يعتقد مراقبون في العاصمة الاردنية ان الانتخابات المزمع اجراؤها في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني المقبل - التي اعلنت المعارضة الاسلامية مقاطعتها لها - قد تقرر "مصير" الملك عبدالله الثاني ونظامه. وفي حقيقة الامر ان الاردن، الذي كان حتى وقت قريب ينظر اليه بوصفه نموذجا للاستقرار في منطقة متفجرة، يتأرجح الآن على حافة الفوضى السياسية. نجح الملك الاردني الى الآن في تفادي العواصف التي جاء بها "الربيع العربي"، والتي اطاحت عددا من الانظمة المعمرة، فالملك عبدالله، بخلاف غيره من الزعماء الذين اطيحوا، يقول إنه هو الذي يقود عملية الاصلاح والتغيير في الاردن نزولا عند رغبة المعارضين والمحتجين الذين يطالبون بحق المشاركة في عملية صنع القرار في البلاد. فقد اشرف الملك على تأسيس محكمة دستورية سيكون من اختصاصاتها ضمان الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما كان له دور محوري في استصدار قانون جديد للانتخاب ستجرى بموجبه الانتخابات المقبلة. وستتمخض عن انتخابات يناير ايضا حكومة منتخبة بالكامل، وهي سابقة بالنسبة للاردن حيث كان الملك هو الذي يختار رؤساء الحكومات. ولكن هل سترضي هذا التغييرات المعارضة، وهل ستتيح للنظام فرصة يستعيد فيها انفاسه؟ اضطراب يقول شون يوم، الخبير بالشأن الاردني في جامعة تمبل بمدينة فيلاديلفيا الامريكية، "إن الانتخابات ستكون الفيصل. فمن المفروض ان تكون انتخابات يناير اول انتخابات تجرى بموجب القانون الانتخابي الجديد ومن المفروض ان تدشن نظام حكم ديمقراطي جديد. ولكن اذا لم تعتبر القوى المعارضة الانتخابات ذات مصداقية ستظهر الى السطح علامات اضطراب حقيقي." ويضيف يوم انه لا يتوقع ان يحقق البرلمان الجديد اي تغيير حقيقي، بالرغم من انه سيقوم بتعيين رئيس الحكومة من بين صفوفه لاول مرة في تاريخ البلاد. ويقول يوم إن رئيس الحكومة الجديد وكافة وزرائه لن يتمكنوا من مباشرة مسؤولياتهم قبل ان يخضعوا لتمحيص دقيق من جانب البلاط الملكي ومديرية المخابرات واسعة النفوذ. ويقول إن مجلس النواب ما زال يفتقر الى صلاحية اقتراح القوانين واعداد ميزانية الحكومة، وان قانون الانتخاب الجديد "لا يغير شيئا فيما يخص غياب هذه السلطة الرقابية التي من المفروض ان يتمتع بها المجلس." من جانبه، ينتقد المحلل السياسي الاردني لبيب قمحاوي قانون الانتخابات بقوله "إنه (اي القانون) يقصي البعض بناء على آرائهم السياسية او خلفياتهم العرقية." مقاطعة وكانت جماعة الاخوان المسلمين، اكبر تجمع سياسي معارض في الاردن، قد اعلنت منذ مدة ان جناحها السياسي، جبهة العمل الاسلامي، سيقاطع الانتخابات. وتقول الجماعة إن القانون الجديد لم ينجح في اصلاح نظام انتخابي تعتبره منحازا ضدها لمصلحة القبائل التي تؤيد الملك. كما اعلنت مجموعة من الاحزاب المعارضة والنقابات انها ستقاطع الانتخابات ايضا. اضافة لذلك، هناك شعور باللامبالاة في صفوف الاردنيين من ذوي الاصول الفلسطينية، الذين يشكلون 60 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 6,5 مليون نسمة ولكنهم لا يتمتعون بالسلطة السياسية التي تعكس عددهم. مع ذلك، تصر الحكومة على ان نسبة المشاركة في حملة تسجيل الناخبين كانت مرتفعة، حيث سجل اكثر من مليوني شخص (من 3,7 ملايين مؤهلين للتسجيل) مما يثبت ان سياستها تسير في الاتجاه الصحيح. ولكن قمحاوي وغيره يشككون في نزاهة عملية التسجيل. يقول قمحاوي "قال العديدون إنهم قصدوا الدوائر المعنية لغرض التسجيل لكنهم اكتشفوا ان بطاقاتهم الانتخابية كانت قد سجلت وجيرت لمصلحة بعض المرشحين." ويقول حمزة منصور، امين عام جبهة العمل الاسلامي، إن المعارضة تصر على ان يتمتع البرلمان بسلطات كاملة ان كان لجهة تشكيل الحكومة او ممارسة الرقابة على عملها. وأكد منصور ان الاخوان ومؤيديهم سيخرجون للشوارع في مظاهرات "ضخمة وسلمية" عقب الانتخابات. ويقول يوم إن الاخوان لن يكونوا لوحدهم في هذه المظاهرات، فهو يتوقع ان يبدأ شباب العشائر الاردنية الذين يشعرون بالغبن والتهميش من جانب شيوخهم وزعمائهم بالتظاهر ايضا في المرحلة المقبلة. ويمضي للقول "سنشهد زيادة في الفوضى السياسية بالاردن، حيث ستنطلق المظاهرات بشكل عفوي وغير منظم عكس ما نراه اليوم." يذكر ان احتجاجات شباب العشائر التي تبلورت شيئا فشيئا بشكل حركات سياسية خصوصا في شمالي البلاد وجنوبيها اصبحت اكثر حدة، ووصلت الى حد انتقاد الملك والمطالبة برحيله، وهو امر يعاقب عليه القانون الاردني بالسجن. "نخبة" ويتوقع خبير الشأن الاردني يوم ان "تعبر هذه المظاهرات العفوية اليومية عن الغضب على الملك الذي يعلم بأن الامور ليست على مايرام، ولكن بسبب حذره من مواجهة نخب متمترسة تمترسا قويا لا يتمكن من تنفيذ الاصلاحات التي وعد الشعب بها." الا ان محمد المصري الاستاذ في الجامعة الاردنية يرى ان ناشطي المعارضة ما زالوا منقسمين على انفسهم ولايستطيعون نتيجة لذلك حشد الاعداد الكافية من المؤيدين لتشكيل حركة جماهيرية من اجل التغيير على غرار تلك التي رأيناها في مصر وتونس وليبيا وسوريا. ويقول المصري "إن عملية بناء الجماعات الضاغطة باتجاه التغيير في الاردن ستستغرق وقتا طويلا، ونحن الآن في المرحلة التي مرت بها مصر بين عامي 2003 و2005 التي شهدت انبثاق حركة كفاية وغيرها، والسبب في ذلك هو تشرذم المجتمع الاردني." ويقول المصري إن تاريخ الاردن مع الاسرة الهاشمية - التي ينظر اليها بوصفها عامل توحيد واعتدال - يشير الى ان اللاعبين السياسيين الاردنيين لديهم القدرة على التوصل الى توافقات اكبر من اي بلد آخر في المنطقة. ويضيف "ان التطورات الحاصلة في سوريا ستكبح جماح الناشطين المعارضين وتمنح الحكومة الاردنية الفرصة التي تسعى اليها للمناورة وخلق نوع من الوفاق بين المعارضة والنظام.".