هل هناك من يريد أن يشغل الجزائريين بحديث الكرة ''الخضراء'' عن حديث الصحراء ''الحمراء''؟ وأيهما أهون، خسارة محاربي الصحراء في ملاعب الكرة أم خسارة جيش الجزائر في الميادين الحقيقية، حيث يساوي الهدف الواحد، ضياع جيل أو أجيال؟ وببساطة شديدة، يجب ألا يأخذ النقاش حول الإخفاق الكروي الأخير للمنتخب الجزائري في الكأس الإفريقية حجما أكبر منه، وعلينا أن ننسى إلى حين انتصارات أم درمان، وننتبه إلى إخفاقات الوضع الأمني المتردي في جنوب البلاد. وشخصيا، لا أشعر بالاطمئنان على الإطلاق لهذا التناغم الجزائري الفرنسي حول الحرب في مالي، رغم ''الدفاع'' غير المسبوق الذي أظهرته باريس لفائدة الجزائر أثناء وعقب عاصفة عين أمناس. فقد وقف فعلا ساسة باريس في صف قادة الجزائر، ودافعوا عن صواب العملية العسكرية في عين أمناس. لكن هل تكفي التصريحات الفرنسية لتجعل الجزائريين يقتنعون بأن العاصفة مرت بسلام وأن الأزمة انتهت؟ أعتقد أنها لا تكفي. ثم هناك سؤال آخر: هل تسكت السلطة الجزائرية بسبب دعم باريس لعملية عين أمناس عن انتهاكات التطهير العرقي التي ارتكبها الجيش المالي المدعوم من القوات الفرنسية، في حق التوارف والعرب من أبناء شمال مالي؟ برأيي، فإن الانتهاكات الحاصلة الآن ما هي إلا بداية لحملة طويلة من العذاب الذي ينتظر جزءا من أبناء التوارف الممتدين على مساحات متداخلة في كل من الجزائر وموريتانيا وليبيا، إلى جانب مالي وتشاد والنيجر. وهذا يعني أن ''كروموزومات'' الانتقام تشتغل الآن لدى التوارف والعرب، في هذه المنطقة انتصارا لأهلهم المضطهدين في شمال مالي، وهو أمر يصب طبعا في مصلحة المتطرفين، الذين فرّوا كالقطط إلى الجبال وغاصوا في عروق الصحراء كالسحالي. لقد راهنت الجزائر على تحييد جماعة أنصار الدين من الصراع العسكري في شمال مالي، لكن تبين أن الجناح المتشدد في الحركة اختار طريقه وأعلن دخوله في حرب بدأها ولا يستطيع توقيفها. ولم يبق للجزائر الآن سوى ورقة المعاملة الإنسانية الحسنة مع التوارف الهاربين من جحيم الحرب في مالي، وهذا أضعف الإيمان، لأن ''الأوراق'' اختلطت، وحرب مالي تبدو أقسى من حرب ليبيا، فإذا كانت ليبيا هي منبع نهر السلاح فإن شمال مالي هي مصب هذا النهر. [email protected]