لقد خلق الله تعالى الخلق لعبادته، فقال سبحانه وتعالى: {وما خلقتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيعبُدون} الذاريات: 56، فينبغي على العبد المؤمن أن يجعل هذه الغاية نصب عينيه، يتحرّك ويسكن بها، وأن لا يجعل ملذّات الدّنيا وشهواتها عائقًا له وصارفًا عن تحقيق العبودية لله تعالى، ذلك أنّ السّعي وراء حطام الدّنيا الزّائل ونسيان الآخرة ينتج عنه الهمّ والحزن والضّيق في النّفس والضنك في العيش، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وآتته الدّنيا وهي راغمة، ومَن كانت الدّنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق عليه شمله ولم يأته من الدّنيا إلاّ ما قدّر له'' أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح. فمَن كان همّه رِضى الله وطاعة الله وهدفه الحياة الآخرة، فإنّه لن يهتم لهموم الدّنيا ولن يغتمّ لأحزانها، وعلى هذا الشّخص أن يعلَم بأنّ الدّنيا دار بلاء، وعليه بالصّبر والرِّضى، وأنّ الله يعظّم الجزاء لعبده المؤمن إذا ابتلاه فصبر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرِّضا، ومَن سخِط فله السَّخط'' أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو حديث حسن. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلاّ لمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له'' أخرجه مسلم. فارفع يديك إلى الله تعالى بالدعاء والتضرّع كما علّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: ''ما قال عبدٌ قطّ إذا أصابه همٌّ أو حزن: اللّهمّ إنّي عبدُك، ابن عبدك، ابن أمَتك، ناصيَتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سمّيتَ به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدًا من خلقك أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أن تجعَل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همّي وغمّي، إلاّ أذهب الله همّه وأبدله مكان حزنه فرحًا'' رواه أحمد وابن حِبّان وغيرهما وهو حديث صحيح. وعلى المؤمن أن لا يقنط من رحمة الله، فهو الشّافي ذو الرّحمة والفضل، قال سبحانه وتعالى: {يا بَنِيَّ اذْهبوا فتحسَّسُوا من يُوسُفَ وأخيهِ ولا تَيأَسوا من رَّوْحِ الله إنّه لا يَيْأْس من رَّوْحِ الله إلاَّ القومُ الكافرون} يوسف: .87