تعدّ الفيلسوفة الجزائرية الميلاد الفرنسية الأصل، مونيك كانتو سبيربير، من أهم ممثلي تيار الفكر النسوي المعاصر في ميدان فلسفة الأخلاق، إذ استطاعت، عبر دراساتها وترجماتها وكتاباتها العديدة، أن تعيد تشكيل خريطة إيتيقية جديدة لموضوع القيم والإنسان، والأخلاق تحديدا، وبإعادة صياغة الأسئلة الأخلاقية وزحزحة معناها المرادف للحداثة والعقلانية والأنوار، وذلك بإخراج السؤال الأخلاقي من حيّز ''الماورائيات'' وجعله منخرطا أكثر في تاريخانية الفرد والمجتمع، نظرا لما طرأ على حياة الإنسان المعاصر من تطور هائل في ميدان العلم والتقنية، وأمام أفول السرديات الكبرى التي كان الإنسان يأمل فيها الخلاص المنشود، والتي تبيّن عجزها عن احتواء الألم الإنساني، وقصورها كذلك في تقديم جرعة حقيقية وإقامة حجر صحي لما أسماه ''نيتشه'' ''صعود العدمية''، هكذا بدأ العصر الحالي، حسب مونيك كانتو سبيربير، متأزما من كل النواحي، الأمر الذي أدى إلى ضرورة إعادة تشكيل الخريطة الفلسفية لمبحث الأخلاق، حيث لا تتنكر لتاريخ الفلسفة، ولكن على الأقل بتجاوز الأسئلة ومعها أجوبتها الكلاسيكية، خاصة إن تعلق الأمر بميدان تتجدّد فيه الرؤية والمنهج والموضوع باستمرار، مثل ميدان فلسفة الأخلاق. فقد زعم الفلاسفة، خلال حقبة طويلة، أن بإمكانهم مواجهة هذا السؤال عبر نصائح مناسبة. أما بعد الآن، وبعد الميتافيزيقا، فلم تعد الفلسفة تزعم بأنها تقدم أجوبة لها قوة الإلزام عن أسئلة تتناول نمط الحياة الشخصية وحتى الجمعية، يبدأ تشخيص الأزمة بعودة حزينة في العلم الجذل ل''نيتشه''، مع اعتراف بالعجز، حيث يقول: ''إن العلم الحزين الذي أقدّم منه شذرات لأصدقائي، هو علم يتناول، وخلال خمسات من الأعوام، مجالا خاصا بالفلسفة، عقيدة الحياة كما يتوجب على المرء أن يحياها''. مع الوقت وكما أشار أدورنو، وقعت الأخلاقيات في مصاف علم محزن، ذلك أنها، وفي أحسن الحالات، لم تعد تسمح إلا بإشارات متفرّقة، أخذت شكل المأثورات الحكمية: ''تأملات تولدت من الحياة المشوّهة''. إن فلسفة الأخلاق، حسب مونيك كانتو سبيربير، هي فلسفة تتحدث عن الخير والعدالة والشجاعة والسعادة... إلخ، لكنها أيضا ذلك الإرث المتراكم منذ ألفي سنة من التفكير حول ما كان الإغريق يسمّونه بفلسفة الأخلاق، والقضية المركزية في التفكير الأخلاقي هي الفعل الإنساني، إنها فلسفة عملية بالمعنى الواسع تُعنى بالحياة الإنسانية باعتبارها متتاليات من الأفعال المتجهة نحو أهداف وغايات. فلسفة الأخلاق، إذن، ليست علما دقيقا كما يلاحظ ''أرسطو'' من قبل، لكنها تأمل يتغذى من التجارب والتقاليد، ومن كثير من المعارف الأخرى، تبدأ بالأدب وتنتهي بالدين، على حدّ تعبير سبيربير. × فيلسوفة ومفكرة فرنسية معاصرة من مواليد 14 ماي 1954 بالجزائر، ومديرة أبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وعضو في اللجنة القومية للأخلاق، وتشرف على سلسلة ''الأخلاقيات والفلسفات الأخلاقية''، من أهم مؤلفاتها: مفارقة المعرفة (1991)، الفلسفة الأخلاقية البريطانية (1994 )، الفلسفة اليونانية (1998 ) محاورة مينون لأفلاطون (1999 )، القلق الأخلاقي وحياة الإنسان (2002)، الفسلفة الأخلاقية (2004 ) معجم الايتيقا وفلسفة الأخلاق (2004)، الأخلاق بين القوة والإرهاب (2005)، الليبيرالية واليسار (2008)، أخلاق العالَم (2010).