تحولت سلوكيات التبول والبصق ورمي علب السجائر و''جرعات'' الشمة في الشارع وعلى نواصي الطرق السريعة وداخل أقبية العمارات والأنفاق المخصصة للمارة، إلى ظاهرة مسكوت عنها من جانب الكثير من المواطنين وأحيانا تلقى من يتواطأ معها بل ومن يشجعها. لماذا صارت مثل هذه التصرفات المشينة سلوكيات تصدر عن آلاف بل ملايين المواطنين؟ وإذا سألت أحدهم يجيبك بلا تردد إنها مسؤولية السلطات العمومية والحكومة والبلدية والولاية وحتى رئيس الجمهورية! هي سلوكيات ''مقززة''، باتت لصيقة بمجتمعنا، على الرغم من أن عامة المواطنين يقرون بأنها ''مظاهر سلبية تسيء للمجتمع''، حيث لا يوجد منهم من لم يصادف إحدى هذه التصرفات في حيه أو بمكان عمله أو استراحته، أو نجا من ارتكابها وهو في الشارع أو في سفر أو في مكان عام.. من دون أن يملك القدرة على تفاديها. وتقع المسؤولية الكبرى على عاتق السلطات العمومية التي لم تفكر في تهيئة مرافق للمواطن الذي بات يلجأ إلى المستشفيات والمستوصفات والمقاهي، ومن المواطنين من لا يتورّع في قصد المساجد والفنادق لقضاء حاجته. وقبل سنوات، عمدت سلطات ولاية الجزائر وولايات أخرى، إلى وضع مراحيض في نقاط إستراتيجية بالعاصمة مثل مفترقات الطرق، ومنحت تراخيص لشبان في شوارع رئيسية لتسيير مراحيض بمقابل مادي لا يتجاوز 10 دنانير.. غير أن هذه الحلول المصنفة في خانة الترقيع لا تفي بالغرض، وأصبح المواطنون لا يأبهون بالحفاظ على نظافة المحيط وحتى عتبات شققهم وأقبية العمارات التي يقطنون فيها. ويتذكر سكان العاصمة القدامى، الحال التي كانت عليها المدينة في الستينيات والسبعينيات، عندما كان لكل حي أو شارع مرحاض خاص به. وكانت المقاهي التي تضع مرفق المرحاض ضمن الخدمات التي توفرها للزبائن، تتلقى العقوبات الإدارية.. غير أن كل شيء تغير، وأصبح الأفراد لا يجدون حرجا في النزول من السيارة والتوجه إلى حافة أو ناصية الطريق للتبول على جذع شجرة أو عمود كهربائي! من السلوكيات المقززة أيضا، البصق ورمي بقايا السجائر وعلبها، و''رفعات'' الشمة من نوافذ السيارات والمنازل.. ليرتفع سقف التواطؤ إلى حد رمي أكياس النفايات المنزلية ليلا ونهارا، دون مراعاة أدنى المشاعر من النوافذ وكأن شيئا لم يكن. الجميع معني.. لكن لا حياة لمن تنادي مثل هذه السلوكيات، للأسف، لا تجد من يردعها.. فالوعظ الديني في هذا المجال لم يعد يؤدي المطلوب منه، بدليل أن من ضحايا هذه السلوكيات مرتادي المساجد أنفسهم وإلا كيف وصل بنا السكوت عليها إلى هذا الحد؟؟ ومن الناحية القانونية، لا نجد في النصوص أي مادة أو فقرة تشير إلى ردع مرتكبي مثل هذه السلوكيات التي يبدأ التدرب عليها من الخلية الأولى في المجتمع ''الأسرة''، وفي مستوى ثانٍ المدرسة والروضة والمسجد.. وغيرها. وتظهر مسؤولية السلطات العمومية في هذه النقطة كبيرة جدا.. مثلما تفرض رسوما وغرامات مالية على مرتكبي هذه الأفعال. ففي الهند مثلا، تفرض سلطاتها على المواطنين المخالفين للآداب العامة مثل البصق، غرامة مالية لا تقل عن أربع دولارات (ما يعادل 400 دينار)، وفي مصر يدفع المصري الذي يبصق في الشارع خمسة جنيهات، أي ما يعادل 250 دينار. وفي أبوظبي بدولة الإمارات، يدفع المواطن أو المقيم مرتكب هذه التصرفات، مبلغ ألف درهم وهو ما يعادل مليوني سنتيم! والزائر لهذه الإمارة، يكتشف ويعيش مستوى نظافة المحيط بعيونه ولا يحتاج إلى دليل.