تستنسخ الجزائر شكل مؤسساتها وطريقة تنظيم شؤون الحكم من النموذج الفرنسي. لكن في الممارسة يسيّر مسؤولوها هذه المؤسسات وفق ما يمليه المزاج. وأفضل مثال على ذلك مجلس الوزراء. في فرنسا لا يتخلف رئيس الجمهورية عن جمع أعضاء الحكومة كل أسبوع، لبحث مشاكل المواطنين الذين انتخبوه. أما في الجزائر، فلا يجد الرئيس أي حرج في تجميد نشاط مجلس الوزراء لأكثر من سبعة أشهر، وهو متحرر من أي مساءلة بهذا الخصوص، ما كرس واقعا يلمسه الجميع هو هيمنة سلطة الرئاسة على بقية السلطات المدنية. فضّل عليه أنشطة أخرى كاستقبال الزوار الأجانب الرئيس بوتفليقة يعطل أهم جهاز سياسي تتخذ فيه القرارات يعكس غياب اجتماعات مجلس الوزراء لمدة تزيد عن سبعة أشهر (آخر اجتماع كان في 7 فيفري الماضي)، تغوّل الرئاسة على بقية المؤسسات المدنية. فالرئيس لا يسائله أحد عن سبب عدم التئام جهاز قانوني وسياسي يوليه الدستور أهمية كبيره، لأن فيه تتخذ القرارات التي تهم الدولة والشعب. ونظرا لأهمية مجلس الوزراء بالنسبة للسلطة التنفيذية، أسند الدستور رئاسته إلى رئيس الجمهورية (المادة 77 فقرة 4). وهذه الرئاسة هي حق لشخص رئيس الجمهورية، ممنوع عليه دستوريا تفويضها لأي جهة مهما كان الحال. والرئيس هو من يحدد جدول أعمال مجلس الوزراء وهو من يدعوه إلى الانعقاد، وفيه يرأس الحضور الجماعي للوزراء الذين يلتقون لتبادل الآراء ويناقشون القرارات التي تهم البلاد. وفي مجلس الوزراء، تحدد السياسة العامة في جميع المجالات، وفيه تتم المصادقة على مشاريع القوانين قبل أن تحال على المؤسسة التشريعية. وهو أيضا الفضاء الذي تتخذ فيه قرارات التعيين التي تخص كبار موظفي الدولة. وبعبارة أكثر دقة، مجلس الوزراء بمثابة ''دينامو'' السلطة التنفيذية. ولأنه هام إلى هذه الدرجة، ورد ذكره في الدستور سبع مرات، منها ما تعلق بالمصادقة على مخطط الحكومة وإعلان الحرب والحالة الاستثنائية، ومنها مادة واضحة (119) تقول إن مجلس الوزراء ''هو الإطار الذي يمارس فيه رئيس الجمهورية سلطة التشريع بطريقة الأوامر''. وما دام الجهاز بهذه الأهمية بالنسبة للعمل اليومي في تسيير دفة السلطة، لماذا عطّله رئيس الجمهورية مدة سبعة أشهر؟. مع العلم أنه لا يعقد بانتظام منذ سنوات طويلة. ما الذي يجعل عبد العزيز بوتفليقة عازف عن جمع وزرائه، في أهم جهاز سياسي تتخذ فيه القرارات، ويفضل أنشطة أقل أهمية مثل استقبال الزوار الأجانب وتبادل التهاني والتعازي مع الخارج؟ لكن الملاحظ أن الدستور لا ينص على الحد الأدنى من جلسات مجلس الوزراء، والمدة الزمنية التي يجب أن تعقد فيها. وهو فراغ أصبح لافتا منذ أن تخلى بوتفليقة عن هذا الجهاز، ويبدو أن الرئيس استغل هذا الفراغ لتعطيله، لذلك تبرز الحاجة إلى استحداث آلية في الدستور المنتظر تعديله، تلزم الرئيس بعقده في آجال زمنية محددة كما هو الحال بالنسبة لتواريخ دورات البرلمان. وبحكم الصلاحيات الممنوحة لمجلس الوزراء ومجالات تدخله، ترك توقف نشاطه انطباعا قويا بأن رأس السلطة التنفيذية في حالة شغور. وجموده أعطى مصداقية للشائعات التي حامت حول صحة رئيس الجمهورية. واتضحت حقيقة شلل مجلس الوزراء في محطات مفصلية، كالحرب التي دارت رحاها في ليبيا والاضطرابات الخطيرة التي تقع في الحدود مع مالي. واتضحت أيضا في أحداث نغصت معيشة الجزائريين، كأزمة الطاقة في الصيف. كل ذلك وقع ولم يجد الرئيس بأن الوضع يتطلب اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة القضايا المطروحة. الجزائر لم تعش حالة ''انسحاب رسمي'' كما عرفته الأشهر الماضية l لم يشعر المواطن ولا الطبقة السياسية ولا حتى الوزراء وما دونهم من مسؤولين، بغياب السلطات عن الحياة العامة للجزائريين، كما شعروا بها خلال الأشهر القليلة الماضية، حينما دخل الجميع رواق ''المجهول''، في وقت كانت الجبهة الداخلية ''تغلي'' في صمت، عادة ما يسبق دخول اجتماعي، لغته الاحتجاجات القطاعية والاجتماعية. قال رئيس المجلس الشعبي الوطني، العربي ولد خليفة، خلال افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في الثالث من الشهر الجاري، أن لحالة ''البيات'' و''الركود'' التي شهدتها الجزائر خلال أشهر، ''لها أسبابها الموضوعية، ولا تخص بلادنا لوحدها، ولا تعكس حالة الحراك السياسي والثقافي والاقتصادي بعد أن اجتازت الجزائر مضيق العواصف التي اجتاحت منطقتنا''. والواقع أن التوصيف المساق من ولد خليفة الذي وسوء حظه، باشر مهامه التشريعية في ''عز'' فراغ سياسي، استقطب انتقادات الطبقة السياسية، له ما يعلله من الناحية السياسية، لما تركت الأحزاب لفترة ''هدنة'' إثر ''حرب'' شعواء، شنتها في أعقاب تشريعيات قيل بشأنها الكثير، وكان ضروريا على السلطات ''الانسحاب'' من مشهد ''ملغم'' لا يخدمها إذا ما هي حاولت أن تجاري التطورات الحاصلة على الصعيد الداخلي، الأمر الذي خلف إسقاطات في الداخل كما في الخارج، وأسميت حالة من صمت مريب، كذلك الصمت الذي كان يخيم على بيوت الجزائريين ساعة انقطاع التيار الكهربائي، في عز الصيف، دونما ''تفسير واضح ومقنع'' لأسبابه. ولم يكن الغليان ''الصامت'' للجبهة الاجتماعية، قبيل الدخول الاجتماعي مبعث قلق لدى مسؤولين، ألقي بهم، هم الآخرين في غياهب جهل المصير، إثر توقف دينامية حكومة ظل الجميع ينتظر الجديد فيها، من الباقي ومن الراحل؟ في مشهد علق عليه مواطنين رهائن تقاذف المعلومات والإشاعات دون تفسير. والواقع كذلك، يشهد بأن وسائل الإعلام وبعض الأحزاب، كان لها الفضل في ملء الفراغ في صورة الانسحاب التي لم تشهد لها الجزائر مثلا حتى في أوج الإرهاب، بينما غابت الإطلالات الرسمية في أشهر، شهدت ومازالت تشهد الحدود الجنوبية الجزائرية، خطر مرابطة التنظيمات الإرهابية شمال مالي، وبقي الجميع أيضا ينتظر الجديد بخصوص اختطاف الدبلوماسيين الجزائريين، في غاو المالية، لتتحكم المواقع الإلكترونية في ''الملف الإعلامي'' لقضية الدبلوماسيين، في التطورات الأخيرة التي يعرفها الجميع. تماما كما تكلف جزائريون ''الفيس بوك'' بالرد على اتهامات ''الثوار'' في ليبيا، بإرسال الجزائر مرتزقة للقتال إلى جانب امعمر القذافي. قبل نحو عام. على النقيض قيادي جبهة العدالة والتنمية الأخضر بن خلاف ل ''الخبر'' أصل القضية هو الاستهتار بالمؤسسات ما سبب عدم التئام مجلس الوزراء منذ شهور طويلة برأيك؟ الرئيس تسبب في تعطيل عمل الحكومة والبرلمان المنتهية ولايته والبرلمان الجديد، منذ أن جمد نشاط مجلس الوزراء رغم الملفات الخطيرة التي أثرت على معيشة المواطن، خصوصا مع عشناه في الصائفة الماضية والأزمة التي تطل علينا من الحدود المالية، وأزمة الدبلوماسيين الرهائن. لكن لا يوجد في الدستور ما يجبر الرئيس على عقده.. الواقع والملفات التي لا تحتمل التأجيل هو من يفرض ذلك. هل بربك ما حدث في ليبيا أو في مالي لا يستوجب عقد اجتماع لمجلس الوزراء؟ وقانون المالية مثلا.. لقد تعودنا على دراسته في البرلمان بداية سبتمبر، ونحن اليوم في منتصف الشهر ولم يدرج بعد في مجلس الوزراء، رغم أن هناك آجال قانونية ليتمكن أعضاء الغرفتين من مناقشته وإدخال التعديلات اللازمة عليه. لكن الملاحظ هو الاستهتار والعبث بالمؤسسات، وأهم مثال على ذلك بقاء المجلس الدستوري من دون رئيس مدة شهور، وعند الحاجة استدعي رئيسه المنتهية صلاحيته في مدى مطابقة بعض القوانين العضوية مع الدستور! البعض يرى أن الرئيس يبلّغ تعليماته إلى الحكومة لتنفيذها، ولا حاجة لمناقشته في مجلس الوزراء. ما رأيك؟ أصل القضية هو وجود نية في تقزيم المؤسسات من طرف المسؤول عنها، وهي من أكثر ممارسات النظام الرئاسي سوء. فالمسؤول الأول في البلاد يعتبر نفسه المسير والمفكر الوحيد، هو يرى نفسه فوق المؤسسات وبالتالي لا حاجة له بها رغم مهامها المنصوص عليها في القانون والدستور. وبذلك يعطي لنفسه الحق في تعطيل مجلس الوزراء والعمل بالدستور وتعطيل تشكيل الحكومة ونشاط البرلمان. يضاف إلى ذلك ما تردده بعض الأبواق، من أن ما يعيشه البلد من فوضى يتحمله الجهاز التنفيذي مع تبرئة المسؤول الأول عند الناس، فيصبح المواطنون يرون فيه الملجأ الذي يخلصهم من مشاكلهم كبيرها وصغيرها، ويرون بقاءه أكثر من ضرورة. وهكذا يبدأ التحضير لعهدة رئاسية رابعة بتنصيب مدير الحملة الانتخابية السابق رئيسا للوزراء عامين قبل الرئاسيات، وستتحول الحكومة إلى لجنة مساندة قبل عامين من الموعد. وفي كل هذا يصبح لا معنى لمؤسسات وجدت على الورق. هذه ممارسات تدوم منذ 13 سنة، وتأكد العبث بالمؤسسات مع التعديل الدستوري 2008 الذي لا يخدم التحول الديمقراطي ولا دولة القانون، بل يحطمها وإلا كيف نفسّر أن الأوامر الرئاسية يبدأ تطبيقها بصدورها في الجريدة الرسمية قبل أن يصادق عليها البرلمان. هذه الطريقة في تسيير البلاد، تدفعني إلى القول بأن الرئيس يريد أن يعيد الجزائر 60 سنة إلى الوراء. عضو المكتب السياسي للأفالان عبد الرحمن بلعياط ل ''الخبر'' مجلس الوزراء يعقد عندما تستوجبه الضرورة ما تفسيرك لغياب اجتماعات مجلس الوزراء مدة تزيد عن سبعة أشهر؟ لا يهمني أن أفسر بقدر ما يهمني أنه لا توجد آلية قانونية تفرض على مجلس الوزراء الاجتماع كل فترة محددة. والحكومة في كثير من البلدان تعقد عادة اجتماعاتها أسبوعيا تحت إشراف رئيس الدولة، وحتى إن لم تلتئم كل أسبوع أو لعدة أسابيع، فذلك لا يعيق العمل الحكومي لأن المهم إن الحكومة تتلقى التعليمات من الرئيس، وتقدم له عرض حال شفهي أو مكتوب بشأن تسيير شؤون البلاد يوميا. ألا تعتقد بأن غياب مجالس الوزراء يترك الانطباع بوجود فراغ في الدولة؟ صحيح أن الرأي العام والإعلام بحاجة إلى رؤية من يترأس مجلس الوزراء، فإذا لم يظهر يصبح مثيرا للتساؤل. والجواب برأيي أن الرئيس ربما كلف وزيره الأول لتنشيط الحكومة وفق تعليمات منه. ويوجد تفسير آخر هو أن مجلس الوزراء ينعقد عندما تكون في جدول الأعمال نقاطا تستوجب المداولة تحت إشراف رئيس الجمهورية. وفي اعتقادي لا يضر تباعد اجتماعات مجلس الوزراء في شيء من الناحية القانونية. وإذا طالت فترة غياب الاجتماعات، قد يدفع ذلك الرأي العام إلى التساؤل ويظهر الأمر وكأنه من المتطلبات السياسية. لكن هذا التساؤل يزول عندما يرى الناس الرئيس يستقبل الزوار ويتبادل الرسائل مع الخارج. أنت تقول الناس يريدون رؤية من يترأس مجلس الوزراء.. نحن في هذه الحالة الآن.. الأمر نسبي. الرئيس يملك سلطة القرار ولا أحد في المؤسسات له الحق في أن يلزمه بعقد مجلس الوزراء، اللهم إلا إذا كان الدستور يلزمه بذلك، وفي حدود علمي هذا الإلزام غير موجود. بعيدا عن الإلزام القانوني، المنطق يقول إن غياب الآلية التي تناقش قضايا البلاد مدة طويلة مؤشر على انعدام الاهتمام بشؤون الشعب من جانب السلطة.. الحكومة تشتغل ولديها قائدها، وكل عضو فيها يسهر على قطاعه دونما حاجة إلى انعقاد مجلس الوزراء. والذي أعرفه أن في فرنسا، التي نشبهها في تنظيم شؤون الحكومة، أن صنفا من المراسيم تناقش ويصادق عليها في مجلس الوزراء وبرئاسة رئيس الجمهورية، وهذا الأمر لا يوجد عندنا. كيف يطلع المواطن ولو شكليا، بأن السلطة مهتمة بقاضاياه إذا كان رأس هذه السلطة يرفض عقد مجلس الوزراء. ذلك لا يفسد للود قضية. فالوزير الأول مفوض من رئيس الجمهورية بحكم منصبه، وهو يحضّر لاتخاذ القرارات التي لا يحتاج بعضها إلى المداولة في مجلس الوزراء. لا أظن بأن الرئيس يرفض عقد مجلس الوزراء وإنما الأمر يخضع للتقدير، والرئيس هو أولى بذلك.