سوناطراك في عين إعصار تحقيق قضائي في ميلان الإيطالية، ولا ندري إلى أين ستصل عملية فك رباط فضيحة الرشوة بين الشركة الجزائرية، أو من عمل باسمها في المفاوضات، مع ''إيني'' و''سايبام'' الإيطاليتين. عند الحديث عن المتاعب ''الأخلاقية'' لسوناطراك، فإن الحديث سيعود إلى 2010، على الأقل، عندما بدأت أولى خيوط هذه الفضيحة تتسرّب. صحيح أن وزير الطاقة السابق، شكيب خليل، قلّل، آنذاك، من شأن تلك المعلومات. ونفهم، اليوم، لماذا تعمّد ذلك، فهو ومحيطه معنيون بالفضيحة، وعدم متابعة الجزائر لهذه القضية، مكّنه من تحصين الملف، وتأجيل أي تدقيق في الحسابات. و''الضجيج'' الذي سبق تنحية الوزير، كان يعبّر عن مخاوف مسؤولين لانعكاسات خروج خليل من وزارة الطاقة. والسؤال الذي يظل مرفوعا هو: ''كيف العمل'' مع ظاهرة العمولات؟ توجد تقارير لحقوقيين ومواقف لسياسيين أعلنوا، صراحة، بأن الشركات الكبيرة والصغيرة تستعمل ''العمولات'' كوسيلة من بين وسائل ''الإقناع'' للفوز بصفقة. ويدافع سيلفيو برليسكوني، رئيس وزراء إيطاليا السابق، والمحتمل عودته إلى الحكومة، عمّا يعتبره من وسائل الإقناع في المفاوضات، ويحث على حماية الإيطاليين الذين تورطوا في دفع رشاوى، بحجة أن معاقبتهم ستؤدي إلى انهيار الشركات الإيطالية أمام المنافسة الدولية. من دون شك محاربة الظاهرة ليست بالشيء الهيّن، وما يساعد على نموها هو عدم توفر أجواء سياسية تشجع على نمو الشفافية. وثانيا، لوجود ظاهرة اسمها ''طول مدّة بقاء المسؤول في منصبه''. فهناك مناصب من الخطر على الدولة أن تظل بين أيدي شخص لسنوات طويلة، ما يصعّب قضية إجراء خبرة موضوعية. ففي قضية أخرى، نلاحظ أن طول بقاء بن بوزيد على رأس وزارة التربية، أجّل أي نقاش موضوعي حول إصلاحات المنظومة التربوية إلى ما بعد تغييره. وكان يجب، حسب تقديرات خبراء، البدء في تقييم الإصلاحات وتقويمها، على الأقل منذ عام .2008 ولو بقي بن بوزيد، لاستمر في الدفاع عن الإصلاحات لسنوات أخرى، ولتأجل التقييم من أجل التقويم.. لسنوات أخرى. والعبرة ليست في النقد، ولا في تسجيل القضايا، الواحدة بعد الأخرى، إنما يجب أن تكون في التحرّك وفي المبادرة لإنقاذ التعليم، ولإنقاذ التسيير المالي والاقتصادي، بتوفير ''الجو السياسي'' الذي تميزه إرادة محاربة الفساد بالنص والفعل. ويكفي الجزائر خطر إهمالها الاستثمار في الموارد البشرية، وفي ذكاء أبنائها، وفي إمكانياتهم الذهنية. أما أن يضاف إلى ذلك استهداف سوناطراك، على اعتبار أنها هي ''رئة البلد''، فذلك يزيد من عوامل تشتيت التركيز حول ما يجب أن يكون. فالشركة هي، فعلا، مصدر رزق الجزائر، وإحاطتها بأمور لا أخلاقية في التسيير، أو مطالبتها بالقيام بنشاطات تخرج عن اختصاصها، كتمويل فرق كرة قدم، يحمّلها أكثر من طاقتها. فالشركة بحاجة للتركيز لامتصاص التهديد الإرهابي، والتفرغ لنشاطها. بطبيعة الحال، كرأي عام وطني، ننتظر نتائج التحقيق الإيطالي، ونتابع تطور قضايا التحقيق في ملفات متعدّدة، مفتوحة في الجزائر منذ سنوات (الخليفة، الطريق السيار شرق غرب..). فإهمال قضية أو العمل على نسيانها، يشجعان على التمادي في الاعوجاج.. وعلى الفساد. [email protected]