في هذا الحوار تعطي عثماني سليمة نظرة سياسية واجتماعية لامرأة حول مستقبل النساء في الجزائر، خاصة من خلال الأحزاب والإصلاحات التي يعكف عليها الرئيس بوتفليقة· عثماني سليمة إحدى المناضلات اللواتي استطعن بلوغ أهم الهيئات في جبهة التحرير الوطني (اللجنة المركزية)، رغم صغر سنها، ومنها إلى البرلمان عن ولاية بومرداس· لمن يريد أن يعرف الوصفة النضالية التي أوصلتك إلى هذا المستوى، ماذا تقولين؟ التحقت بالجبهة مع الانفتاح السياسي بالجزائر، بعد التعددية مباشرة، أصولي الثورية هي التي جعلتني أقتنع بالنضال فيها، زيادة على ذلك، التحقت بالجبهة وأنا ما زلت طالبة، حيث كنت أشارك في كل مرة في إنجاح الحملات الانتخابية للحزب، إلى غاية 2002 السنة التي طلب فيها مني الترشح للمحليات· آنذاك كانت المرأة لا ترتب جيدا في القوائم الانتخابية، رغم مستواها العلمي والنضالي، فكنت في المرتبة الخامسة التي لم تسمح لي بأن أكون ضمن المقاعد الأربعة التي فاز بها الحزب· هذا جعلني أكسب تجربة وشجعني على مواصلة النضال لإثبات أن باستطاعة المرأة أن تحوز مكانة في الجبهة· ولو أن حرصي، في تلك الفترة، كان أشد على التكوين من المسؤولية، فبالنسبة إلى شابة مولودة في 1972 لم يكن أمر البروز السياسي سهلا، إذ كانت أولوياتي إتمام مشواري الجامعي، حيث نلت شهادة مهندس دولة في 96, ثم الماجستير، وسجلت في الدكتوراه سنة 2006, وأعمل حاليا على موضوع علمي يخص المياه، وهي الفترة التي تقدمت فيها للتشريعيات· ماذا كانت مؤهلاتك النضالية للوصول إلى الترشح باسم الجبهة في تشريعيات 2007؟ في المؤتمر الثامن الجامع فزت في الجمعية العامة التي انعقدت في 2005 أو2006 بثقة المناضلين ووصلت إلى المجلس الوطني آنذاك (اللجنة المركزية حاليا)· كنت ضمن كوكبة من الرجال ضمن مكتب المحافظة، وهي المكانة التي تعززت في المؤتمر التاسع وأصبحت في المركز الثاني بعد محافظ الجبهة، مما أهلني للعضوية في اللجنة المركزية من جديد، وكانت الثقة التي يمنحني إياها المناضلون تصنع، في كل مرة، شخصيتي الأفالانية، فرتبت الثالثة في قائمة التشريعيات للحزب سنة 2007, بعد حملة ناجحة عن جدارة واستحقاق· تريدين القول إن النضال الجاد في الجبهة هو المعيار الوحيد الذي يجعل المرأة تصل إلى المسؤولية، في حين المناضلون من الرجال يتحدثون عن مسألة انفتاح ذهنية؟ الجبهة حزب عتيد ومدرسة للأحزاب والممارسة الديمقراطية، ليس هناك فرق بين الرجل والمرأة، لا نقول إن مكانة المرأة هي في المستوى الكافي، بل لها نصيب والعمل هو ما يعززها، والأهمية بالنسبة إلي أن المرأة كانت دوما موجودة في الجبهة حتى وإن كان التمثيل ضئيلا· ومشكلة هذه الضآلة كانت دوما تخوف الرجل من اقتسام المسؤولية مع المرأة· لماذا التخوف؟ لأننا، اليوم، لسنا وحدنا في الساحة السياسية، وهذا النوع من الأنانية، قد يكون الرجل هو المؤهل أكثر من المرأة ليجيب عنها· أظن أنها الذهنية، فكثيرا ما قلت إن التنافس ينبغي أن يكون من منطلق الكفاءة بين الرجل والمرأة وليس من منطلق آخر، وهذا ما قلته للأمين العام، وهو مشكور على قوة الإنصات والاستماع للمناضلين· وأضفت أنه يجب النظر إلى المرأة داخل الجبهة على أنها عقل يفكر وينتج لا على أنها أنثى أو جسد، ولو خضع التقييم لهذا الأساس فكل واحد سينال حقه، فمرحبا بالرجل إذا كان كفؤا وبالمرأة إذا كانت كذلك، فالاحتكام للنضال والمصداقية والمستوى والتمرس· تعكف الجبهة على تقييم البرلمانيين، تعتقدين أن تقييمك سيؤهلك، مرة أخرى، للترشح لتشريعيات 2012؟ كنت من أول المنادين إلى تقييم المنتخبين على كل المستويات، وجعله مرجعية لإعادة الثقة في الترشيح· بالنسبة إلي مكانتي كانت دوما مستمدة من ثقة المناضلين والشعب، وهذا يجعلني في راحة نفسية كبيرة، خاصة وأنا على قناعة أنني بذلت كل ما لدي، خلال العهدة الجارية من تواجد ميداني مع المواطنين، وحضور مكثف في الجلسات بالنقاش والتدخل، بما يخدم مصلحة المواطن ويستجيب لانشغالاته، وعملت على أن أكون في مستوى ثقة حزبي فيّ· لكن هل تثقين في التقييم والكيفيات التي أقرها الحزب للحكم على عهدة النائب؟ نعم لدي ثقة، وقد لا أبالغ إن قلت ثقة عمياء، لأنني أعرف مصداقية قيادتي جيدا في مثل هذه الأمور، وعلى رأسها الأمين العام الذي لمسنا في خطابه قمة الشفافية والنزاهة، عندما نصّب اللجنة الوطنية للتحضير للانتخابات قال: ''نحن لا نتعامل مع الأشخاص بل مع الأفكار''· من هذه الناحية الحزب له عدة طرق للتعرف على نشاط المنتخب، هناك تسجيلات المداخلات في الجلسات البرلمانية وبرامج الخرجات الميدانية وأخرى· هناك من يعتقد أن البرلمان الحالي فاقد للمصداقية ولم يقدم شيئا، وهناك من الأفلانيين من انخرط· هل أنت من هؤلاء أو من هؤلاء؟ لست مع من يطعنون في مصداقية البرلمان، رأيي سمعه الأفالانيون في المجلس الموقر، من يشكك في مصداقية العهدة والمجلس كان حريا به أن يستقيل، شخصيا لو لم أقتنع بأداء البرلمان لاستقلت· سياسة الأكل مع الذئب والبكاء مع الراعي غير مجدية، وإذا كان المشككون يلمحون إلى مسألة العزوف الانتخابي، فالعزوف ظاهرة دولية وليست جزائرية، وأظن أن الإصلاحات السياسية الحالية من شأنها إعادة ثقة المواطن في دولته، لأن الشعب لمس الصدق في رئيس الجمهورية· ما دمت أثرت الإصلاحات هل أنت مع ''إهداء'' كوطة للنساء؟ لماذا تثير قضية الكوطة جدلا؟ أظن أن دسترة الرئيس لحقوق المرأة السياسية كان قد راعى مسألة الطبيعة الاجتماعية للرجل الجزائري، بينما هناك سياق عالمي لا ينبغي أن تكون الجزائر بمعزل عنه، ''الكوطة'' شر لابد منه· حضرت في مناسبات عالمية، ووجدتهم يعملون بأسلوب الكوطة على هذه الخلفية من أجل إشراكها سياسيا والدفع بصوتها للوصول، فسكوتها ليس من الديمقراطية في شيء· لسنا بصدد بدعة· لكن هذا الأمر سيصدمنا بتحول مبدأ الكوطة إلى أولوية على مبدأ الكفاءة الذي كنت تتحدثين عنه، فكيف نستطيع التوفيق بين الكفاءة والكوطة في نظرك؟ الكوطة ليست مبدأ أبديا في السياسة، قد نستعمل المبدأ مرحليا إلى غاية أن يعتاد المشهد السياسي على المشاركة السياسية للمرأة، ومن ثمة تعود معايير أخرى في تصنيف وتأهيل المرأة، ثم لا ينبغي نسيان أمر هام، فعندنا قرابة 70 بالمائة من نساء الجزائر في الجامعات والإدارات وأماكن مختلفة من المؤسسات، الوضع الماضي ليس مماثلا للوضع الحالي· صحيح أن العمل السياسي للمرأة يحتاج إلى تفرغ، وبالتالي المسألة هنا ليست ذهنيات فقط، بل المناخ المناسب للتوفيق بين السياسة والمهمة الاجتماعية للمرأة، نحن اليوم في حاجة إلى هياكل لمرافقة المرأة كروضات الأطفال حتى تكون في راحة من أمرها، خلال التكوين السياسي والتواجد الميداني، ومن هنا أقول: ماذا تستطيع المرأة أن تقدم للشعب حين وصولها المجلس المنتخب، هذه نقطة استفهام مشروعة، لكن نسبة 20 إلى 30 بالمائة للمرأة في الأحزاب لا تؤثر في الأداء، وحتى الكوطة ينبغي أن تكون فيها النوعية، والنوعية هنا هي الكفاءة والسمعة، فإذا تم حسن اختيارها، فستعزز مكانة الحزب والعكس تضر به القائمة، وهذا نداء لكل الأحزاب وليس الجبهة فقط·