واحد للمياه من أصل ثلاثة، اثنان معطلان، لتبقى الصهاريج السبيل الوحيد للحصول على الماء الشروب. ويضطر سكان أعفير ذات الطابع الفلاحي إلى توفير الماء حتى للأبقار التي يتم تربيتها بشكل واسع في قرى ومداشر هذه البلدية. نزوح جماعي إلى دلس أو الانضمام إلى ولاية تيزي وزو تجمّع سكان أعفير بالقرب من مقر البلدية، بعدما وصل إلى مسامعهم خبر تنقل صحفي ''الخبر'' إليهم، لنقل انشغالاتهم بعد تغطية الجريدة لانتفاضتهم الخميس الماضي، بسبب أزمة العطش التي يعاني منها السكان منذ نصف قرن. وقال أوملال إسماعيل، تاجر كلفه شباب الحي بالاتصال بوالي بومرداس ودعوته لزيارة أعفير والوقوف على أزمة لم تعشها أي بلدية في تاريخ الجزائر المستقلة: ''لن نقبل هذه المرة بالوعود نريد أشياء ملموسة''. ليضيف ''من قبل، تعهّد رئيس الدائرة ومعه رئيس البلدية قبل 10 سنوات بأننا سنكون أول من سيستفيد من مياه سد تاقصبت الواقع على بعد 25 كلم من أعفير، لكن السد دخل الخدمة ويموّن تيزي وزو وقراها بالماء الشروب ولم تصلنا قطرة واحدة منه''. وقبل عام، يضيف إسماعيل، ''تقدمت السلطات بوعود أخرى وهي الانتظار إلى غاية الانتهاء من إنجاز مشروع محطة لتحلية مياه البحر برأس جنات، لتموين السكان بالماء الشروب ودون تحديد تاريخ ذلك. لقد فقدنا الأمل، في وقت وصل الماء إلى تمنراست من عين صالح التي تبعد عن مقر الولاية ب700 كلم، في حين عجزت الولاية عن جلبه من سد لا يبعد عنا سوى 25 كلم''. لينهي إسماعيل حديثه: ''ننتظر فصل الشتاء بفارغ الصبر حتى نستغل ماء الثلج للطبخ والتنظيف''. واعتبر شباب أعفير المقولة التي تفيد بأن تحركهم جاء بإيعاز من أطراف سياسية، حاولت الاستثمار في هذا المشكل، قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات المحلية، محاولة مكشوفة من السلطات المحلية لتحويل الأنظار عن المشكل الحقيقي الذي تعاني منه هذه البلدية. وأصر هؤلاء، في معرض حديثهم، على تصعيد الاحتجاج إلى غاية إجبار الوالي على زيارة أعفير ووضعه في صورة المعاناة التي طال أمدها. تركنا شباب القرى والمداشر منهمكين في التحضير لمسيرة اليوم الأحد باتجاه دائرة دلس، ستكون سلمية، لتبليغ السلطات انشغالا واحدا ''نريد الماء في الحنفيات.. 50 سنة بركات''. تلاميذ عرضة للأمراض بسبب مياه مجهولة المصدر أضحى تلاميذ المؤسسات التربوية بأعفير أكثر عرضة للأمراض المتنقلة عن طريق المياه، بينما يعاني الكبار من مشاكل في الكلي بسبب نوعية الماء الذي تنقله الصهاريج. ويفيد طبيب يعمل بالمركز الصحي الكائن بوسط البلدية، بأن الحالات التي يفحصها تعاني من الإسهال الحاد، أغلبها لأطفال المدارس، فيما يعاني الكبار من مشاكل في الكلى بسبب وجود مادة الكلس في الماء والاستخدام المفرط لمادة الكلور. بينما أكد لنا مسؤول على المطعم المدرسي بإحدى إكماليات أعفير، بأن تحضير الوجبات في المطعم يتم بماء مجهول المصدر وغير مراقب، ولا حيلة لنا سوى الإكثار من مادة الكلور المضر هو الآخر بصحة المتمدرسين. رئيس بلدية أعفير: ما يحدث تحريض سياسي وحملة انتخابية مسبقة اتهم رئيس بلدية أعفير، فليسي أعمر الذي تولى رئاسة البلدية لثلاث عهدات، أطرافا سياسية لم يذكرها بالاسم، بالوقوف وراء تأجيج السكان وتحريضهم على الانتفاضة بسبب انعدام مياه الشرب. وأصر رئيس البلدية على نقلنا بسيارته إلى المناطق التي تتواجد فيها بعض الآبار التي تموّن السكان بالماء الشروب وتعرضت للتخريب بشكل متعمد. وأضاف المير المنتمي لحزب جبهة التحرير الوطني، بأن مصالح البلدية سجلت 50 عملية تخريب لقنوات توزيع الماء على مستوى أيت رمضان وبومعطي، وكل مرة تتعرض القناة الرئيسية للماء الشروب إلى التخريب وخلص إلى أن ''الأمر مدبر ويهدف إلى تمرير رسائل سياسية عشية تنظيم انتخابات المحلية''. واعترف فليسي أعمر بأن هذا المشكل مطروح فعلا منذ 50 عاما، لكن لماذا يتم تحريض السكان في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات المحلية؟ يتساءل رئيس البلدية. وكشف ذات المتحدث بأن أعضاء منتخبين في المجلس البلدي، يقفون وراء إخراج السكان إلى الشارع وتحريضهم على قطع الطريق والاعتصام أمام مقر دائرة دلس للضغظ على السلطات. والأغرب ما طرحه علينا مير أعفير، من رفض مصالح الجزائرية للمياه، على مستوى ولاية بومرداس، تسيير وتوزيع مياه الشرب لهذه البلدية. متسائلا: ''كيف يعقل تولي رئيس البلدية بنفسه عملية توزيع الماء والإشراف على إصلاح الأعطاب وطلب الصهاريج لتموين السكان بالماء الشروب والدخول في خصومات مع الأهالي، بعد إنجاز محطة ضخ على مستوى الزاوية التي عجزت عن توفير الماء الشروب للقرى، بسبب عدم ربط هذه المحطة بالتيار الكهربائي، بعد رفض أحد السكان التعويض المالي الذي قدمته الولاية له، مقابل التنازل عن تلك الأرض لاستكمال المشروع''. والأكثر من هذا، يقول المير إن البلدية هي من تدفع فاتورة الماء والمقدرة ب200 مليون سنتيم كل ثلاثي. وأوضح بأن المشكل الآخر الذي يؤرقه، يرجع إلى أن الآبار التي تزود بلدية أعفير بالمياه الموجودة على مستوى واد سيباو ببلدية بغلية، مخربة وعاطلة عن العمل بسبب نهب رمال الوادي والتجهيزات الكهربائية، في حين يتعمد بعض الفلاحين على مستوى أولاد حمزة وأولا حميدة تكسير القناة لسقي أراضيهم الفلاحية. ويعتقد رئيس البلدية أن حل مشكل تزويد البلدية بالمياه لن يكون في القريب العاجل، خاصة أن مشروع تزويد البلدية من خلال تحويل مياه سد تاقصبت، يعرف تأخرا بسبب اعتراض العديد من السكان على مرور قنوات نقل المياه بأراضيهم. ونفس المشكل يعاني منه مشروع تحويل مياه تحلية البحر من رأس جنات نحو بلدية أعفير، مرورا ببلدية دلس. عين الأربعاء منبع الحياة يبقى منبع عين الأربعاء الذي يفصل حدود ولاية بومرداس بولاية تيزي وزو، مصدرا من مصادر الحياة لسكان أعفير، وهو المنبع الذي أنجزته السلطات الاستعمارية لتموين ثكنتها العسكرية المقامة في بلدية أعفير، التي كانت تسمى في عهد الاستعمار ببني سليم التابعة لعرش أيث سلقم، وتولت، خلال فترة التواجد العسكري بساحل بومرداس، توفير الماء الشروب لعامة الناس إلى غاية استقلال الجزائر. وبقي السكان أوفياء لهذا المنبع ولم يعرفوا منبعا آخر للماء الشروب، وأصبح شبه مزار يحجون إليه للحصول على شربة ماء، وتجدهم يوميا يصطفون أمام جنبات الطريق بعد صلاة الفجر أو في آخر النهار، عندما تغيب أشعة الشمس، يتبادلون أطراف الحديث ثم يعودون إلى أعفير محملين بمياه عين الأربعاء منبع الحياة، فيما تبقى الجزائرية للمياه بولاية بومرداس لا تعترف بهذه المنطقة الأقرب إلى تيزي وزو منها إلى بومرداس.