تحت قبة المجلس الشعبي الوطني، عبثا حاولنا الوصول إلى من حملن لقب نائب برتبة ''حفافة'' أو ''عاملة نظافة''. والأصعب كان استدراج زميلاتهن للحديث، رغم اعترافهن بأنهن فعلا افتككن مقاعد في البرلمان. ويتحوّل الحديث إلى الهمس ما إن نطرح الموضوع، أما وإن طلبنا إرشادنا إليهن فتجد المتحدثات أكثر من حجّة للتهرّب. وتعترف البرلمانيات اللواتي تحدثنا إليهن، ممن افتككن مقاعد من بين 146 مقعد أسفرت عنها نسبة 30 بالمائة من حصة التمثيل النسوي في المجالس المنتخبة، بتواجد نساء ذوات مستوى تعليمي محدود ودون تجربة سياسية تحت قبة البرلمان، وأن الصندوق وقانون ''الكوطة'' أوصلهن إلى هذه المرتبة. ''الخبر'' ولجت مبنى زيغود يوسف، الذي عرف غزوا نسويا بعد رفع حصة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة إلى 30 بالمائة، وبين أروقته رحنا نبحث عن تاء التأنيث التي جنت عليها ''الكوطة''، فحملت على مضض لقب برلمان ''الحفافات''. من قال إن المرأة عدو المرأة؟! انتقدت نساء البرلمان ما وصفنه بالنظرة الخاطئة التي روّجت عنهن وعن مستوياتهن، من قِبل بعض المنابر وبعض الزملاء تحت قبة المجلس، فيما أكدت أخريات، في تصريحاتهن ل''الخبر''، على ''عدم وجود دخان من دون نار''، طالما أن بعض الأحزاب سمحت لنفسها بملء قوائم الترشح بنساء يفتقدن للكفاءة والخبرة السياسية التي تمكنهن من مناقشة القوانين وطرح مشاكل الشعب. ما أشيع عن مسؤولي الأحزاب، خلال الانتخابات التشريعية السابقة، بقيامهم بالبحث عن النساء اللواتي يسمح وسطهن الاجتماعي بدخولهن مجال السياسة، تحت شعار ''قوائم تبحث عن نواعم'' بغض النظر عن مستواهن، يبقى وصمة عار على جبين العمل السياسي في الجزائر، ومحطة انتقاد من قِبل المتتبعين. انتقدت وزير التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، سعاد بن جاب الله، ما يشاع حول النساء في المجلس الشعبي الوطني، وقالت إن ''مروّجي هذه الصفات والأقوال كانوا يقولون إن المرأة لا يجب أن تشارك في السياسة''، مشيرة إلى أن هذه الفئات تريد احتكار العمل السياسي وإبعاد المرأة من المنافسة، ''كما يرغبون في تخلي النساء عن مقاعدهن في البرلمان لإفساح المجال لهم''. وأضافت بن جاب الله ''لا يهمني إن كانت النائب حلاقة أو ماكثة في البيت أو منظفة، المهم أن تكون عندها تجربة سياسية تمكّنها من إصدار قرارات شجاعة لصالح الشعب، والمرأة على وجه الخصوص''. وحمّلت عضو مجلس الأمة، زهية بن عروس، الأحزاب مسؤولية تدني مستوى ممثلاتهم في البرلمان، وأوضحت أن السياسيات الكفؤات مازلن يحاربن النظرة السطحية للمرأة، ''حتى لا تكون مجرد ديكور لإملاء القرارات الحزبية''، وقالت إن العمل السياسي متعب ويتطلب الخبرة اللازمة والتجربة للتمكن من الحفاظ على مصلحة الشعب، حيث ينبغي الحرص على نوعية العمل وتعزيز التكوين لتأمين المجتمع. وأوضحت بن عروس أن دور المرأة البرلماني والتشريعي يملي عليها المناقشة بجرأة، وطرح الانشغالات والتصحيح بيقظة تامة، لذا يجب أن تكون على قدر كبير من التكوين والمعرفة بدهاليز السياسة. وعن الاتهامات الموجهة للنساء في البرلمان، قالت بن عروس إن ''الثقافة البرلمانية في بلادنا ضعيفة''. برلمان كل الشرائح وفي السياق نفسه، أوضحت النائب مخرف صليحة، النائبة عن التجمع الوطني الديمقراطي، بأن البرلمان تمثيلي لكل شرائح المجتمع، وتساءلت ''لمَ يتم الحديث عن مستوى النساء فقط، دون التعرض لمستوى بعض النواب الذي لا يزيد عن مستوى البرلمانيات، رغم أن الوضع عام على الجميع''، مشيرة إلى أن مكانة المرأة المحققة تعود إلى القانون الذي تم إقراره من قِبل رئيس الجمهورية، وليس راجعا إلى اختيارات أي طرف آخر. وأضافت أن بعض الأحزاب واجهت مشاكل كبيرة في ملء القوائم، وأصبحت تبحث عن النساء في البيوت، حيث تم وضعهن كحل للمشكل في آخر القوائم، ليجدن أنفسهن فجأة في البرلمان. وعن حزبها قالت إن لجنة تم تشكيلها منذ 5 سنوات خاصة بمتابعة مستوى المرأة وتكوينها. ''موظفة'' أو ''من دون عمل'' سميرة براهمي قالت إنها كانت عضوا في اللجنة القانونية التي أشرفت على مراجعة ملفات النائبات واعتماد التصاريح، وأكدت أنه لم يرد في أي ملف إن كانت النائب ''حلاقة'' أو ''منظفة'' أو ''ماكثة في البيت''، إنما اقتصرت على ملاحظة ''موظفة'' أو ''من دون عمل''، وهو الأمر الذي لا يوضح مستواهن، ذلك أن العديد من خريجات الجامعات وصاحبات الدراسة العليا لم يمارسن أعمالا، وقالت ''ما روّج، عبر وسائل الإعلام، لم نتحقق منه، ذلك أن الدورة الخريفية التي انقضت لم تسمح بعدُ لهن بالتعرّف على كل نواب البرلمان''. وأفادت براهمي أن الأهم يبقى في تحليهن بالكفاءة اللازمة للتصويت على المشاريع المصيرية واتخاذ القرارات الصحيحة، دون الخضوع للإملاءات السياسية التي تعيد توجيه التصويت على المشاريع. فسيفساء من ذوات المستوى وفي رأي تهامي أم أحمد، مديرة سابقة بمدرسة العقيد شابو في تمنراست، فإن البرلمان الحالي يضم فسيفساء من النساء ذوات المستوى، من دكاترة وطبيبات ومحاميات وإطارات، كما ضم عاملات بسيطات وموظفات، الأمر الذي لا يعتبر، حسبها، مساسا بقيمة المجلس، وإنما فرصة لتمثيل مختلف فئات المجتمع المدني. وقالت إن الأهم أن تتمكّن المرأة السياسية في البرلمان من إيصال رسالة الأوساط الشعبية، وحلّ ولو واحد في المائة من انشغالات المواطنين، لتكون على قدر المسؤولية التي أوكلت لها، وأضافت أن ''العمل الحزبي والنضال تكوين في حد ذاته، والتي ليس لديها مستوى تتعلم، فالمهم أن تؤدي رسالتها''. نحن نتعلم ! أبالنسبة للنائب زايدي وهيبة، فإن النواب الجدد لا يمكنهم، في الوقت الحالي، اتخاذ أي قرار، حيث يتم العمل في مرحلة أولية على الاستفادة من التجربة والتعرّف على كيفية مناقشة القوانين التي تهم الشعب. وأوضحت محدثتنا أن ما يروّج عن البرلمانيات بكونهن ''حلاقات'' أو ''حسناوات'' شكّل عقدة لديهن، ''عقدونا من الحديث يجب أن تكون لدينا راحة البال، حتى نتمكن من أداء عملنا''. وأضافت أنها، في الوقت الحالي، مثل تلميذة السنة الأولى ابتدائي التي تتعلم وتلتقط كل ما يصادفها من معلومات، بعدما اعتادت على مهنتها كممرضة في قسم الولادة بالمدية، وممارسة النضال السياسي في حزب الشباب فقط، مؤكدة أن نساء العهدة الجديدة ينبغي أن يشجعن في أداء عملهن. وعن الاتهامات الموجهة لهن بتدني مستواهن، قالت محدثتنا ''إذا كان البرلمان كله دكاترة وذوو مستوى عال فلن يجد الشعب البسيط من يمثّله، ضف إلى ذلك أن الشعب انتخب من يمثله وهو طرف في نوعية التشكيلة الحالية ومسؤول عن نتائجها''، مؤكدة أن ''الحفافات'' أو ''المنظفات'' أو حتى ''الممرضات'' ليست معيارا للقياس، ذلك أنه يوجد من النائبات من تحصلن على شهادة الليسانس إلا أنهن فضلن ممارسة مهنة مستقلة عن تخصصهن في الجامعة. ''فاقد الشيء لا يعطيه'' تقر النائب سليمة عثماني بوجود نساء غير متمرسات في السياسة ودون مستوى علمي تحت قبة البرلمان، ولو أنها استثناءات، اضطرت إليها بعض الأحزاب لاستكمال القوائم الانتخابية بسبب اشتراط نسبة 30 بالمائة، غير أنها تعتبر الخمس سنوات من عمر العهدة كافية لتكوين البرلمانيات سياسيا ليكتسبن التجربة. ففي رأيها، حتى وإن كان هذه الفئة أخذت مقاعد في البرلمان وهي غير مؤهلة لا سياسيا ولا علميا، فالنسبة الأكبر هي من نساء مثقفات وصاحبات شهادات عليا، لكن يبقى الأهم ''الفعالية وما يمكن أن يقدمنه كلهن من قيمة مضافة، وهن مطالبات بإثبات فعاليتهن''. غير أن عثماني، المهندسة وحاملة شهادة الماجستير في كيمياء المحروقات، عادت واستطردت قائلة إن المستوى العلمي شرط لا يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه بالنسبة للنائب في البرلمان، ''بل هو الشرط الأساسي''. وتواصل المتحدثة: ''شخصيا أقولها عن اقتناع إن المستوى التعليمي مطلوب جدا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فهاته النساء مطالبات بحمل انشغالات المواطنين الذين انتخبوهم، والتدخل وطرح الأسئلة على الوزراء، والتعامل مع السلطات وكل الفئات، وإن لم تكن مؤهلة لذلك فكيف يتسنى لها ذلك؟''. يمكن لعاملة نظافة التعبير عن مطالب ناخبيها النائب عبلة بوساحة فلا تشاطرها الرأي، فيكفي، في رأيها، أن تكون المرأة قادرة على التعبير عمّا ينتظره منها من وضعوا فيها الثقة. وتعترف بوساحة، وكانت تشغل منصب مفتش رئيسي في البريد والمواصلات، أن ما اصطلح على تسميته ''برلمان الحفافات'' يوجد بين جدرانه حقا حلاقات، بل وحتى عاملات نظافة، إلا أنهن كنّ في مستوى آمال منتخبيهم، لأنهن حتى وإن لم يتسن لهن الحصول على مستوى دراسي وعلمي مقبول، إلا أن مستواهن الفكري، حسب وصفها، يشفع لهن! ''هنا في هذا المبنى كثر الحديث عن إحدى البرلمانيات وعن أحقيتها بالتواجد هنا لأنها كانت عاملة نظافة، أتحفظ عن ذكر اسمها، لكن بعد فترة قصيرة أثبتت أنها تستحق التواجد هنا، وافتكت اعترافا من الذين انتقدوها بالأمس''. التكوين العلمي أولا والسياسة سنتعلمها لاحقا أما النائب بن مختار فتيحة، وإن اعترفت أنها غير مكونة سياسيا وليس لها أي تجربة في النشاط السياسي قبل ولوجها مبنى البرلمان، وهو في رأيها حاجز يمكن تجاوزه، إلا أنها ترى أن المستوى العلمي والثقافي لا يمكن، في أي حال من الأحوال، التغاضي عنه. وتضيف بن مختار: ''صعب جدا أن تتمكن النائب من تمثيل من انتخبوها وهي دون مستوى فكري وثقافي وعلمي''. وتواصل النائب، التي كانت تشغل منصب مساعدة مدير في مؤسسة قبل أن يختارها الصندوق لتفتك مقعدا بالبرلمان، أن مستواها الفكري أهّلها لتكون متواجدة في المجلس الشعبي الوطني، لهذا لا تجد حرجا في الاعتراف بأنها غير مكونة سياسيا، لأنها مستعدة للتعلم. وأبرزت في هذه النقطة: ''أنا لا أخجل من القول بأنني لست مكونة سياسيا، لكني أحاول أن أستمع لمن هم أكثر تجربة مني، وأنا قادرة على التعلم، وأومن بأن الإنسان قادر على التعلم حتى وهو في سن الثمانين''. ''اللي ما وصلش للعنب يقول حامض'' ترفض النائب مليكة فضيل اشتراط التكوين العلمي قبل التكوين السياسي، وتقر أنها ليست ذات مستوى تعليمي عال، وهي التي تركت مقاعد الدراسة في الثالثة ثانوي، لكن تجربة 19 سنة من الممارسة السياسية تؤهلها لتمثّل منتخبيها. وتعترف فضيل أن الطريقة التي تمت بها دراسات الملفات وتقييم المترشحات في الأحزاب لم تكن صحيحة، وبأن ''الكوطة'' أجبرت بعض الأحزاب على إدراج نساء لا تتوفر فيهن الشروط، ''وما كان ينبغي أن يكن متواجدات هنا''. وتواصل: ''أغلب النائبات الموجودات هنا، وأشدد على كلمة ''أغلب''، وصلن إلى هنا فقط من أجل أن يكن نائبات، لهذا كنت من المعارضات للتمثيل النسوي بنسبة 30 بالمائة، فهذا ما جعل الأحزاب تختار النساء ''هاك برك'' دون أن تتوفر فيهن الشروط''. أما عن الشروط التي يجب توفرها، فترى النائب أن التكوين السياسي هو الشرط الأهم، يليه التكوين العلمي: ''أنا تكونت سياسيا أكثر من تكويني العلمي، فمستوي التعليمي هو الثالثة ثانوي، لكن خبرتي في النشاط السياسي لا تقل عن 19 سنة، وأنا اليوم عضو اللجنة المركزية، عضو مجلس وطني للحزب، مكلفة بالمحافظة''. وتعلّق فضيل عن وصف ''برلمان الحفافات''، الذي طال المجلس بسبب التمثيل النسوي في هذه العهدة، بقولها: ''اللي ما وصلش للعنب يقول حامض. وللأسف في الجزائر دائما غير المؤهلين للحديث هم من يتكلمون، وعندما يصدر الكلام من شخص متحضر فلا مشكلة، لكن أن يكون من رجل يتلقى مصروفه من والدته أو أمه فلا يمكن أن أتقبّله''. الحلاقة والمنظفة أفضل من المتعلمة أحيانا من جانبها، تعتبر النائب عقيلة رابحي أن المرأة البرلمانية ذات المستوى الضعيف إشاعة مغرضة، مبررة الأمر بأنه مجرد كلام، ''فلا أحد تقدّم إلى البرلمان وأجرى دراسة عن مستوى البرلمانيات، فعلى أي أساس يحكم هؤلاء؟''. وترى رابحي، وهي إعلامية سابقة، أن البرلمان هو انعكاس للمجتمع، فمثلما نجد الطبيبة والمحامية والأستاذة نجد الحلاقة وعاملة النظافة، ولكن تبقى الفئة الأخيرة محدودة جدا، حسبها. وتشير المتحدثة: ''أتصدقين أننا نجد أحيانا هذه الحلاقة أو المنظفة تحمل رصيدا من النضال السياسي أكثر من المكونة علميا، فالتكوين السياسي هو الأهم. صحيح أنه يشترط في السياسة أن يكون الإنسان مثقفا، لكن هذا لا يكتمل دون الكثير من الشجاعة والحضور والاحتكاك بالمواطن والبساطة، وعدم الخوف لنتكلم عن حقوق الآخرين''.