شيء غريب شاهدته، هذه الأيام بمناسبة، إحياء الذكرى 24 لأحداث أكتوبر، حيث حاول التيار الإسلامي تقديم نفسه وكأنه هو الذي كان وراء هذه الأحداث، في حين يعرف العام والخاص أن التيار الإسلامي، بمختلف تشكيلاته، ليست له علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، في تنظيم هذه الأحداث، بل إن بعض الإسلاميين استخدموا من طرف السلطة لإطفاء نار هذه الأحداث، وشاركوا مع نزار وجماعته في التسبّب في الأحداث الدامية التي وقعت أمام المديرية العامة للشرطة يوم 10 أكتوبر .1988 أحداث أكتوبر بدأت ''بهوشة'' سياسية داخل النظام، فأراد جناح من النظام أن يؤلب الشارع على الجناح الآخر.. فأنزل الهوشة إلى الشارع.. ولكن الشارع كان جاهزا للاشتعال في وجه النظام، بجناحيه العسكري والمدني.. فاستنجد العسكر بالإسلاميين لإطفاء النار.. وكان لهم ذلك.. وكان ما كان بعد ذلك.. تأملوا ما يأتي: ؟ أولا: الإسلاميون كانوا مكبّلين بالمشاكل التي نجمت عن حركة بويعلي المسلحة التي حدثت في 1984 وصفيت نهائيا في .1987 ولذلك، كان الرعب يتملك قياداتهم من أي حركة يمكن أن تتم، ولو لم تطلب منهم السلطة السير في 10 أكتوبر تحت ضمانتها، ما فعلوا. ؟ ثانيا: أحداث أكتوبر كانت نتيجة للمعركة السياسية التي تمت بين الجناح العسكري في الأفالان والجناح المدني.. حيث قامت الأفالان المدنية بفتح ثغرات في صفوف الجناح العسكري، إلى حد أن المدنيين اقترحوا، لأول مرة، فصل الأمانة العامة للحزب عن رئاسة الجمهورية، وقدم هذا الاقتراح للقواعد لمناقشته والموافقة عليه، وكان مساعدية رئيسا للجنة تحضير المؤتمر، وكان مولود حمروش مقرّرا بهذه اللجنة. كما قدّم اقتراح آخر أكثر خطورة، وكان شفهيا، وهو محاولة تمدين الحكم لأول مرة، أي إسناد قضية ترشيح رئيس الجمهورية للحزب وليس للجيش، كما كان من قبل.. وشاعت أخبار عن انتهاء مهمة الشاذلي في الرئاسة إلى الفشل، ولذلك لا يحق للجيش أن يقترح رئيسا جديدا، خاصة أنه لم يحضر نفسه ولم يحضر البديل للشاذلي. وكانت الجبهة قوية سياسيا، ومدعمة من القواعد الإسلامية الصاعدة بعد معركة بويعلي. ؟ ثالثا: أقنع المتضرّرون من هذا التوجه الرئيس الشاذلي بضرورة قلب الطاولة على الأفالان قبل المؤتمر، وتغيير قيادتها والذهاب إلى المؤتمر بقيادة جديدة، واقترحوا عليه إحداث حركة شعبية في الشارع، تبرّر إنهاء مهام هذه القيادة، بعد أن كشفت عن إدارتها في تقارير تحضير المؤتمر. ؟ رابعا: طلب الشاذلي من الجنرال لكحل عياط، مدير مصالح الأمن، إعداد سبر للآراء حول إمكانية تنظيم مظاهرة متحكم فيها، تطالب بعزل قيادة الأفالان التي كانت وراء إفشال كل الإصلاحات التي اقترحها الشاذلي، مثل إثراء الميثاق والدستور. لكن عياط أعدّ تقريرا للرئيس، قال فيه إن أي مظاهرة شعبية في الشارع لا يمكن التحكم فيها.. ولكن هذا التقرير لم يصل إلى الشاذلي وأخفي عنه، وأعدّ التقرير في 16 أفريل .1988 لهذا قيل إن الشاذلي لم يكن على علم بما دبّر بالسلطة ضد السلطة؟ ؟ خامسا: في شهر ماي، عقد اجتماع في ''بودابست'' بين ''كاجي'' الروس و''زداك'' فرنسا، وحضره عن الجزائر ممثلون عن الباكس (الصادق هجرس)، وتقرّر فعل شيء لتحريك الوضع السياسي في الجزائر وفي رومانيا ويوغسلافيا.. ولم يكن الجناح الذي يريد الانقلاب على الأفالان في السلطة بعيدا عن أجواء الاجتماع، لذلك قال الشاذلي في إحدى خطبه إن الروس ينظرون للبرسترويكا والجزائر تطبق.. ووصل به الأمر إلى أن طلب من الشعب التظاهر ضد الأفالان في 19 سبتمبر .1988 ؟ سادسا: قال لي لكحل عياط، رحمه الله، إن الأمن كان على علم بأن الأحداث ستقع يوم 5 أكتوبر 1988، وأن الباكس هو المحرّك الأساسي لها، ولذلك قامت مصالحه باعتقال أغلب قيادات الباكس قالت بأنها ستكون بين 1 و3أكتوبر. ولكن الأحداث اندلعت بمساجين أطلقوا من السجون، ولكن الأحداث في الشارع أخذت اتجاها آخر لم يعد بالإمكان التحكم فيه.. لذلك تدخل الجيش، ثم استنجد الجيش بالإسلاميين.. وهذا ما يفسر لنا اعتبار كل الضحايا شهداء، وتعاظم دور الإسلاميين على حساب الجبهة.