هل من الممكن تحويل نظام شمولي إلى نظام ديمقراطي دون المرور عبر فترة انتقالية؟ فالديمقراطية ترتكز على قواعد ومؤسسات وممارسات سياسية تسمح من خلالها للناخبين بصورة دورية ومنتظمة وبصفة دستورية تعويض أو تغيير الزعامة بممارسة سلطة التمثيل السياسي، إلا أن الديمقراطية يجب أن تحتاط من وهم أو إغراء الدعاية الانتخابية. هذه الأخيرة يمكن أن تقود الى تهميش جزء أو شريحة هامة من الناخبين، ويتعينّ أن نحتفظ في الذاكرة أن الأغلبية خلال الاقتراع الشفاف تصل الى 01, 50 في المائة والبلدان التي باشرت هذا المسار ''تونس ومصر'' تعيش بتبعاتها التي وقعت على عاتقها. فالعملية الانتخابية يمكن أن تمنح السلطة الى أحزاب سياسية غير ديمقراطية، كما أنها تمنحها الى طغاة شعبويين، من خلال حشد التصويت بواسطة الدعاية وغيرها من أشكال العنصرية والتعصب. أما عن المرحلة الانتقالية، فإنها ترتكز على التحرير السياسي وتوجّه إلى ترقية نقاشات أكثر حرية والمنافسة عبر وسائل الإعلام والتجنيد الحر للمجتمع المدني والأحزاب السياسية. ولكن هذا الأمر يعد شرطا ضروريا ولكنه غير كاف لإحلال الديمقراطية. ويكتسي خيار الديمقراطية الفورية عن طريق الاقتراع أو المرحلة الانتقالية التدريجية، من خلال التحرير السياسي أهمية كبرى في وقت تتسارع الأحداث ورياح التغيير تهب بقوة على منطقة المغرب الكبير. ويجب التذكير أن الشعب الجزائري عانى كثيرا من عدم المساواة والإهانات خلال الحقبة الاستعمارية، وعليه، فإنهم نادوا بدولة حاضرة بقوة بعد الاستقلال وأدت الظروف التي سمحت بافتكاك الاستقلال وخصائص البيئة الدولية مع بداية الستينيات إلى إحلال مناخ مناسب لإبرام عقد اجتماعي موجه بقوة باتجاه إعادة توزيع وتدخّل الدولة. وللأسف، فإن إعادة إنعاش وبعث اقتصاد قوي ودائم لم يكن في الموعد وتحول الاستقرار السياسي المنشود سريعا إلى جمود وركود اقتصادي، وتسبّب ذلك في انسداد الآفاق للطبقات المتوسطة الناشئة عن النزوح الريفي وتوسع التعليم العالي، لاسيما مشكل مستقبل الحاصلين الجدد على الشهادات العليا وعددهم مليون و نصف في ظرف 5 سنوات. وعليه، فإننا أضحينا نعيش اتساعا للفجوة بين الحكام والمحكومين.