إننا نشهد انتقالا إلى اقتصاد عالمي أكثر اندماجا وأكثر ترابطا مع فرص اللحاق التكنولوجي وتهديدات العدوى، على شاكلة ما حدث في المكسيك سنتي 2001 و2002 وأزمة النظام المالي العالمي ما بين 2008 و2009وعلى مستوى أزمة المديونية لدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حاليا. ويمكن القول إن الاقتصاد العالمي سيتميز أكثر فأكثر بدرجة كبيرة من الانسياب والنفاذ المادي والتكنولوجي للحدود الوطنية، فعولمة الإنتاج والتجارة والتمويل المالي والاختفاء شبه الكلي للمنتوج ''المصنوع في''، يدفعنا إلى التأكيد بأنه ليس صائبا الكلام عن منتجات أمريكية ويابانية وكورية، حينما تكون هناك زيادة في الاستعانة بمصادر خارجية (التعاقد من الباطن أو المناولة) للأنشطة الإنتاجية لمختلف الموردين، يضاف إليه انتقال الإنتاج الشامل والمكثف إلى إنتاج مرن للاستجابة إلى أسواق مجزأة وشديدة الانقلاب والابتكار التكنولوجي. يجب اعتبار أن الأمر يتعلق بتغييرات محسوسة ويشار إليها بتعابير ومفاهيم مختلفة ''عهد الإعلام''، ''زمن الأنترنت'' و''عصر الابتكار'' و''عهد غياب العقل''، إضافة إلى ''المجتمع ما بعد الصناعي'' وعصر ما بعد العصرنة والكلانية أو العولمة. لكن الرسالة ظلت مماثلة ''أن ما كان صالحا في الماضي لا يمكن أن يكون كذلك في المستقبل''. وفي الواقع، هناك العديد من الأطراف في الأمم الصاعدة، من هم قادرون على التأكيد أن البؤس والمجاعة والتخلف لا تشكل قدرا محتوما وأن انعتاقهم وتحررهم والتقدم الذي أحرزوه وحققوه، قابل للتحقيق بفضل تنظيم وتجنيد طاقات مختلفة عن تلك التي تم بذلها لغاية الآن، داخل ما يصطلح على تسميته بالبلدان السائرة في طريق النمو. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار أن التجارب التي خاضتها، خلال العشرين سنة الماضية، أمم مثل الصين والهند والبرازيل التي تعتبر بمثابة بلدان قارة، ترسم آفاق تنمية في باقي أجزاء العالم، من خلال تجمعات جهوية فرعية، على غرار المغرب العربي. فهذه المنطقة، بسبب انتمائها إلى ثقافة وحضارة مشتركة لكافة السكان الذين يشكّلونها، بإمكانها الانفتاح بصورة شاملة على العالم، من خلال إرساء علاقة متجانسة مع الدول الأخرى وسط تنظيم مناسب يتعيّن السهر على إقامته. في المقابل، فإن توجّهنا المغاربي مع منطقة الساحل، يوفر لنا فرصا ومزايا ولكن أيضا يفرض علينا واجبات. وأرغب في التذكير ببعض الوقائع، فحينما احتلت الجزائر خضعت كل دول المنطقة للاحتلال أيضا، بعدها تم إطلاق التجنيد والكفاح من أجل الاستقلال في إطار مغاربي، بتضامن قوي لمنطقة الساحل ولاسيما مع تأسيس نجم شمال إفريقيا، وأفادت ثورة التحرير في الجزائر كافة دول المنطقة. لقد بيّنت التجارب التي عاشتها الدول الصاعدة خاصة في آسيا وأمريكا اللاتينية، بجلاء، أن حيوية شعب ما تقاس بمدى الحرص والرعاية التي يبديها حكامه لنظام تربوي ذي نوعية. ويمكننا إضافة، ضمن هذا التأكيد، أن التنمية المستدامة تقاس أيضا بمدى قابلية التكيف مع حقائق العالم المعولم والذي يجب الالتحام فيه، لأنه مفروض علينا جميعا. وما نلاحظه أن التقدم المسجل في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، يجعل المعلومة تأخذ طابعا شاملا عبر الأنترنت، بينما ظلت المعرفة والعلم محلية، لأنها مرتبطة بسرعة النقل وتنمية الفرد. وبالتالي، فإن التنمية الاقتصادية بمنظور مغاربي، تسمح بالاستفادة من المعلومة الشاملة وتقارب المسافات للمعرفة المحلية، بفضل دمقرطة الوصول إلى المعرفة، وهو ما يستدعي بناء المؤسسات وتنفيذ سياسات قادرة على تدعيم التعاون بين الفاعلين الاقتصاديين على المستوى الجهوي، فضلا عن إقامة نشاطات مبتكرة والتنشيط وارتباط الكفاءات على شكل شبكات، وكذا ترقية وتعزيز المناطق. ويجب التأكيد على أن تحويل الجزائر من بلد هامشي، تجاوزه الزمن في ذيل التصنيفات الدولية في كافة المجالات، إلى أمة واثقة من قدراتها وقادرة على الدفاع عن مصالحها المعلنة بوضوح، مفهومة جيدا ومندمجة في السباق العالمي الحالي، أضحى ضروريا. فاليوم، تقاس قوة الأمم بمدى قدرتها على الابتكار وبنوعية نظامها التعليمي أو التربوي ونظام تكوين مسيريها.