رواية ''لن أعيش في جلباب أبي'' للكاتب إحسان عبد القدوس ترجمت، منذ عدة سنوات خلت، إلى مسلسل تلفزيوني، مع بعض التعديلات جعلت التركيز على شخصية ''الحاج عبد الغفور البرعي'' بدلا من شخصية أصغر بناته ''نظيرة'' بطلة الرواية. شخصية الحاج عبد الغفور البرعي هي ما همني في الرواية. فقد صورته رجل تجارة يعمل لديه عدد كبير من الموظفين والمعاونين. وعلى الرغم من أن الكثير منهم من المتعلمين، إلا أنه لم يكن يعير العلم أي أهمية. فقد كان يفضل الاعتماد على ذكائه هو وحده، ولا يريد من أي من هؤلاء إلا احترام ذكائه بل وأن يكونوا جنود هذا الذكاء. عبد الغفور هو الحاكم العربي وليس الوالد فقط، وهي شخصية تكاد تنطبق على كل الحكام العرب بلا استثناء. الجلباب في عربيتنا في المغرب العربي هو الفندورة، وما يهمني هنا ليس المعنى المباشر، أي اللباس التقليدي ولا القيمة الأدبية للرواية، ولكن الجانب الرمزي. ف''الثورة'' على الجلباب وعلى الفندورة، هي فعل لا يمكن أن يكون إلا شاملا. والبداية في كل الأحوال من ''فندورة النظام''. أتمنى فعلا، وبكل ما أوتيت من قوة ومن قدرة على التعبير، أن لا أموت في ''فندورة'' أبي، (في هذا النظام). لقد عشت أمجادها بل وأعتبرها شرط الوفاء وشرط الاستمرار في الطريق القويم، طريق الثورة على الاستعمار ومخلفاته بالخصوص. اليوم لا أريد أن يعيش أولادي طيلة حياتهم في هذه الفندورة. إنها صارت بالية مريضة مخيفة وطاغية. وبالرغم من كل الحنين الواعي لها ينبغي أن تنتزع من عليّ وأن تُحفظ ذكرى الأمجاد فيها وتطرح منها كل الذكريات الحزينة التي عشتها خلال خمسين سنة. لقد ظهرت في بدايتها زاهية باهية جذابة ثم صارت عبئا ثم تحولت مبررا للاستبداد ثم عائقا أمام سقوط الاستبداد. معذرة أبي لا أريد فندورتك، أريد أن أفصل فندورة جديدة تماما. شكرا لك.