ويجب مواجهتها بالوقائع / باريس لا تعتزم القيام بدور الحكم في قضية الصحراء الغربية تنمية الجزائر في مصلحة فرنسا وقانون 51-49 بالمائة لم يكن عائقا / قضية الذاكرة تثير الانفعالات وضح رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، الغرفة البرلمانية السفلى، السيد كلود بارتولون، في حوار ل''الخبر''، أن زيارته للجزائر تأتي في وقت تعرف فيه العلاقات على محور الجزائر وباريس حقبة جديدة تميزها التهدئة والسعي لفتح آفاق مستقبلية. مشيرا إلى أن قضية الذاكرة التاريخية تثير انفعالات في ضفتي المتوسط ويجب التعبير عنها ومواجهتها بالوقائع، ولكن أيضا من أجل استخلاص العبر للمستقبل. وهذا شرط لكتابة صفحة جديدة من تاريخنا. كما أكد السيد كلود بارتولون، الذي يصل اليوم إلى الجزائر في زيارة تستمر ثلاثة أيام، أنه بالنسبة لفرنسا، تحتل الجزائر مكانة محورية في قلب الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. أما بالنسبة للجزائر، فان فرنسا شريك متميز ومَعبَر طبيعي للدخول إلى الاتحاد الأوروبي. ستقومون بزيارة رسمية إلى الجزائر، في أي إطار تندرج هذه الزيارة، وكيف تنظرون إلى مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجزائر وباريس، مع العلم أنها تتسم بالحساسية دائما؟ وما السبيل لتطبيع هذه العلاقات؟ تلقيت دعوة من السيد محمد العربي ولد خليفة، رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، لحضور الدورة الأولى للجنة البرلمانية الكبرى، قبل زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية الفرنسية. إنها فرصة سعيدة أن أزور الجزائر في مطلع حقبة جديدة في العلاقات الفرنسية- الجزائرية، تتميز بالتهدئة والرغبة في فتح آفاق جديدة، ويحظى فيها التعاون البرلماني بمكانة خاصة، من أجل تحقيق التقارب بين الشعوب ومواكبة البعد الاقتصادي لعلاقاتنا، وهما الموضوعان اللذان سيناقشان في إطار اللجنة الكبرى. وإنني أرى أن هذين المحورين يكتسيان أهمية كبرى في مجال التعاون بين بلدينا. هل بإمكانكم أن تقدموا لنا حصيلة نتائج زيارة رئيس الجمهورية السيد فرانسوا هولاند إلى الجزائر؟ وكيف استُقبل خطابه الذي تحدث فيه عن الذاكرة وعن مستقبل هذه العلاقات؟ فيما يخص حصيلة نتائج زيارة رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند للجزائر، فإني أسجل بطبيعة الحال جميع أوجه التقدم المحرز في موضوع الذاكرة، فقد استعمل رئيس الدولة العبارات الملائمة بشأن مسؤولية النظام الاستعماري، مذكرا بواجب الاعتراف بالحقيقة بخصوص العنف والظلم والمجازر والتعذيب. هذه الذاكرة تثير الانفعالات في كلتا ضفتي المتوسط، ويجب التعبير عنها ومواجهتها بالوقائع، ولكن أيضا من أجل استخلاص العبر للمستقبل. وهذا شرط لكتابة صفحة جديدة من تاريخنا. بالمقابل، يجب التطلع في العلاقات الفرنسية-الجزائرية إلى المستقبل. وهذه برأيي هي العبرة الثانية التي يمكن استخلاصها من هذه الزيارة. أمامنا تحديات مشتركة علينا مواجهتها، وأذكر على نحو خاص مكانة اقتصادنا في عالم ينزع إلى العولمة والطريقة التي نرغب بواسطتها في تنظيم الفضاء الأورومتوسطي والتحديات المشتركة التي ينبغي علينا التصدي لها في مجال الأمن. فبالنسبة لفرنسا، تحتل الجزائر مكانة محورية في قلب الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. وبالنسبة للجزائر، تعتبر فرنسا شريكا متميزا ومَعبَرا طبيعيا للدخول إلى الاتحاد الأوروبي. فعلاقات الصداقة التي تجمعنا تتعزز بمصالحنا. وينبغي أن تشجعنا هذه التحديات المشتركة على تنظيم الحوار السياسي، سواء تعلق الأمر باللجنة رفيعة المستوى مابين الحكومتين والتي أسسها إعلان الجزائر حول الصداقة والتعاون المُوقّع خلال زيارة الرئيس فرانسوا هولاند، أو باللجنة البرلمانية الكبرى التي كانت موجودة قبله. تعتبر فرنسا شريكا اقتصاديا رئيسياً، بيد أن الاستثمارات لا تزال أقل من طموحات البلدين، لا سيما بالنظر إلى أهمية حجم المبادلات التجارية التي زادت عن 6,12 مليار دولار في سنة 2012، فهل يمكننا توقع المزيد من الدعم من أجل تعزيز حضور الشركات الفرنسية في الجزائر؟ إن استثمارات الشركات الفرنسية في الجزائر كبيرة جدا، بحيث استقرت فيها قرابة 450 شركة تستحدث فرصا للعمل، وهو ما يدل على مدى ثقة الشركات الفرنسية. وأتمنى أن تستمر هذه العلاقة وهذه الشراكة وأن تزداد ثراء. إن ما ينبغي بناؤه هو اتفاقيات مربحة لكلا البلدين، ومن المؤكد أن الاستثمارات المنتجة في الجزائر تستحق أن تحظى بالدعم، لأنها تستحدث فرصا للعمل في فرنسا وفي الجزائر. فتنمية الجزائر هي في مصلحة فرنسا. هل تعتقدون أن القيود التشريعية والبيروقراطية تعيق مبادرات الشركات الفرنسية في الجزائر، لا سيما بعد إصدار قانون 49-51 وهل تعتقدون أن تعيين طرف مُيّسر أو شخصية مكلفة بالجزائر وهو السيد جان بيار رافاران، يعتبر إشارة قوية في حد ذاته؟ فيما يخص القيود التشريعية والإدارية، فهي تؤثر دائما على جاذبية دولة ما، وهو ما يجعلني حريصاً على جودة القانون في فرنسا. فعلى الشركات تخصيص كامل وقتها للأعمال بالأساس وليس للإجراءات الإدارية. وأعتقد أن على السلطات مواصلة جهودها في هذا الميدان لتحسين جاذبية البلد. فالمناخ الجيد للأعمال ضروري من أجل تعبئة الشركات، وخاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما في بيئة عالمية شديدة المنافسة. هذا شرط مسبق لتحرير طاقات النمو في الجزائر التي أعلم أنها هائلة. أما بالنسبة لقانون 49-51، فإنني أسجل أنه لم يكن عائقا في سبيل التعاون الاقتصادي والصناعي الطموح بين بلدينا. ولا أدَّل على ذلك من المشاريع الصناعية حديثة العهد التي أقامتها كبريات مجموعاتنا، لا سيما ''ألستوم'' و''رونو''، مع شركائها الجزائريين. وفي المقابل، فيما يخص المقاولات المتوسطة والصغيرة، فإن هذا القانون قد يثبط عزيمتها من وجهة النظر الاقتصادية، في حين أن المقاولات المتوسطة والصغيرة تعتبر مصادر حقيقية للنمو والابتكار التي يمكنها تنشيط الاقتصاد الجزائري. أصبح الإرهاب ظاهرة متجذرة وخطرا محدقا ببلدان المنطقة، كيف تنظرون إلى ظهور تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتجلياته في بلدان الساحل؟ ما يحدث في شمال مالي ليس تحديا لسلطات هذا البلد فحسب، بل إنه تهديد يمس إفريقيا الغربية وبلدان المغرب العربي. لو لم يتدخل جنودنا، لأضحت دولة مالي تحت رحمة الجماعات الإرهابية، بل لأصبحت المنطقة برمتها مهددة وهو ما من شأنه تهديد أوروبا كذلك. هذه هي الظرفية التي جعلت فرنسا تقرر الشروع في عملية ''سرفال''، بدعم واسع جدا من المجتمع الدولي. وأصبح من الصعب جدا من الآن فصاعدا القيام بعمليات إرهابية كثيفة في مالي، لكن تبقى العمليات الفردية ممكنة. وفي نيجيريا، مثلا، تواصل المجموعة الإرهابية ''بوكوحرام''، التي يتدرب قسم من عناصرها في مالي، عملياتها العنيفة. وتتنقل كميات كبيرة من الأسلحة ومن الأموال ومن المخدرات في جميع أنحاء هذه المنطقة. فالإرهاب أصبح عابرا للحدود، كما تجلى ذلك على نحو مأساوي في الهجوم على عين أمناس، مما يحتم القيام بعمل منسق. هل تعتقدون أن الخيار العسكري في مالي، عبر عملية ''سرفال'' التي بدأت منذ أكثر من شهر كافية وحدها لحل المشاكل الأمنية وقضايا الإرهاب في المنطقة؟ يبقى العمل العسكري إجراءً طارئاً، لكن ينبغي استكماله. وحتى يكتب له النجاح، لا بد من العمل على المحاور الثلاثة التالية: الأمن، الذي ينبغي أن تضطلع به بالدرجة الأولى القوات المالية والإفريقية بتفويض من منظمة الأممالمتحدة، وأيضا السياسة والتنمية. ولا بد من إجراء حوار ديمقراطي بين الشمال والجنوب ومن تنظيم انتخابات. إن مسألة التنمية مسألة حاسمة، لأن مالي، شأنها شأن عدة بلدان مجاورة، بلد فقير. ولهذا السبب قررت فرنسا بمعية أوروبا استئناف مساعداتها لهذا البلد. تعرف العلاقات بين بلدان المغرب العربي فترة سبات، كيف يمكن لفرنسا، التي لديها علاقات وثيقة وتقليدية مع بلدان المنطقة، أن تساعد في توضيح الأمور في المنطقة، وكيف ترون مآل الصراع في الصحراء الغربية، بعد الجهود التي بذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة كريستوفر روس؟ تتمثل أولويتنا في التوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام ومقبول من الطرفين لقضية الصحراء الغربية، تحت إشراف منظمة الأممالمتحدة ووفقاً لقراراتها. فالوضع الراهن يمثل عائقا أمام بناء مغرب عربي مندمج وراقٍ، ويبقى مصدر تهديد للاستقرار في المنطقة. لذا فإن فرنسا تشجع إجراء مفاوضات جوهرية وتدعم جهود كريستوفر روس. ويمكن أن يؤدي بلدي دور المُيسر في هذا الشأن ولكنه لا يعتزم القيام بدور الحَكم. من هو كلود بارتولون ؟ من مواليد 29 جويلية 1951 بتونس، في وسط عائلة مزارعين من أصل إيطالي، هاجر والده إلى تونس في فترة الانتداب فرارا من النظام الفاشي..انتخب رئيسا للجمعية الوطنية مجلس النواب، أو الغرفة السفلى في فرنسا، في 26 جوان 2102، وقبلها انتخب نائبا عن مقاطعة سان سانت دونيس منذ 1981. عينّ وزيرا للمدينة ما بين 1998 و2002، وترأس المجلس العام لمقاطعة سان سانت دونيس من 2008 إلى 2012. بارتولون خريج جامعة بيار وماري كوري بباريس، تخصص رياضيات، بدأ نشاطه السياسي مبكرا كعضو في الحزب الاشتراكي في 1974 بعد هزيمة الرئيس فرانسوا ميتران في الرئاسيات ضد فاليري جيسكار ديستان، وانتخب لأول مرة في 1979 كمستشار عام بمقاطعة سان سانت دونيس، وعينّ وزيرا للمدينة في حكومة ليونال جوسبان.. ساند ترشح مارتين أوبري كأمينة أولى للحزب الاشتراكي في مؤتمر رامس في 2008، وقبلها كان مساندا للوران فابيوس في 2005، وكان من بين الداعين للتصويت ب''لا'' في استفتاء معاهدة الدستور الأوروبي.