الفضائح التي تهز قطاعات مهمّة في البلاد، ليست إلا نتيجة حتمية لطريقة الحكم التي اعتمدت منذ بداية العشرية السابقة. وعليه، فقد كنت حذرت منذ مارس 2001 من خطورة هذا الانحراف في تسيير الشؤون العامة للبلاد. هناك ثلاثة عوامل لفهم أفضل لبروز هذه الفضائح: أ إضعاف المؤسسات والتراخي المعتمد حيال المفسدين والمرتشين، في وقت يقرّر أفراد في مكان الهيئات والمؤسسات المخولة بذلك. ب غياب مسار لاتخاذ القرار واضح المعالم ومحدّد ومدعم بتحاليل على أعلى مستوى، من قبل ذوي الكفاءات المحلية. ج يساهم الريع في تنمية شهية المفترسين، كما أن وفرة الموارد تشجع تركيز الصلاحيات في القمة. وبالتالي، فإن الوصول إلى السلطة يعني فتح المجال للاستفادة من الثروة ومصادر الغنى، في المستقبل. وفي مثل هذا الظرف، فإن الدعم السياسي سيبنى على الزبائنية حول الشبكات الأسرية الجهوية والاقتصادية. وبالتالي، فإن المسار متوقع، ويتجه حتما نحو الفساد والرشوة وتبديد وإهدار الموارد الوطنية، وخاصة تسرّب وهروب الرأسمال البشري إلى الخارج، والاستغلال غير العقلاني للمحروقات. هذه الفضائح تأتي لتؤكد على الصورة السيئة التي ترتسم على بلادنا في الخارج ولدى شركائنا، فالجزائر مصنفة في المراتب الأخيرة عالميا بالنسبة لفعالية مؤسسات الدولة، ونحن بثلاثة أرقام في كافة المؤشرات لترتيب الدول مقارنة بالحكم الراشد والتنمية، دون التطرق إلى المرتبة الأخيرة في مؤشر الإبداع والابتكار. إن الخلاص سيأتي من انتقال المجتمع الذي يفقد قيمه الإنسانية الأكثر قيمة، والتي تعرف عدم الإحساس بالمواطنة على نطاق واسع وتختزل العنف والنهب والرشوة كنمط من أنماط التسيير العادي، وعلى مجتمع يرتكز على القوانين والقواعد السليمة، حيث تحل الثقة بين الأفراد حينما يتفاعلون فيما بينهم، كما أن التربية والتعليم الجيّد والعمل هي نقطة قوة للنجاح الاجتماعي والفردي، حيث تسود العدالة وتختفي الخيانة والعنف والوحشية والتحايل، كنمط للترقية في الدوائر العمومية، ويتم التشهير بها وانتقادها ومحاربتها في الدوائر الخاصة. وللأسف، فإن المجتمع الجزائري في 2013 يسير كسجن، ويبدو أن قواعده يتم إملاؤها من قبل أشخاص يتسمون بالوقاحة، والأكثر سخرية، بعدم الشرف والأقل عملا، بينما الأشخاص الشرفاء والصادقون والعاملون والمتحضرون، فإنهم مضطرون دوما لأن يستسلموا للضغط ويحنوا ظهورهم، وهذا الوضع يولّد عدم شعور عميق بالارتياح وبإزعاج رهيب بالنسبة للأغلبية التي ترغب في العيش بصورة متناغمة ومتناسقة مع عدد من القواعد الأخلاقية، ما ينتج عنه رفض الجزائريين لمجتمعهم والرغبة في الهجرة التي بدأت تجتاح كل فئات المجتمع، لأنه أمر مشروع أن نسعى إلى العيش والنشاط في محيط سليم لذاته ولأسرته. وإذا استفحل الوضع وظل قائما، فإن الرغبة في الهجرة ستتزحزح لتترك مكانا لمشاريع الانفصال، حيث سيرغب بعض المغامرين في أن يقترحوا لفئات هشة من السكان والمناطق مشروع الانفصال من باقي مناطق الوطن لمحاولة بناء دولة أخرى، تعمل بقواعد مغايرة، وهنا لن نقوى على مواجهة ذلك حتما.