ما الفائدة من إنشاء خلية للاتصال على مستوى وزارة أو مديرية أو هيئة وطنية، إذا كان موظفوها يرفضون الحديث مع الصحفيين؟ والأغرب في هذا الواقع الأسود لسياسة الاتصال التي تعتمدها الدولة الجزائرية هو أن الخلية نفسها لا تتردد في اتهام الصحفيين، بعدما يقع الفأس على الرأس، بالتقصير في العمل وعدم استشارتها قبل كتابة التقرير الصحفي، وقد تذهب إلى حد مقاضاة الصحفي بتهمة نشر أخبار مغلوطة، أو اتهامه بالمساس باستقرار البلاد أمام صمت مؤسسات الدولة كلما تعلق الأمر بقرارات سياسية وأمنية مصيرية.. ولعل آخر فصل في مسرحية ''الصمت'' الجزائرية هو التكتم على موقف الدولة، في جملته وتفصيله، من الحرب المندلعة في مالي. عندما تتحول مؤسسات الدولة إلى ''كازمات'' فابيوس ناطق رسمي باسم الحكومة الجزائرية! أقامت وسائل الإعلام الفرنسية، أمس، الدنيا ولم تقعدها ضد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، رغم إعلان هذه الأخيرة دعم بون لباريس في حربها ضد الإرهاب بمالي عبر إرسال إمدادات لوجيستية وطبية إلى مسرح العمليات. يأتي العتاب الفرنسي لميركيل عقب إعلانها بأن قرار الدعم لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة البرلمان الألماني وموافقة المجلس الدستوري. وقبلها خرج الرئيس الفرنسي، مساء الجمعة الماضي، ليعلم شعبه بقرار دخول الحرب وخلفياته وأهدافه وتبعاته، ثم خرج مرة ثانية ليخبر شعبه بآخر التطورات الميدانية، وبين الخرجتين قضى ويقضي كبار المسؤولين الفرنسيين كرئيس الوزراء ووزيريه للدفاع والخارجية، ومعهم قاضي التحقيق المكلف بالإرهاب مارك تريفيديتش الذي وبحكم حساسية المنصب اشتهر بتفضيله الصمت على الكلام، وقتهم بين بلاتوهات القنوات التلفزيونية واستوديوهات الإذاعات وقاعات تحرير الصحف والوكالات، يشرحون الموقف لشعبهم ويعلمونه بتطورات الحرب أولا بأول ولحظة بلحظة. نحن هنا أمام حالتين في التعاطي مع الشعب، الحالة الألمانية التي لا تكتفي بإخبار المواطنين بالقرارات المصيرية ولكنها تذهب حد استشارتهم عن طريق ممثليهم، وهناك الحالة الفرنسية التي تنطلق من حق المواطنين، صاحب الأرض والسماء، الطبيعي والدستوري في الإعلام وفي الاطلاع على دقائق الدقائق عندما يتعلق الأمر بخيارات استراتيجية من قبيل إعلان الحرب وإنهائها، لأن ذلك يتطلب تضحيات جسيمة في المال والبشر والطمأنينة والاستقرار، ليس هناك مواطن على وجه المعمورة مستعد لدفعها دون أن يجد الإجابات على الأسئلة التقليدية المعروفة: من وكيف ولماذا؟ في مقابل الحالتين الألمانية والفرنسية، هناك الحالة الجزائرية، حيث لا اعتراف بحق الشعب في الاستشارة وفي الإعلام، وهي الحالة التي بدت أعراضها جلية في التعاطي مع الموقف الجزائري من ثورات الربيع العربي، وجاءت الحرب في مالي لتكرسها. فدافع الضرائب الجزائري البسيط صدم أخيرا بحقيقة أن دفاع دولته عن حق الشعوب في تقرير مصائرها، ومعارضتها ''الشرسة'' للمساس بسيادة الدول واستقلالها السياسي والعسكري، ودعوتها لتسبيق الحوار على الحرب، لم يكن سوى ذر للرماد في العيون وسراب يحسبه الظمآن ماء. فتصريح واحد مقتضب لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس كشف المستور وفضح المتكتم عليه، ليستيقظ دافعو الضرائب في الجزائر على أجواء مفتوحة للطائرات الفرنسية دون شروط، وليستفيقوا على استجابة سريعة وغير مترددة لطلب فرنسي بغلق الحدود مع مالي. ولسنا هنا في موقف المعارضة المبدئية للقرار الجزائري بفتح المجال الجوي وغلق الحدود، لأن هذا الموقف يخضع لموازين قوى واقعية لا علاقة لها بالعاطفة، فقد يكون من مصلحة الجزائر أن تدعم عملية عسكرية ستخلصها من خطر إرهابي داهم يقف على الأبواب وينتظر فرصة الانقضاض على قطعة من أراضينا والإمساك بجزء من شعبنا رهينة، فلم يعد سرا أن ''الجهاديين'' يبحثون في مالي عن قاعدة ينطلقون منها لإقامة ''الدولة الإسلامية العابرة للقارات''. لكن الإشكال كل الإشكال يكمن في طريقة التسويق لهذا النوع من القرارات الاستراتيجية، في غلاف يوحي بأنها ''مؤامرة دبرت بليل'' أو بكونها اتخذت من طرف مجموعات سرية تنشط في الظلام وداخل ''مغارات''. هذا ما جنته علينا سياسة الاتصال الغبية والمتخلفة التي تتبناها الدولة الجزائرية منذ سنوات، سياسة يغيب عن هيكلها الناطقون الرسميون، ويختبئ فيها المكلفون بالإعلام وراء مكاتب مقفلة وهواتف خارج مجال التغطية، ووزراء يسكتون دهرا ثم ينطقون كفرا، وإعلام سمعي بصري محتكر لا يرى ولا يسمع.. سياسة لا تؤمن بحق الشعب في الاستشارة والإعلام، فلا عجب إذن أن تسلم رقبة الرأي العام الجزائري إلى وسائل الإعلام الأجنبية تعبث بها كما تشاء، ولا غرابة في أن يتحول وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس إلى ناطق رسمي باسم الحكومة الجزائرية، ومؤسسات الدولة إلى ''كازمات''. يتقاضون بين 15 و17 مليون سنتيم شهريا المكلفون بالإعلام.. صمّ بكم لا يبصرون يواجه الصحفيون ورجال الإعلام صعوبات كبيرة في التواصل مع المكلفين بالإعلام على مستوى هذه الهيئات الرسمية، لتأكيد أو نفي أي معلومة يتحصل عليها هؤلاء في إطار مهامهم اليومية، رغم أن ذلك أي التعامل مع الصحفيين يدخل في صلب مهام هؤلاء الموظفين. وكشفت مصادر مطلعة ل''الخبر'' أن أغلب المكلفين بالإعلام على مستوى الوزارات والهيئات الرسمية يشغلون منصب ''مكلف بالدراسة والتلخيص'' وهو منصب أو رتبة، يضيف مصدرنا، منحت لسد فراغ في الهرم الإداري يغيب أو ''مغيب'' فيه منصب المكلف بالإعلام الذي من واجبه الاتصال مع وسائل الإعلام التي عبرها يقوم باحترام تجسيد حق المواطن في الإعلام. وبخصوص هؤلاء، أضاف المصدر، ''بحكم الرتبة فإنهم يتقاضون وفق سلم الأجور ما بين 15 و17 مليون سنتيم شهريا''. والسؤال المطروح في هذا السياق هو: هل يعكس الجهد المقدم الراتب المعتبر الذي يحصلون عليه، والذي يمثل عشرات الأضعاف الأجر الوطني المضمون؟ وحسب محدثنا فإن: ''أغلب خلايا الاتصال التي يسيرها منطقيا هؤلاء يقتصر عملها على قراءة الصحف الوطنية والتأشير على المقالات التي تهم كل قطاع، وغالبا ما نجد أنه حتى هذا العمل يقوم به موظفون عاديون، ليطرح السؤال ما يقوم به المكلف بالدراسة والتلخيص؟ إذا لم يتواصل مع الصحفيين ومنهم مع المواطنين، ولا يقوم حتى بتقديم تلخيص واقتراحات لمسؤوليه عبر قراءته لمقالات الصحف. واعتبر المتحدث: ''لا يجب إلقاء كل اللائمة على المكلفين بالإعلام، ففي الكثير من الأحيان هم يطبقون تعليمات فوقية تقضي بغلق كل سبل الاتصال''. تصميمها لا يواكب تطور شبكة الأنترنت المواقع الإلكترونية لوزارات.. خارج الخدمة ''التعاسة''، هي القاسم المشترك لمختلف المواقع الإلكترونية التي استحدثتها الوزارات وحتى رئاسة الجمهورية للتعريف بمهامها ونشاطاتها وفروعها وغيرها من الأركان.. تعاسة تتجسد أولا في التصميم الذي اختاره معدو المواقع والذي لا يواكب أصلا تطور الإخراج الإلكتروني، وثانيا في محتوى الموقع الذي يفتقر لأدنى المعلومات. وتتميز معظم بوابات الهيئات الرسمية بانعدام ''الديناميكية'' وكأن الهدف من إنشائها هو مجرد مواقع وكفى، وقد وصل ببعض المواقع إلى حد أنها لم تعد في الخدمة منذ شهور على غرار موقعي وزارتي الشؤون الدينية والنقل، فمن يريد تصفحها يقابله بلاغ على ورقة بيضاء ''موقع غير متوفر''. أما البعض الآخر، على سبيل المثال موقع وزارة الداخلية والجماعات الداخلية، فالقائم على تسييره دخل في سبات عميق، فأهم خبر يتصدر الموقع يتحدث عن اجتماع وزير الداخلية بالولاة يوم 19 أفريل 2012 لتحضير الانتخابات التشريعية لشهر ماي 2010 المنصرم، وآخر بيان في الموقع يتعلق بالتدابير الأمنية تحسبا للانتخابات المحلية شهر نوفمبر 2012، علما أن آخر مرة أبحرنا في هذا الموقع كانت يوم 6 جانفي .2013 يحدث هذا في الوقت الذي تحولت فيه مواقع الهيئات الرسمية عبر العالم لمصدر معلومة ليس فقط لرجال الإعلام بل لعامة الناس. أما في مجال ''التعاسة'' فيمكن منح كل هذه المواقع وسام الاستحقاق، مع بعض المواقع التي ارتأينا منحها ''السعفة الذهبية'' بإجماع لجنة التحكيم، من بينها موقع وزارة الموارد المائية، العمل والضمان الاجتماعي وأيضا التجارة. تجربة صفحة وزارة الخارجية على ''الفايسبوك'' ''جرعة'' الانفتاح لم تدم طويلا صنعت صفحة وزارة الخارجية على موقع التواصل الاجتماعي ''الفايسبوك'' قبل سنتين تقريبا، الحدث بصفتها أول صفحة رسمية على الموقع، ولأنها أيضا تحولت لمصدر حقيقي لمعرفة موقف الجزائر في عدة قضايا ومصدر أيضا للمعلومات، مثلما حدث إبان أزمة اختطاف البحارة الجزائريين في الصومال، لكنها (الصفحة) اليوم في تعداد المفقودين. أسابيع قليلة هي الجرعة الطفيفة من ''سيروم'' الانفتاح، التي استطاع النظام تحملها ليهرول بعدها لحبه الأول والأزلي مخدر ''الانغلاق''، فتجربة صفحة وزارة الخارجية لم تعمّر طويلا، رغم أنها لقيت استحسانا ليس فقط من قبل الإعلاميين بل حتى المواطنين لتحولها لمصدر يبث موقف الجزائر بصفة آنية في الكثير من الأحيان إزاء مختلف القضايا الدولية، كما أصبحت مصدر معلومات، ويتذكر الجميع قضية اختطاف البحارة في الصومال، حيث كان يقوم الناطق الرسمي للوزارة، عمار بلاني ببث معلومات دقيقة عن مصير ومكان تواجد البحارة وبعض التفاصيل عن المفاوضات لإطلاق سراحهم. غير أن الصفحة أغلقت، ودخل الناطق الرسمي للوزارة في لعبة غريبة، حيث صار يخصص بعض المعلومات والبيانات لبعض المواقع الإلكترونية، ومن غرابة الوضع أن بعضها اختار دولا أجنبية كمقر لها، مثل فرنسا، فصرنا نطالع تصريحات الناطق الرسمي على هذه المواقع وليس على موقع الوزارة على الأقل. مدير المدرسة العليا للصحافة الأستاذ إبراهيم إبراهيمي ''عدم تطبيق القوانين حرم المواطن من حقه في الإعلام'' l قال مدير المدرسة العليا للصحافة البروفيسور إبراهيم إبراهيمي، إن عددا كبيرا من المسؤولين لا يحترمون الصحفيين ويحرمون المواطن من حقه المشروع في الإعلام في تكريس واضح للبيروقراطية، مؤكدا أن هناك خللا في المنظومة القانونية فيما يخص تطبيق المراسيم والقوانين التي نصت على حق المواطن في الإعلام. وقال البروفيسور المختص في الإعلام الأستاذ إبراهيم إبراهيمي في لقاء ب''الخبر''، إن جل المراسيم التي نصت على حق المواطن في الإعلام كالمرسوم الصادر في 4 جويلية 1988، إثر مظاهرات سطيف وقسنطينة، غير مطبقة على أرض الواقع لعدم وجود لجان خاصة بذلك، ما جعل القوانين عبارة عن حبر على ورق، عكس ما هو حاصل في فرنسا التي سنت قانونا ينص على ضرورة فتح الحوار بين الإدارة والمواطن (الإعلام الجواري) في 1978 وأنشأت لجانا للسهر على تطبيقه في سنة 1988 . وحول رفض العديد من المكلفين بالاتصال والمسؤولين في الهيئات الرسمية، الإدلاء بتصريحات والإجابة عن أسئلة واستفسارات الصحفيين، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الهامة أو الاحتجاجات، قال إبراهيمي: ''هو مشكل البيروقراطية، وعدم احترام للديمقراطية.. الكثير من المسؤولين يتهربون خوفا من مسؤوليهم، ولما تتراكم الأشياء النتيجة تكون استعمال العنف من طرف المواطن، كما أن دور المسؤول تراجع على كافة الأصعدة والمؤسسات لم تعد تقوم بدورها، لأن السلطة كلها متركزة في شخصية رئيس الجمهورية، بينما في الستينات والسبعينات كانت للمسؤول قيمة ويستطيع اتخاذ قرارات مهمة، أما الآن الوزير وليس له قيمة، إذ هو مجرد بيدق صغير يتهرب من المسؤولية.. المسؤول الذي لا يخاف الحقيقة، يواجه الشعب ويعطي الحقيقة للصحافة، وهذا ما نص عليه مؤتمر الصومام ''الحقيقة ثورية ولو كانت مرة''.