قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: ''كان هناك أفغانستان، ولا نريد أن يكون هناك ساحلستان''، في إشارة إلى أزمة شمال مالي وتهديدات القاعدة، التي ذكر أنها موجهة ضد فرنسا وأوروبا. لكن الوزير مساهل حرص على التأكيد ''نحن نميز دائما بين سكان شمال مالي والإرهاب والجريمة المنظمة. هذه القضايا لا يشوبها أي لبس''، في توضيح لأنصار التدخل العسكري بحجة محاربة الإرهاب، مشيرا إلى أن ''سيادة مالي ووحدتها الترابية ليستا قابلتين للتفاوض''. وردا على ذلك أعلنت حركة أزواد ''الحرب'' على جماعات إرهابية في شمال مالي، وقالت، في بيان لها ''هذه حرب بين حركة أزواد وكل المجموعات الإرهابية التي تعشش في شريط الساحل منذ عشرات السنين''، ما يعني ضرورة إعطاء فرصة للمفاوضات لإبعاد انفجار برميل البارود الذي يهدد المنطقة. فضّلت الخيار التفاوضي عن التدخل العسكري الجزائر لا تريد أن تُلدغ من نفس السلاح مرتين إذا كانت عودة مئات التوارف المسلحين من ليبيا قد قلبت الأمور في شمال مالي، وأحدثت فوضى، وشردت آلاف السكان النازحين واللاجئين في دول الجوار، منهم 30 ألف في الجزائر وحدها، فكيف سيكون الوضع على المنطقة، وعلى الجزائر بالذات، لو يتم فرض خيار التدخل العسكري وشن حرب ضروس في مالي؟ لم تكن أزمة شمال مالي لتحدث، أو على الأقل بهذه الصورة الفوضوية، لو لم تكن هناك الحرب التي شنها حلف ''الناتو'' في ليبيا، حيث تولد عنها انفلات أمني وتهريب لآلاف قطع السلاح لم يكن يحظى بالأهمية، رغم تحذيرات الجزائر يومها، لا من قبل قوات التحالف للناتو، ولا من الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولا حتى من قبل بعض دول الجوار، مثل مالي التي اعترف وزير خارجيتها منذ يومين، في أعقاب زيارة للجزائر بأن ''بلاده أخطأت عندما سمحت للتوارف العائدين من ليبيا بالدخول إليها مدججين بأسلحتهم''. وحذّر العديد من الخبراء من أن حرب ليبيا كانت لها تداعيات على دول الجوار، لما نهب منها من سلاح ثقيل، وصل العديد منه إلى أيدي الجماعات المسلحة في الساحل. وقالوا إن سقوط مالي في حالة الفوضى التي تشهدها كانت بسبب ليبيا، وحذروا من انتقال عدوى مالي إلى النيجر وموريتانيا وبوركينافاسو، جراء نزوح أكثر من 180 ألف مالي إليها، وهي دول ضعيفة اقتصاديا وهشة أمنيا. وإذا كانت الجزائر قد وجدت صعوبة في ضبط حدودها، غداة الحرب في ليبيا، واضطرت إلى نقل قوات عسكرية إضافية، من جهة لاستقبال الهاربين من ليبيا الذين دخلوا الحدود الجزائرية، ومن جهة أخرى لضبط الأمن وحماية الحدود من المهربين وتجار السلاح المنهوب من المدن الليبية، فإن الأمر سيكون أصعب بضعفين عندما يتعلق الأمر بحماية الحدود مع مالي، في حالة تنفيذ التدخل العسكري لمجموعة غرب إفريقيا، بالنظر لكثرة عصابات التهريب وتجار السلاح والمخدرات في منطقة شمال مالي، واحتمال نزوح أمواج كبيرة من السكان باتجاه الجزائر أكثر من غيرها من دول الجوار، لما تتوفر عليه الجزائر من استقرار في مدنها الجنوبية، وتوفر الحماية الأمنية بها، مقارنة بدول النيجر، وبوركينافاسو وموريتانيا. ويفهم من وراء هذه المعطيات لماذا تركز الجزائر كل جهودها الدبلوماسية. وثقلها السياسي، في قضية أزمة مالي، على فرض الخيار التفاوضي عن الحل العسكري. الذي تتبناه النيجر ومجموعة ''الإكواس''، لأنها لا تريد أن تلدغ مرتين من وراء حرب ليبيا. لا تريد الجزائر أن تستغل الحركات المسلحة في شمال مالي التدخل الأجنبي، كحجة تستعملها في الدعاية لتجنيد عناصر جديدة في صفوفها، تحت غطاء ''الجهاد ضد الصليبيين''. وإن أقنعت هذه المبررات، المقدمة من طرف الجزائر، الولاياتالمتحدة التي حذرت من التدخل العسكري، فإن فرنسا تعمل، بمعية مستعمراتها القديمة، على دفع جنود مجموعة الإكواس ال3300 إلى المستنقع المالي، ليس من أجل منع القاعدة من تشكيل ''ساحلستان''، حسب لوران فابيوس، ولكن أيضا من أجل حماية مصالح شركاتها، خصوصا في مناجم الأورانيوم في النيجر. الجزائر: ح. سليمان
فرنساوالجزائر متفقتان على مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة في الساحل وبسرعة حكومة مالية توافقية تمثّل جسر العبور لحل تمرّد الشمال تستضيف، اليوم، العاصمة وافادوفو قمة تجمع دولا إفريقية مع أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني في مالي، من أجل مشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية في مالي، بإمكانها أن تشكل بداية الحل لمسألة الشرعية. وترى الجزائر، على لسان عبد القادر مساهل، أهمية دعم القيادة بباماكو والبحث، من خلال الحوار والتفاوض، عن حل بشمال مالي بين كل الأطراف التي تدين الإرهاب والجريمة المنظمة. تلتقى العديد من الدول، سواء من دعاة التدخل العسكري أو من أنصار الحل التفاوضي، على أهمية تنفيذ خطوات المرحلة الانتقالية للعودة سريعا إلى الشرعية الدستورية، غير أن هذه الخطوة، التي تجد إجماعا دوليا، اصطدم تطبيقها، ميدانيا، بضعف الحكومة المالية في باماكو، الأمر الذي استدعى ضرورة توسيع تمثيلها وقاعدتها السياسية لتشمل كل الماليين، أي الذهاب إلى تشكيل حكومة توافقية ووحدة وطنية، حتى يتسنى لها التعاطي مع التحديات التي تنتظرها، سواء في جنوب مالي أو في شمالها. وبعد المشاورات التي قام بها وسيط مجموعة الإكواس، الرئيس البوركينابي بليز كومباوري، مع حركتي أنصار الدين وحركة الأزواد، قررت المجموعة عقد قمة في وافادوفو، اليوم السبت، تجمع الحكومة المالية الانتقالية، بمعية الطبقة السياسية والمجتمع المدني، لتشكيل حكومة وحدة وطنية، بإمكانها أن تطلب المساعدة العسكرية الخارجية للتصدي للمتمردين في الشمال، خصوصا من تنظيم القاعدة وحركة التوحيد والجهاد. وقد اتفقت الجزائر مع فرنسا، في أعقاب الزيارة التي قامت بها مستشارة الرئيس هولاند، السيدة هيلين لوغال، على أن ''فرنساوالجزائر تتقاسمان نفس الانشغال إزاء ما يحدث على طول حدود مالي، وهما متفقتان على مواجهة، وبسرعة، الجريمة المنظمة والإرهاب اللذين يتناميان في هذا البلد''. غير أن نجاح حكومة الوحدة الوطنية ليس سهل المنال، بالنظر إلى حالة التصدع والانشقاق التي حدثت في مالي في أعقاب الانقلاب العسكري الذي قاده النقيب صانوقو، يوم 22 مارس الفارط، إذ من الصعب إيجاد ''إجماع'' سياسي من شأنه التعاطي الإيجابي مع مطالب سكان الشمال (حركة الأزواد)، خصوصا في ظل ميل كفة أنصار الحل الأمني داخل ما بقي من صقور المؤسسة العسكرية المالية، مقارنة بأصوات الحل التفاوضي لتحقيق بعض مطالب الأزواد. وعندما تعلن العديد من دول المنطقة، والشركاء في الخارج، أن الجزائر تمسك بمفتاح الحل، ففي ذلك اعتراف بأن اتفاق 91 و2006 الموقعين بين باماكو والتوارف مازالت بنودهما صالحة، وبإمكانها، لو وفرت لها ضمانات دولية، أن ترضي حركة الأزواد وتقنعها بالعدول عن مطلب الاستقلال المرفوض دوليا. الجزائر: ح. سليمان
النائب في البرلمان المالي حيدرا سيسي تدافع عن الحل العسكري ''الجماعات التي تسيطر على الشمال قطاع طرق ولا فرق بينهم وبين بن لادن'' دعمت حيدرا إيساتا سيسي، النائب المستقل في البرلمان المالي، عن منطقة بورام في غاو، ضرورة شن ''حرب'' في شمال مالي، من أجل تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة مجموعات إسلامية وأخرى تارفية، وقالت حيدرا ''يجب علينا رفض التفاوض على النحو الموصى به من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن يجب أن تكون الحرب''. وترى النائب حيدرا إيساتا سيسي أن الحل العسكري هو أسلم السبل لما تسميه تحرير شمال مالي، ولفتت، في حديث لوكالة ''كزينهوا''، عقب لقاء جمع، الأربعاء الماضي، الوزير الأول المالي بنواب وممثلي جمعيات من شمال البلاد ''سمعت على الفور أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطلب مواصلة التفاوض، وأنه فقط عندما تفشل المفاوضات يمكن، حينها، دراسة فكرة الحرب (الحل العسكري)''، وقالت ''أجيب مجلس الأمن أن يقترح نفس الأمر (التفاوض) على الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأن الأمريكيين لم يسبق لهم التفاوض مع زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، بل طاردوه، ولما عثروا عليه قتلوه، ثم رموا جثته في البحر''. وتصنف حيدرا إيساتا سيسي كلا من حركة تحرير أزواد وجماعة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا في نفس مستوى بن لادن، ''على الرغم من أننا نواجه هؤلاء، فهم في نظري سواء مع بن لادن في كل شيء''. وانتقدت، من جهة أخرى، استقبال الرئيس البوركينابي، ممثلا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لممثلين عمن سمتهم ''المتمردين وقطاع الطرق''. وقالت النائب، التي كانت من بين نواب آخرين رافعوا للحل العسكري، شهر جوان الماضي، أمام نواب أوروبيين في البرلمان الأوروبي ببروكسل، ''في هذه النقطة، سأذهب بعيدا، بالقول إننا لا ينبغي أن نتفاوض مع هؤلاء الناس''. وتابعت، في نفس السياق، ''أنا أؤيد الحرب، وأنا أقول هذا بصوت عال وواضح، كنا في حاجة إلى المجتمع الدولي. وفي المقام الأول يجب على الأممالمتحدة أن تؤيد مجموعة غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي لكي يرسلوا لنا قوات، لتعمل جنبا إلى جنب مع الجيش المالي''. الجزائر: عاطف قداد رة
الخبير في القضايا الإستراتيجية شفيق مصباح ل''الخبر'' ''الحل التفاوضي من المستحيلات والمشكل في الجماعات الإسلامية'' يرى شفيق مصباح، ضابط سام متقاعد، وخبير في القضايا السياسية والإستراتيجية، أن الحل التفاوضي في شمال مالي ''من المستحيلات''، ويقول خريج المعهد الملكي البريطاني في دراسات الدفاع إن مشكلة التفاوض ليست في حركة التحرر التارفية، بل في الجماعات المسماة بالإسلامية. هناك تجاذبات بين طرحين دوليين حول الحل في شمال مالي، الحل التفاوضي والحل العسكري، أيهما أقرب ليكون حلا سليما للوضع؟ يمكن النظر للأمر من زاويتين، أولا نظرية: بحيث أن الجزائر متمسكة فعلا بمبدأ عدم التدخل العسكري خارج التراب الوطني، وثانيا عملياتية، إذ قد تخشى الجزائر، في حال حدث تدخل عسكري أن تجرها المستجدات الميدانية إلى حالة توغل تؤدي إلى تفاقم الأوضاع في الساحة الوطنية، كما من المتوقع أن يؤدي هذا التدخل إلى جذب أنظار الجزائر عن ملف الصحراء الغربية، الذي هو قضية مصيرية للدبلوماسية، ناهيك عن التكلفة المتوقعة، من مال وعتاد على الأخص، وضحايا، سواء تعلق الأمر بجنود على الأرض أو الرهائن الجزائريين. الجزائر تدعم الحل التفاوضي. إذا وافقت عليه المجموعة الدولية، من سيكون طرفا فيه من بين المجموعات التي تحتل شمال مالي؟ يظهر الحل التفاوضي، حتى وإن كان مستحبا، من المستحيلات السبعة. المشكل لا يكمن في حركة التحرر التارفية، بل في التفاوض مع كل المجموعات المكناة بالإسلامية، والتي انتهجت الإرهاب وسيلة، فمن غير المنطق أن ننتظر من هذه التنظيمات استقبالا لحل سياسي في إطار تفاوضي، لأن كل المعطيات تدل أن الأمر سيحسم ميدانيا عن طريق القوة. وإذا عجزت الجزائر عن أداء المهمة، فقد يتولاها غيرها لمصلحتهم الخاصة، سواء دول غربية أو غيرها. في النهاية يبدو أن الوضع في الساحل يعد من جانب المجموعة الدولية التي يهيمن عليها القرار الغربي، اختبار كي تتأكد أن الجزائر منخرطة في مكافحة الإرهاب دون هوادة ودون تردد. إذا حصل تدخل عسكري، ما هي انعكاسات ذلك على الجزائر؟ ربما أفاجئك بجوابي، لا أرى أن الصعوبة في التدخل تتعلق بالجانب العملياتي، بمعنى القدرة القتالية للجيش، حتى وإن كان المعترك صعبا جدا، هذه الصعوبة قد تجد حلها في الإسناد الذي تتولاه الجيوش الإفريقية بخصوص الأفراد والدول الغربية فيما يخص العتاد والمعلومات، لكن هيهات أن تتدخل الجزائر عسكريا، دون أن تضمن وحدة الجبهة الداخلية من خلال إجماع وطني شامل حول أهداف الدبلوماسية الجزائرية. وأنبه، في النهاية، إلى أن الدور الذي ستلعبه الجزائر قد يشعرها بدورها كقوة جهوية فعالة في المنطقة. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة