بدا لافتا حالة الاستقطاب التي برزت خلال اليومين الماضيين من المرحلة الأولى لانتخابات مجلس الشعب المصري، بين مرشحي التيارين الليبرالي والعلماني من جهة ومرشحي الأحزاب الإسلامية من جهة أخرى بخصوص تبادل التهم حول ارتكاب تجاوزات أثناء العملية الانتخابية· ففي الوقت الذي تتهم فيه أحزاب مثل ”المصريون الأحرار” و”الوفد” مرشحي جماعة الإخوان المسلمين وحزب ”النور” السلفي، بارتكاب تجاوزات أمام مكاتب الاقتراع من خلال توجيه الناخبين لاختيار مرشحيهم والترويج لقوائمهم أمام مراكز التصويت وإثارة البلبة في مناطق لا يملكون فيها رصيدا شعبيا كبيرا، يرد هؤلاء بأن مثل تلك التجاوزات فردية ويتهمون بالمقابل أحزابا ليبرالية على غرار ”المصريون الأحرار” التابع لرجل الأعمال القبطي الثري نجيب ساويرس باستعمال المال السياسي لشراء أصوات الناخبين· وللوقوف على بعض تلك التجاوزات التي تزايد الحديث عنها في الصحف والقنوات الإعلامية المصرية والعربية، قامت ”البلاد” بجولة في عدد من مكاتب الاقتراع في محافظة القاهرة، حيث رصدنا تواجدا لافتا لأنصار التيار الإسلامي سواء على مستوى المقبلين على الانتخاب أو مستوى ممثلي تلك الأحزاب خصوصا حزب الحرية والعدالة التابع لحركة ”الإخوان المسلمون” الموصوفة بأنها القوة رقم واحد في الساحة المصرية والمؤهلة لاكتساح نتائج الانتخابات، وكذا حزب ”النور” أبرز التشكيلات السياسية للتيار السلفي في مصر· كما لوحظ نصب خيم ومكاتب متنقلة في أماكن غير بعيدة عن مراكز التصويت يشرف عليها شباب من الإخوان قالوا حين استفسرناهم، إنهم يقدمون خدمة للناخبين الذين يجهل كثير منهم آليات الانتخاب بسبب قلة حملة التوعية التي سبقت انتخابات الإثنين المنصرم، في حين ذكر لنا بعض القاطنين بالقرب من أحد مراكز شبرا أن شبابا محسوبين على ”الوفد” و”المصريون الأحرار” كانوا يترصدون الناخبين لمحاولة إغرائهم ببعض الجنيهات أو بطاقات تعبئة هاتفية مقابل منح أصواتهم لمرشحيهم· وغير بعيد عن ”التشنج” الحاصل بين التيارين السابقين، طالت موجة تبادل التهم بخصوص تجاوزات الأحزاب المحسوبة على الأسرة الفكرية والإيديولوجية نفسها كما هو الحال مع حزب الوسط الذي لم يتوان مسؤولوه عن اتهام حزب ”الحرية والعدالة” الممثل السياسي للإخوان بارتكاب تجاوزات من خلال مواصلة حملة الدعاية لمرشحيهم مع أن القانون يمنع ذلك، بالرغم من أن ”الوسط” محسوب على الجماعة على اعتبار أن معظم قياداته ومؤسسيه من الأفراد المنشقين عنها· الاستحقاقات كانت ”عيدا وطنيا” للعصابات أيام الرئيس المخلوع ”البلطجية”··أكبر الغائبين عن انتخابات مصر على غير العادة، تفاجأ المصريون في انتخابات مجلس الشعب التي انتهت مرحلتها الأولى مساء أمس، بغياب مظاهر كانت مصاحبة بشكل رئيسي للعمليات الانتخابية المماثلة التي عاشتها مصر قبل ثورة 25 جانفي الماضي· ولعل أبرز ما شد انتباه المقترعين والقائمين على مكاتب التصويت، هو الغياب اللافت لعصابات ”البلطجة” التي أوجدت لنفسها رواجا فيما مضى بهكذا مواعيد، فقد ارتبطت ”انتخابات” أم الدنيا على مدار العشرين سنة الأخيرة في أذهان ملايين المصريين بكلمة ”بلطجية” كان الحزب الوطني الحاكم يستعملهم لترويع الناخبين وقلب نتائج الصناديق لصالح مرشحيه· الحاج ”بسيوني” الرجل الستيني كان أحد المشاركين في الانتخابات السابقة، أصر على أن يروي ل”البلاد” بعض ما عاشه وعاينه من ”مرتزقة الوطني” كما فضل تسميتهم في مواسم الاقتراع الماضية، التي كانت بحسبه ”ملطخة بالدماء” نتيجة المكاسب المغرية لكرسى النيابة البرلمانية مما جعل كبار رجال الأعمال وضباط الأمن والمخابرات المتقاعدين يتكالبون على الحصول عليه مستعملين في ذلك كل الوسائل ”الواطية” وفي مقدمتها البلطجية وشراء الأصوات· وأضافت السيدة ”أم علاء”، مديرة إحدى الثانويات بوسط القاهرة، أن الفرق بين انتخابات الأمس واليوم مختلفة في كل شيء، فغياب مشاهد الشجار داخل مكاتب التصويت وإغلاقها في وجه الناخبين واستعمال مرشحي الوطني ”المحل”، مجرمين وأصحاب سوابق، لترويع أنصار منافسيهم من التيارات والأحزاب الأخرى، كلها أصبحت من الماضي· في حين أبدى الشاب أحمد الذي كان يقف خلفها في طابور الانتظار لأداء واجبه، تحفظا على التفاؤل حيال غياب مظاهر ”البلطجة” عن المشهد الانتخابي في بلاده، فالعملية بحسبه لا يحكم عليها فقط في المدن والمناطق الحضرية التي تشهد حضورا أمنيا وإعلاميا مكثفا وكذا يقظة ووعي المواطنين، لأن أغلب التجاوزات والممارسات السابقة كانت تقع عادة في المحافظات الداخلية خصوصا مناطق الصعيد والمحافظات البعيدة عن كاميرات الإعلام، وهو ما لم يستبعد أن يتكرر في الانتخابات الحالية سواء في مرحلتها الثانية المقررة بعد شهر، أو حتى بالنسبة إلى تلك التي انتهت أمس في 9 محافظات منها الإسكندريةوالقاهرة· ويذكر المصريون مواقف غريبة وطريفة في الوقت نفسه عن الأساليب التي كان يستعملها ”البلطجية” في آخر انتخابات مجلس الشعب جرت في عهد حسني مبارك قبل عام فقط، ولعل أطرف ما كان يتداوله المصريون على سبيل التنكيت أنواع عصابات البلطجية وميزات كل نوع فيها بحسب الطلب، فالعادي الذي يشمل ”الردح والهتاف والتصفيق والتحرش الجنسي”، أما الممتاز فيضاف إليها ”قلة أدب، كومبارس، بودي غارد، وهتك عرض”· ومن أهم الأدوار التي كانت توكل إلى هذا النوع من ”المرتزقة” ما يطلق عليه بين المصريين ”تقفيل الصناديق” أو ”التسويد”، ويقصد بها إغلاق مكاتب التصويت في وجه الناخبين لبعض الوقت ليتم ملء استمارات الانتخاب نيابة عن المقاطعين لصالح مرشحي الحزب الوطني الحاكم آنذاك· ومع أن معظم من التقتهم ”البلاد” في شوارع القاهرة أجمعوا على غياب البلطجية والعنف، إلا أن ذلك لا يعني بحسبهم أن الانتخابات خلت من متاعب إدارية تتعلق بتأخر وصول الصناديق وأوراق الاقتراع إلى بعض اللجان، إلى جانب بعض التجاوزات ”المقبولة” من قبل المرشحين لنيل مقعد في برلمان الثورة· الأمين العام لحزب ”العدالة والحرية” محمد البلتاجي ل”البلاد”: الإعلام ضخم التجاوزات لحسابات سياسية
نفى محمد البلتاجي، الأمين العام لحزب ”العدالة والحرية” حصول تجاوزات كبيرة من قبلهم في الانتخابات المنتهية أمس كما روج لها في بعض وسائل الإعلام المصرية والعربية· وقال البلتاجي في تصريح ل”البلاد”، ”نحن نعيش عرسا ديمقراطيا يعتز به كل المصريين، لكنني أعتب على المنابر الإعلامية المصرية وبعض الفضائيات العربية تضخيم ما قيل إنه تجاوزات ارتكبها حزبنا”· وأضاف ”أنا مع ضرورة كشف كل السلبيات في المشهد الانتخابي، كما نعترف بوجود أخطاء تحتاج إلى تصويب وتصحيح”· وهي الأخطاء التي قال إنها عادية وطبيعية ترافق أي عملية انتخابية في العالم، مشيرا إلى أنه ”لا يجب أن ننسى أيضا أن الانتخابات تمت من دون حكومة وهذا شيء فريد في العالم كله” خصوصا أنها كانت مسبوقة بحملات تخويف من أنهار دماء وفوضى، لكن كل ذلك لم يحدث”· وأكد البلتاجي، الذي يتزعم الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين، أن ”الضمان الأكبر لنزاهة وشفافية الانتخابات هو الإقبال الكبير والضخم وغير المسبوق الذي شهدته انتخابات اليومين الماضيين”· وردا على ما سيق من اتهامات لحزبه بارتكاب تجاوزات، قال المتحدث ”نحن نفرح اليوم بأن نسمع بوجود تجاوزات حول مواصلة الدعاية يوم التصويت مع رفضنا لهذا، بعدما كنا في السابق نتحدث عن خطف مرشحين واستعمال بلطجية وطرد المراقبين”، مشددا على ضرورة عدم تضخيم الحوادث الفردية ونسيان الوجه المشرق الذي انتهت عليه انتخابات الإثنين والثلاثاء المنصرمين·
المؤيدون للعسكر في ميدان العباسية يكسبون رهان ”المشاركة”
ثوار التحرير يخسرون معركة الانتخابات
يبدو أن رهان المعتصمين منذ أيام بميدان التحرير على استجابة الناس لدعوتهم بتأجيل الانتخابات إلى حين تشكيل حكومة إنقاذ وطني وتخلي العسكر عن تسيير شؤون البلاد قد باءت بالفشل·
”البلاد” زارت أمس ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية القاهرة، وعاينت الأجواء المحيطة به في آخر أيام الانتخابات التشريعية بمرحلتها الأولى، فأول ما يلفت انتباه الزائر لدى دخوله الميدان هو النقص الواضح في أعداد النازلين إليه مقارنة بالأيام التي سبقت فتح صناديق الاقتراع الإثنين الماضي·
معظم المتواجدين في الميدان من المتمسكين بموقفهم على مواصلة الاعتصام فيه، هم من بعض عائلات ضحايا المظاهرات الأخيرة المطالبة برحيل المشير طنطاوي والتي راح ضحيتها أكثر من 35 شخصا أضيفوا إلى قائمة شهداء الثورة التي أسقطت نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك·
كما يطغى مشهد الباعة المتجولين والمشردين على سواهم بين جنبات الميدان مما يعطي زائره انطباعا بأنه في أحد الأسواق الشعبية ”الفوضوية”، في حين لم نسجل حضورا لافتا لتنظيمات شباب الثورة باستثناء بعض الخيم المنصوبة في قلب الميدان وبالقرب من مسجد عمر مكرم تابعة لتنظيم ”شباب 6 أفريل” أبرز الداعين إلى الاعتصام، وكذا شباب يظهر من لافتاتهم وملامحهم أنهم محسوبون على التيار الإسلامي·
اقتربنا من بعض الشباب المعتصمين لنعرف رأيهم في إجراء الانتخابات وسبب العزوف الواضح من الناس عن الالتحاق بالميدان لمواصلة الاعتصام، فوجدنا اختلافا وتباينا في وجهات النظر وصل في بعض الأحيان إلى حد تبادل التهم بين القابعين أنفسهم في الساحة· فمنهم من رفض الربط بين الإقبال الشعبي الكبير اللافت على الانتخابات ومطالب المعتصمين، على اعتبار أن النازلين إلى الميدان لم يكن مطلبهم تأجيل الانتخابات أو دعوة الناس إلى مقاطعتها، بدليل أن عددا كبيرا منهم ذهب لأداء واجبه الانتخابي وعاد مرة ثانية إلى الميدان· في حين لمسنا حالة من الإحباط البادي على وجوه المقاطعين من ”خفة الحركة في التحرير” وتفرغ الناس للتصويت ونسيان الأهم بالنسبة إليهم وهو ”المستقبل السياسي” لمصر في ظل نجاح العسكر بتفويت أصعب أزمة واجهت أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ قرار مبارك تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية·
ولعل الطريف في الأمر أن نبرة التنافس بين الميادين أضحت ”موضة” مغرية في مصر، فطول فترة تجوالنا داخل التحرير لم تغب التعليقات المترقبة لما يحصل في ميدان العباسية المقابل الذي يعتبره المعتصمون ”ضرار” التحرير كونه يؤيد خيارات مجلس طنطاوي، بل إن بعضهم اعتبر ما حصل خلال اليومين الماضيين من عزوف النازلين إلى الميدان وكثرة الإقبال على الصناديق ”نقطة إضافية” تحسب في رصيد العباسية وأخرى تضيع من التحرير مبعوث ”البلاد” إلى القاهرة: أحمد جوامعي