هل نحن أمام حكومة منفى، على اعتبار أنها لا تقيس حجم تأثير ''خسائر الصمت'' على الرأي العام؟ أم أننا أمام حالة يناسبها وصف ''الحكومة المتخفية'' التي تصدر قراراتها في سرية عن مواطنيها؟ جاءت حرب مالي لتزيدنا حيرة من مواقف الجزائر الخارجية. فلم نستوعب، بعد، كيف تداعب نظام بشار على حساب سوريا والسوريين، لتصدمنا بقضية عبور الطائرات الفرنسية. وكيف أنها تركت أمر الإعلان عن دور الجزائر في هذه الحرب، لوزير خارجية فرنسا ''مراد فابيوس''، معذرة ''لوران فابيوس''. عندما نتحدث عن شمال مالي، كأننا نتحدث عن جنوبالجزائر. وليس ذلك من زاوية أطماع توسعية، بل لارتباط الأمر بقضية النسيج الاجتماعي. فالتوارف يقيمون بجنوبالجزائر وفي شمال مالي. ويمتد وجودهم من موريتانيا غربا إلى مناطق في التشاد شرقا. وإعلان الحرب بالصيغة الفرنسية، من شأنه دفع جميع التوارف للانخراط في حرب دفاعية. وإن حدث الانزلاق، فسيكون لاشتعال منطقة الساحل، امتدادات إلى دول إقامة التوارف، ومنها الجزائر. فالتوارف يرون أنفسهم عائلة واحدة، بما يعنيه ذلك من واجب التكاثف والتكافل والتعاون. قد تكون حادثة عين أمناس من بين تداعيات الحرب في مالي. لكن سرعة تنفيذها، تجعلنا نتساءل عن تاريخ البدء في التخطيط لها. فمن الصعب، في منطقة صحراوية مكشوفة، تنفيذ عملية جريئة بهذا الشكل، ساعات فقط بعد بداية التدخل الفرنسي؟ ومن المفيد الوقوف على علاقة العملية مع سرعة تدخل فرنسا، بحجة وقف الزحف على باماكو، عاصمة مالي، في وقت كان للحل السياسي فرص الاستمرار. وحتى الآن، لم تنكشف بعد خيوط سرعة سقوط اتفاق الجزائر الموقّع مع جماعات أنصار الدين، والذي يلتزم فيه أطراف النزاع في شمال مالي بالتعاون السلمي. منذ سنة، تمت الإطاحة برئيس مالي في انقلاب غريب. أولا، لأن الرئيس كان في شهوره الأخيرة من انقضاء حكمه. وثانيا، أنه كان في حوار مع فرق الشمال، وأدى الانقلاب عليه إلى إعلان الشمال عن الانفصال، لتخرج القضية كلية من بين أيدي الماليين وتتحول إلى قضية إقليمية دولية، تخضع لترتيبات إعادة صياغة الخريطة السياسية لدول الساحل. في الجزائر، تعددت التحذيرات من تطورات القضية وصدرت في شكل مواقف وكتابات حذرت السلطة من استمرارها في تبني أمر الواقع كعقيدة لها في تناولها للمشاكل. ومن تلك المشاكل، طريقة التعامل مع ملف البطالة وقضية التشغيل في ورفلة والجنوب عموما. ولم يترك أعيان الأهفار الفرصة تفوت لطرح قضية تنمية الجنوب. ووجهوا نداءات استغاثة إلى السلطة من أجل التكفل بالجنوب. وتطور غضب الأعيان إلى حد التهديد بمقاطعة تشريعيات ماي الماضي. ماذا يمكن للحكومة في الجزائر أن تقوم به الآن؟ الأولوية هي لحشد الرأي العام الوطني على مواقف متجانسة في القضايا الكبرى، على الأقل، القضايا الخارجية. وذلك بأن تعتمد على الشفافية في العمل، لأن استمرار أدائها بالشكل الحالي، سيزيد جراح سكان الجنوب، وقد يؤدي إلى ترجيح كفة اللاتعقل لدى قطاع منه. إلى جانب الشفافية، تطرح قضية التكفل بالصراع ''الخفي المعلن''، داخل المسجد وحوله بين السلفيين ووزارة الشؤون الدينية، ممثلة للحكومة، فاستمراره على هذا الشكل سيكون بمثابة سرير لموجة جديدة من الفتنة الدينية، وهي فتنة قادرة على النفخ في كل ''الجمرات'' لجعلها تشتعل، وستحرقنا بما يخدم مصالح غيرنا. والمعالجة لا تتم بقرارات إدارية أو بمراقبة المسجد. المطلوب هو الوصول إلى تأسيس مرجعية فكرية تتجاوز التنافس السياسي، وتكون فوق الصراع على الحكم باسم الدين، وذلك عبر توسيع النقاش الحر بين العلماء والكفاءات، تفاديا لتكرار انتكاسات سابقة، والتي تغذت بنقاشات كانت محتكرة من أطراف محدودة القدرات، من جانب السلطة ومن جانب الإسلاميين. وتعتبر المسائل المرتبطة بالعقيدة، من المحفزات المستخدمة من قبل بعض المتطرفين الذين يستغلون ''الفوضى'' الفكرية ل''تشغيل'' الشباب في العنف. لست في موقع لنصح السلطة بالتواصل مع المواطن أو الاتصال بالرأي العام، لكن ما أستطيع قوله إنها لا تقوم بما يجب في سبيل ''لمّ الشمل''، من خلال إطلاع الرأي العام على حقيقة الرهانات وبمخاطر الانزلاق، وذلك ما لا ينطبق عليه الواقع الذي يميّزه التمادي في التلاعب بالدستور وبالقوانين. فالدستور وثيقة وضعتها أمم لتستقر، لكنه عندنا، ''كوكوت مينوت'' تسخن، فتغلي، ثم تضغط بخارا معلنا عن ''طبخة''. ولا يهم إن لم تعجب الأغلبية. أما التلاعب بالقوانين، فإنه يتم بالتمادي في تمرير نصوص على ''برلمان لا حول ولا قوة له''، إلا الاستجابة لما يطلب منه، ولو كان بالتصويت على شيء ونقيضه. وهو يستعد حاليا، لتمرير مشروع قانون للمحروقات بصيغته الجديدة، من دون نقاش ومن غير الاستعانة بالخبراء لتحديد مستوى مخاطر استغلال الغاز الصخري، على المياه والبيئة وعلى الإنسان وعلى الخزينة. يكفي فتح نقاش للإقناع، ليطوى الملف بهدوء وفي هدوء. سؤال آخر، لوجه آخر من الغطرسة، لماذا يظل رقم الصفقة مع شركة ''رونو'' من ضمن الأسرار؟ يفترض أنه لا يستحق كل هذه الضجة، يفترض.. [email protected]