للمرة الأولى منذ ثورة 14 جانفي 2011، تقرر السلطات التونسية فتح الجزء المحاذي لوزارة الداخلية في الطريق العام وممشى الراجلين، في شارع الحبيب بورقيبة للسيارات والراجلين، وأزاحت السلطات التونسية الأسلاك الشائكة التي ظلت تغلق جزءا من الطريق والممشى منذ سنتين، غير أن الطريق إلى الخروج من دوامة الأزمة والمأزق السياسي الذي دخلته تونس بعد اغتيال شكري بلعيد ليس سالكا حتى الآن، ومازال مسّيجا بأسلاك شائكة. أفاقت تونس، أمس، على وقع قرار حزب المؤتمر من أجل الجمهورية التراجع عن تنفيذ تهديده بسحب وزرائه من الحكومة الحالية، والذي كان مقررا أمس الإثنين، وقرر الحزب، الذي يرأسه الرئيس منصف المرزوقي، تجميد القرار لمدة أسبوع. وقال الأمين العام للحزب، محمد عبو، إن هذا القرار نتج عن اتفاق طارئ بين الحزب والنهضة التي وافقت على شروط الحزب بتحييد وزراء الخارجية والعدل. وأنقذ القرار حركة النهضة التي كانت على شفا خسارة شريك أساسي في الترويكا، غير أن رئيس الحكومة الحالي حمادي الجبالي، وهو الأمين العام للنهضة، بات هو الخاسر أمام هذا القرار الذي يضعه في مواجهة مباشرة مع حزبه الذي يصر على إعادة تشكيل حكومة جديدة من أحزاب الترويكا تضاف إليها حركة الوفاء، وقد توسع إلى أحزاب أخرى. ويزيد هذا من غموض المخرج بشأن تشكيل الحكومة المقبلة ومصير رئيسها حمادي الجبالي، الذي أكد أن رفض حركة النهضة مقترحه تشكيل حكومة كفاءات يعلن عنها الأسبوع المقبل، سيدفعه إلى الاستقالة، رغم أن الحركة بدت متمسكة به كرئيس لحكومة ائتلاف سياسي جديدة تعمل على تشكيلها. وقال الرئيس التونسي منصف المرزوقي، في حوار ل''الجزيرة إنجليزية'' إن الانتخابات المقبلة يجب ألا تخرج عن شهر أكتوبر المقبل، مشيرا إلى أن أي تأخير قد يحدث أزمة جديدة، وأعلن دعمه لتشكيل حكومة مصغرة من الكفاءات، كما حصل الجبالي على دعم الاتحاد التونسي للشغل، كبرى النقابات العمالية في تونس. وقال الأمين العام للاتحاد حسين الديماسي ''إن الجبالي تصرف بحكمة وكرجل دولة والاتحاد يدعم مبادرته بتشكيل حكومة كفاءات''. وفي مقابل التأرجح السياسي، تستمر حرب الشارع بين الفرقاء السياسيين في تونس، حيث نفذ المئات من المناهضين لحركة النهضة، من أنصار ''الجبهة الشعبية'' و''حركة نداء تونس'' و''الحزب الجمهوري'' اعتصاما أمام المجلس التأسيسي للمطالبة بحل المجلس ورفع الشرعية السياسية عنه. وفي سياق تداعيات قضية اغتيال زعيم الجبهة الشعبية، شكري بلعيد، أعلنت حركة النهضة رفع دعاوى قضائية ضد كل الأطراف والأشخاص الذين وجهوا تهما صريحة إلى الحركة بالوقوف وراء اغتيال شكري بلعيد. وقال مدير المكتب الإعلامي للحركة فيصل الناصر ل''الخبر'' إن هناك ابتزازا سياسيا واضحا لحركة النهضة من قبل العديد من الأطراف السياسية، وأضاف أن هذا الابتزاز الذي تصحبه حملة إعلامية مشحونة ضد الحرة يجب أن يتوقف. في نفس الإطار، مثُل أمس العضو القيادي في نقابة الصحفيين، زياد الهاني، أمام قاضي التحقيق بمحكمة تونس للنظر في تصريحاته التي اتهم فيها مسؤولا في وزارة الداخلية، محسوبا على حركة النهضة، بالوقوف وراء اغتيال شكري بلعيد وتوظيف مجموعة من الشاب يتم تدريبهم على استعمال السلاح لتوظيفهم لإرهاب مناهضي النهضة، وقال الهاني إنه تمسك أمام قاضي التحقيق بأقواله وأعلن أنه أبلغ القاضي بكل المعلومات التي بحوزته للمساعدة في كشف الحقيقة. تغيب الحقيقة في تونس حتى الآن، بشأن اغتيال شكري بلعيد، ولا تنتهي التطورات المتصاعدة، لكن حالة من الهدوء السياسي بدأت تتسلل إلى مقار القوى السياسية الفاعلة التي تشتغل في الكواليس للحد من حالة الانفلات، وتزامن ذلك مع استعادة قوات الأمن التونسية لزمام المبادرة وإلقائها القبض على العشرات من المنحرفين الذين استغلوا حالة الفوضى التي سادت منذ الأربعاء الماضي لمهاجمة الأملاك العامة والخاصة في عدد من المدن التونسية.