لفتت انتباهي في حديث الشاذلي للصحيفة اليابانية، جملتان، واحدة قال فيها: إن أحداث أكتوبر 1988 لم تأت بالإصلاحات كما يشاع، بل كانت نتيجة للإصلاحات نفسها التي قام بها الرئيس قبل هذه الأحداث.! والجملة الثانية قال فيها: إن هذه الأحداث كانت من صنع أناس في الداخل والخارج.. وهذه شهادة مهمة من الرئيس الشاذلي لعدّة أسباب: أولا: محتوى هذه الشهادة يدل على أن أحداث أكتوبر كانت بالفعل مفبركة من النظام، وليست انتفاضة شعبية.. وأن الرئيس الشاذلي كان على علم بهذه الفبركة.. مادام يعترف بأنها كانت نتيجة للإصلاحات وليس سببا فيها.. خاصة أنه يعترف بأن الأفالان كانت صانعة هذه الأحداث، وتريد الانقلاب عليه وعلى إصلاحاته التي باشرها قبل أحداث أكتوبر وأفشلتها أجهزة الأفالان الرسمية (إثراء الميثاق 1986 ومحاولة تعديل الدستور). ثانيا: بالفعل، أحداث أكتوبر كانت محاولة من الجناح العسكري في السلطة الذي كان يدعمه الشاذلي، وهو يدعم الشاذلي ضد الجناح المدني في الأفالان الذي كان يسعى إلى تمدين الحكم في مؤتمر الحزب العام 1989 باختيار رئيس مدني، يخلف الشاذلي الذي فشل في تسيير البلاد بعد انهيار أسعار البترول، وبعد فشل الإصلاحات الاقتصادية التي أتى بها عبد الحميد براهيمي. فالشاذلي والجناح العسكري حاولا، بأحداث أكتوبر المفبركة، تمرير الإصلاحات خارج الأطر النظامية للحزب، بعد أن فشلا في تمريرها عبر أجهزة الدولة (الحزب والبرلمان والحكومة). وإذن، فإن أحداث أكتوبر كانت من الجناح العسكري المؤيد للرئيس في الحزب وليس من الجناح المدني، ولذلك كانت الأحداث في بدايتها ضد الحزب، ولم تكن ضد الرئيس.. فأحرقت الأحداث، في البداية، مقرات الحزب فقط.. ورفع المتظاهرون شعارات ''مساعدية سراق المالية''..! لكن الشعب الذي كان يعرف بأن الفساد الحقيقي يوجد في الأجهزة التي هي غير تابعة للحزب (الجهاز)، صحح الوضع، وراح الشباب يصيح: ''الشاذلي قتال''، وهذا بعد أن سقطت الأرواح.. بل وأصبحت المواجهة بين العسكر والشعب في الشوارع.. وبقي الأفالان ''الجهاز'' يتفرّج على ما يحدث.. ودخلت فرنسا على الخط، بدعم المواجهة مع العسكر.. واستنجد العسكر بالإسلاميين للسيطرة على الوضع.. ولكن، مع الأسف، لا أحد حاسب الآخر على الأرواح التي سقطت؟! ثالثا: في الذكرى الأولى لأحداث أكتوبر، أي في أكتوبر 1989، حاولت أن أجيب عن السؤال: من صنع أحداث أكتوبر 1988؟ فاتصلت بكل من خالد نزار، قائد الحصار في أحداث أكتوبر، ومحمد شريف مساعدية، مسؤول الحزب، والجنرال لكحل عياط، مسؤول الأمن العسكري.. فكانت إجابة كل واحد منهم تتماشى مع ما ذكره الشاذلي للصحيفة اليابانية، ولكن بالمقلوب! والكلام منشور في وقته في مجلة ''الوحدة''، قال لي نزار: إن مجهولين كانوا يحملون صناديق (توابيت) وعليها الأعلام، ويصيحون ''الله أكبر''، ويتجهون إلى مقبرة القبة.. فأطلق الجنود النار في الهواء.. فتركوا الصناديق وهربوا، وعندما فتح الجنود الصناديق، وجدوها مملوءة بالحجارة.! نفس الظاهرة وقعت في تيمشوار سنة من بعد، عندما أخرج متظاهرون ضد شاوسيسكو جثثا من مصلحة حفظ الجثث بالمستشفى، وادّعوا أن الأمن قتلهم.! وهذا ما اتفق مع ما قاله لي اللواء عياط، من أن أحداث أكتوبر وأحداث رومانيا تم تحضيرها في براغ من طرف الكاجي والزداك، وبحضور مسؤولين من الباكس الجزائري.. وأن مصالح الأمن الجزائرية كانت على علم بالأمر، وتم اعتقال كل عناصر الباكس في 3 أكتوبر، حتى لا تقع الأحداث.. ولكن الشاذلي والمنظمين للأحداث نفذوا ما تقرّر في براغ، رغم تحذيرات الأمن العسكري الجزائري للشاذلي في تقرير في 6 أفريل، قيل إنه لم يصله.! فوقع ما وقع. أما مساعدية، فقد قال لي إنه رتب الأمور لقرارات مهمة في المؤتمر في 1989، ولكن خيانات حدثت له من طرف من اعتمد عليهم لإنجاز مشروع تمدين الحكم في .1989 هذا الكلام نشر في وقته في مجلة الوحدة في أكتوبر 1989 منسوبا لأصحابه، وهو يدل على أن أحداث أكتوبر كانت بمباركة من جناح في السلطة يدعمه الشاذلي.. ولهذا اعتبر الشاذلي كل الأموات شهداء.