يحبس التونسيون أنفاسهم اليوم.. ليلة الشك أو تكاد.. ساعات ويطل هلال الحكومة وتنفرج الأزمة، أو يبقى الانسداد سيدا في تونس، لعبة الكواليس دخلت الوقت الإضافي.. اليوم تولد حكومة كفاءات ويستقيل الجبالي.. واليوم تمتحن النهضة نفسها في قصر قرطاج وفي شارع الحبيب بورقيبة أيضا. أجرى رئيس الحكومة التونسي، حمادي الجبالي، أمس، مشاورات موسعة مع كافة قادة الأحزاب السياسية، تمهيدا لإعلانه اليوم عن نتائج هذه المشاورات، إما أن تفضي إلى موافقة جماعية على حكومة كفاءات، وإما أن يتوجه إلى قصر قرطاج لتقديم استقالته لرئيس الجمهورية، محمد منصف المرزوقي، وكل المؤشرات تشير إلى أن الخطوة الثانية هي الأقرب إلى الوقوع، عدا ما إذا حدثت مفاجأة تتصل بتغيير حركة النهضة لموقفها الرافض لمقترح أمينها العام ورئيس الحكومة الجبالي. لكن النهضة التي أطلق نوابها، أول أمس، وابلا من الانتقادات لمقترح الجبالي، تبدو مصرة على موقفها، لا لحكومة كفاءات، ونعم لحكومة ائتلاف سياسي جديد يضم شريكها في الترويكا حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يعارض أيضا حكومة كفاءات، رغم أن رئيسه رئيس الجمهورية، منصف المرزوقي، يؤيد مقترح الجبالي، والتكتل من أجل الحريات الذي يقوده رئيس المجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، أعلن ناطقه الرسمي، محمد بنور، أنه لم يعد طرفا في الترويكا. وتدافع النهضة سياسيا وإعلاميا عما تصفه بالشرعية الشعبية والسياسية التي تتيح لها تشكيل الحكومة وتمريرها على المجلس التأسيسي، واستنفرت لذلك اليوم أنصارها للخروج في مسيرات في العاصمة تونس وفي مختلف المدن، دفاعا عن الشرعية ورفضا لإسقاط الحكومة، وسعت النهضة إلى استدراج القوى الإسلامية إلى المشاركة في المسيرة، ووافقت الكثير من الأطراف المشكلة للطيف الإسلامي على ذلك، عدا تيار أنصار الشريعة (السلفية) الذي أعلن عدم مشاركته في مسيرة دعم الشرعية. وأكد بيان للتيار أن ''أنصار الشريعة لا تنصر إلا لشرعية وشريعة الرحمن''، ودعا أنصاره إلى عدم دعم مسيرة النهضة التي يصفها السلفية بأنها ''تدعو إلى غير حكم الله''. ليس ''أنصار الشريعة'' فقط من يحاولون الإجهاز على النهضة، فالأحزاب الليبرالية كنداء تونس والتكتل من أجل الحريات، وكذا دوائر سياسية كثيرة مستفيدة من دعم إعلامي قوي، يراهنون على انقسام داخل النهضة، وعلى استدراج الجبالي إلى خارج إطار الحركة، وتوفير دعم سياسي وإعلامي له ولمقترحه، لإضعاف النهضة في الاستحقاقات السياسية المقبلة، وقد بدا ذلك واضحا من خلال تصريحات رئيس نداء تونس، باجي قايد السبسي، ورئيسة الحزب الجمهوري، مية الجريبي، ورئيس حزب المسار، سمير الطيب، ورئيس التحالف الديمقراطي، محمد الحامدي، وكذا من خلال تغطية قنوات ووسائل إعلام تونسية. وفي سياق لعبة الاستدراج أيضا، نجح رئيس الحكومة، الجبالي، في كسب تأييد الجيش لصالحه، عندما أشرك قائد الجيش، الجنرال رشيد عمار، الذي يحظى باحترام كبير منذ موقفه الداعم لثورة 14 جانفي، في مجلس الحكماء الذي عينه، وهي رسالة قرأها الكثيرون على أنها إشارة سياسية من الجبالي إلى قيادة حركته النهضة وكل الأطراف السياسية في تونس، بوقوف الجيش إلى جانبه في مقترحه، وحصوله على تزكية من المؤسسة العسكرية، غير أن رئاسة الجمهورية تحفظت على هذا، واعتبرت أن حضور الجنرال رشيد عمار في مجلس الحكماء يبعد الجيش عن سكة الحياد. انتهى وقت المبارزة السياسية، وجاء وقت الحسم، ينتظر التونسيون أن يسمعوا صفارة نهاية المقابلة السياسية، بين فرقاء تونس، أو يسمعوا - ما لا يتمنونه - مطلقا، صفارة الإنذار بحريق سياسي جديد.