الأخ سعد.. تحية محبة وتقدير من أستاذ فلسطيني، تعبان ومتعب، لا من السياسة والساسة، بل من ضروف الحياة، كلما قرأت مقالاتك، أشعر بالتعب والراحة في آن، لأني أجد في هذا العالم من هم متعبون مثلي، وكم تؤلمني جملتكم التي تذيّلون بها المقال ''إني تعبان ومتعب''. وقد تستغرب لماذا توجهت بهذه الرسالة إليك لا غيرك، لأن للإنسان في الحياة الدنيا والآخرة أعداء وأصدقاء، معجبين أو حاقدين، في الظاهر أو الخفاء. فمن زمن السردوك وقبله وإلى اليوم، أقرأ لك، وأحس بغصة كلما انقطعت وغيّبت عن الكتابة، ولهذا أحببتك وقدّرتك في نفسي، فأقاسمك الكثير من المبادئ والهموم والمواقف. أذكر أني التقيتك مرة واحدة رفقة صديق لي، لم أتذكر المكان، ربما في مقهى اللوتس أو غيره، وغادرت المكان إلى غير رجعة بعد غلقه كملتقى مزعج لعلية القوم. كان ذلك في عام ثلاثة وسبعين وتسعمائة وألف، وفي شهر ديسمبر من نفس السنة بالذات، وطأت قدماي أرض الجزائر كمتعاون في سلك التعليم ضمن البعثة الفلسطينية، وبعد سنة من تخرّجي من جامعة دمشق، وقبل توقيع عقد العمل مع الجزائر، كنت قد مزقت عقد عملي مع السعودية بمبلغ ثلاثة آلاف ريال، بما فيها بدل السكن آنذاك، وحبا في الجزائر وتلبية لصراخ المكلف بالبعثة التعليمية، الجزائر، الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد، التعريب، التعريب، هبّوا لنصرة إخوتكم. المهم وصلت إلى الجزائر وعمري ثلاث وعشرون سنة، وبعقد عمل لا يتجاوز ألفي ومئتي دينار جزائري، والآن متقاعد وعمري ثلاث وستون سنة، أنجبت خلالها أربعة مهندسين وبنتا مترجمة، والحمد لله. لكن، قد تسألني لماذا أنا تعبان؟ أقول لك لأن جميع أبنائي، منذ تخرّجهم من الجامعة تباعا، دون عمل، وكلما توجهوا إلى مكاتب التشغيل يصدّونهم بشرط الحصول على الجنسية الجزائرية، ولا حق لهم في عقود ما قبل التشغيل، ولا منحة بطالة، ولا قروض ميسرة، بحوزتهم إقامة مقيم أجنبي مدّتها سنتان، وفي حال انتهائها وهم دون عمل ووالدهم توفي، تصبح إقامتهم غير شرعية ويطالبون بمغادرة الجزائر، ليهيموا في بقاع الأرض، طبعا إذا وجدوا أرضا تقبلهم بالهيام. حتى ابنتي، آخر المتخرّجين، كانت فرحة بحصولها على الشهادة، حملت أوراقها رفقة زميلاتها إلى مكتب تشغيل الشباب، فقال لها السيد المسؤول: أنت مرفوضة لأنك أجنبية، وعليك بالجنسية الجزائرية. عادت بدموع لا تكفكف، مكسورة الخاطر، تصرخ في وجهي: أنت السبب، أنت السبب، لماذا جئت بنا إلى هنا؟ وهكذا، لا يمضي يوم إلا وأبنائي يصرخون في وجهي: أنت السبب، أنت السبب.. فأرد عليهم: يا أبنائي، يا أبنائي، ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ بعثت مئات الرسائل إلى كافة السلطات، وأودعت ملفات الحصول على الجنسية الجزائرية على مدار أكثر من عشرين سنة ومن قبل وبعد مولدكم، طلبت الجنسية المزدوجة حتى تحافظوا وتتمسكوا بفلسطينيتكم، ولكن دون جدوى، ولا حياة لمن تنادي وتستغيث. خذوا مرتب تقاعدي الهزيل وتصرّفوا به، وتكفيني قطعة من الخبز، واعتبروني سنمار.. اصبروا وصابروا، إلى أن تعودوا إلى فلسطيننا الحبيبة، فأنتم أحفاد النبي أيوب. نحن نعيش منذ أربعين سنة في منزل من ثلاث غرف، ونعاني من بطاقة اسمها بطاقة المقيم الأجنبي، تجدّد كل عامين في أقسام الشرطة بالبصمة بالعشرة، ومن مساوئ بيروقراطية الإدارات... إلى آخر الحكاية. هل عرفت لماذا أنا تعبان؟ أنت تعبان من السياسة وأهلها، وأنا تعبان من ظلم ذوي القربى، إن بقي هناك قربى، لا حول ولا قوة إلا بالله.. أخي العزيز رسالتي إليك ''فش خلق''، أردت أن أقاسمك تعبك، كما أردت أن أعبّر لك عن مدى حبي وتقديري لك.. هذا حال الفلسطينيين في الجزائر الشقيقة، منذ ما يقارب الأربعين سنة. أخوك التعبان: ابن فلسطين ملاحظة: أنا آسف أن يحدث هذا في التي قيل فيها إنها مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.! ما يضيرنا لو أعطينا حق العمل لأبناء فلسطين الذين ولدوا في الجزائر.. أتمنى أن يسمع صرختك من بيدهم الأمر.