أفرزت نتائج قمة أبوجا حول الحرب في شمال مالي واقعا في غير مصلحة الجزائر. فقد أطلقت رصاصة الرحمة على التنسيق بين ما يسمى ''دول الميدان''، وقضت نهائيا على مساعي البحث عن أرضية للحوار بين السلطة الانتقالية في باماكو، والجماعات المسلحة الموصوفة ب''غير الإرهابية''. أثبت ما تمخض عن القمة الإفريقية من قرارات، أن ''قيادة أركان الجيوش'' التي أنشأتها دول الميدان في تمنراست عام ,2010 مسعى فاشل من أساسه طالما لم يظهر له أي أثر على الأرض، بينما كان الهدف منه هو شن عمليات عسكرية خاطفة ضد مواقع الإرهابيين في الصحراء. وتتحمل الجزائر أساسا فشل هذه الآلية العسكرية، لأنها هي من كانت وراء إنشاء التكتل الرباعي المحارب للإرهاب في الساحل، وهي من قادت اجتماعاته التي جرت بالجزائر وباماكو، على مستوى وزراء الخارجية ووزراء الداخلية. وتصرف المسؤولون الجزائريون، طيلة عامين، كرواد لكل مبادرة بالمنطقة في اتجاه مواجهة الجماعات الإسلامية المحسوبة على تنظيم القاعدة. واستفاق المهتمون بالقضية من زيف ''الريادة الجزائرية'' بعد الانقلاب العسكري بمالي في 22 مارس الماضي، وسقوط أهم دول الشمال بين أيدي تنظيم ''القاعدة'' وذراعه ''حركة التوحيد والجهاد''، والفصيل المسلح الجديد المرتبط به روحيا ''حركة أنصار الدين''. فقد تسلمت فرنسا الملف ورفعته إلى مجلس الأمن، ومارست ضغطا دبلوماسيا لافتكاك لائحة حملت منذ البداية مؤشرات تفضيل الخيار العسكري، تاركة مجالا محتشما لإمكانية التقريب بين باماكو والطرف المسلح غير الموصوف ب''الإرهاب''. وينطبق هذا الوصف على حركة الأزواد الانفصالية، الحلقة الأضعف في المعادلة الأمنية التي سرعان ما ظهر عجزها أمام قوة التنظيمات المسلحة الثلاثة. وتمكن الفرنسيون من إضعاف نفوذ الجزائر في عمقها الجغرافي، وحاصروا دورها في الاتحاد الإفريقي الذي منعوه من التكفل بملف مالي، وقرروا وضعه بين أيدي بلدان ''إكواس'' ال15 المعروفة بولائها لفرنسا بحكم الماضي الاستعماري الذي يربط باريس بهذه الدول، باستثناء نيجيريا. وقلصت فرنسا، بدعم من واشنطن، من دور الاتحاد الإفريقي في أزمة مالي، فجعلت منه مجرد قناة لنقل الخطة العسكرية المطلوب من ''إكواس'' إعدادها، إلى مجلس الأمن الدولي ليفصل في تاريخ شن الحملة العسكرية. بمعنى آخر، أصبحت فرنسا في فترة قصيرة هي اللاعب الأساسي بمنطقة تبعد عن أقرب نقطة بأرضها بأكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، وخلف نفوذها القوي ظروفا جعلت من الجزائر عاجزة عن ممارسة نفوذها المعهود إفريقيا، بعدما جعلت منها متفرجا على رهانات مصيرية جرت قرب حدودها أثناء أزمة ليبيا العام الماضي. ولما شعرت الجزائر بأن الملف يكاد يفلت من بين يديها، سعت باتجاه شريكيها من دول الميدان، موريتانيا والنيجر، لجرهما إلى الموقف الرافض لحسم الموقف عسكريا، والمفضل للحلول السياسية القائمة على التفاوض. وهنا أيضا راهنت على حصان خاسر، لأن نواقشوط ونيامي انتقلتا بسرعة من خندق الجزائر إلى تأييد الحرب. ولما تأكدت أن حليفيها السابقين أصبحا تابعين لفرنسا في ملف مالي، لعبت ورقة ''حركة أنصار الدين'' في محاولة لتأكيد ''صحة'' منظورها لحل الأزمة القائم على التفريق بين المسلحين التوارف والمسلحين الإرهابيين. وهنا أيضا لم تستطع مواجهة النفوذ الفرنسي الذي كرس صفة الإرهاب على جماعة إياد آغ غالي، بل إن الأخير نفسه ضرب الوساطة الجزائرية، عندما أعلن لموقع ''صحراء ميديا'' أن علاقته بالقاعدة وحركة التوحيد ''هي علاقة المسلم بالمسلم''.