إنّ الإسلام منهج حياة متكامل، يجعل المسلم يلتزم بأوامره وضوابطه في كلّ أحواله، فإذا كنتَ في المسجد فأنت مطالب بأن تلتزم بالآداب الشّرعية للمسجد وتصلّي الصّلاة مؤدّيًا إيّاها بكلّ شروطها وٍأركانها. الحال كذلك إذا كان المسلم في السّوق، فهو مُلزَم بأن يبيع ويشتري وفق البيوع الصّحيحة الجائزة شرعًا، ويحرّم عليه الغش والتّدليس والخداع أو أن يعقد عقودًا أبطلها الشّرع ولم يُجز التعامل بها، ومن العقود الّتي حرّمها الشّرع الرّبا الّذي أمرنا القرآن باجتنابه والابتعاد عنه، قال اللّه سبحانه وتعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّهَ وذَرُوا ما بقيَ من الرّبا إن كنتم مؤمنين}، أي على كلّ مَن رضي باللّه ربًّا وبالإسلام دينًا وبسيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم نبيًّا ورسولاً، ثمّ قال تعالى: {فإنْ لَمْ تفعلوا فاذَنُوا بحربِ من اللّه ورسوله}، بل وهو من الموبقات والكبائر ومن عظائم المعاصي. روى البخاري قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: “اجتنبوا السّبع الموبقات، قالوا: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: “الشِّرك باللّه والسِّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات”، والرّبا أعظم من الزِّنا، فقد روى أحمد قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: “درهم ربا يأكله الرّجل وهو يعلَم أشدُّ من ستِّ وثلاثين زنية”. ويستحق آكل الرّبا اللّعنة، فقد صحّ عند مسلم من طريق عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم آكل الرّبا وموكله”. وجاء في رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي اللّه عنهما قال: “لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم آكل الرِّبا وموكله وكاتبه وشاهديه” وقال: “هم سواء”، رواه مسلم. والرّبا كلّه خسارة ومحق، قال تعالى: {يمحَقُ اللّه الرّبا ويُربي الصّدقات، واللّه لا يُحبّ كلَّ كفّار أثيم}، وهي من صفات اليهود، بل إنّ اليهود هم مَن روّجوا له، قال تعالى: {فبِظُلم من الّذين حرّمنا عليهم طيّبات أُحِلَّت لهم وبصدِّهم عن سبيل اللّه كثيرًا، وأخذِهم الرّبا وقد نُهوا عنه، وبأكلهم أموالَ النّاس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا}. بل شبَّه ربُّنا في كتابه الكريم آكل الرّبا كالّذي به مَسّ من شيطان رجيم، قال تعالى: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخطّفه الشّيطان من المسّ}، لذا يقول الإمام النووي رحمه اللّه: “أجمع المسلمون على تحريم الرّبا، وأنّه من الكبائر، وقيل إنّه كان محرَّمًا في جميع الشّرائع”، ويقول الإمام ابن كثير في تفسيره عن المُرابي: “لا يرضى بما قسَّم اللّه من الحلال، ولا يكتفي بما شرع اللّه من الكسب المباح فهو يسعى في أكل أموال النّاس بالباطل وبأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما عليه من النِّعمة، ظلوم أثيم يأكل أموال النّاس بالباطل”، لذا سمّاه القرآن بالكفّار الأثيم، قال تعالى: {واللّه لا يُحبُّ كُلَّ كفَّارٍ أثيم}. *إمام مسجد ابن باديس- الجزائر الوسطى