الإعلام كان في عين الإعصار السياسي الذي صاحب أزمة مرض الرئيس بوتفليقة، وقد كان أداء هذا الإعلام لمهامه في تنوير الرأي العام سيئا إلى حد لا يتصوره عاقل.. والأمر هنا لا يعود إلى رداءة تعاطي السلطة إعلاميا مع مرض الرئيس فقط، بل يعود أيضا إلى الهزال الرهيب الذي يعرفه القطاع على المستوى المهني. ففي الوقت الذي تعصف الأخبار الكاذبة والمضللة (بقصد وبغير قصد)، بالرأي العام وتنشر البلبلة ووصلت خطورتها إلى حد المساس بأمن الدولة كما قالت العدالة.. في هذا الوقت، يتحدث القائمون على القطاع في أروقة السلطة عن ما يسمونه قضايا البطاقة المهنية للصحافي.! ويقدمون الأمر على أنه من إنجازات السلطة في مجال الإعلام. وكأن هذه البطاقة المهنية هي التي ستحل مشاكل الإعلام الحقيقية المتعلقة بعواصف الفساد التي تضرب في عمق القطاع، وأقلها خطورة هو هذا التضليل بالأخبار والأخبار المضادة والذي وصل أمره إلى حد المساس بالوحدة الترابية، كما يقول النائب العام، تصوروا؟! فهل ستمنع البطاقة المهنية مثل هذه الظواهر؟! ولمعلوماتكم، السلطة في هذا تعيد اكتشاف الماء.. لأن البطاقة المهنية صدرت بشأنها ثلاثة مراسيم، واحد في عهد المرحوم محمد بن يحيى عندما كان وزيرا للإعلام وسلمت بشأنه بطاقة الصحفي للصحافيين، والثاني في عهد الوزير بشير رويس، وسلمت أيضا بطاقات للصحافيين، وكانت موقّعة من وزير الداخلية، آنذاك، الهادي لخضيري وبشير رويس وزير الإعلام، ثم صدر مرسوم آخر في عهد المجلس الأعلى للإعلام وأصدر هو الآخر بطاقة وسلمت للصحافيين. فلماذا نقدم للرأي العام هذا الأمر الأكثر من بسيط، على أنه من الإنجازات المهمة في حقل الإعلام؟! ونترك الحديث عن الأمور المهمة التي ينبغي أن تعكف السلطة على حلها، ومنها قضايا الفساد وسوء تسيير القطاع وفوضى الأخبار والإشهار وقلة المهنية والولاءات والصراعات السياسية بوسائل الإعلام. من طرائف بطاقة الصحافي وتحسين وضع الصحافيين، أن العديد من الزملاء استخدموا البطاقة في “حرق لاشان” لاقتناء البطاطا، فأصبح الصحافيون الحاصلون على البطاقة المهنية مثل “البوليسية” لا يقفون في “لاشان” في سوق الفلاح، للحصول على البطاطا.! حتى أن الزميل بشير حمادي يذكر طرفة، أنه استخدم البطاقة المهنية في سحب النقود في البريد وعندما رفض العون الاعتراف بالبطاقة، قال له حمادي: “كيف تعترف بالبطاقة الوطنية التي يوقّعها المير ولا تعترف بالبطاقة التي تحمل توقيع وزير الداخلية؟! ووزير الإعلام أيضا؟!”. وعندما سلم لي المرحوم رويس البطاقة في حفل نادي الصنوبر، قال لي: “أنت لست مؤهلا لحمل هذه البطاقة”.. فقلت له: “أنا طموحي أن أصبح صحفيا معرفا بالإضافة إلى اسمي وليس ببطاقة يوقّع فيها الوزراء”. ما أريد قوله هو أن قضايا الإعلام الحيوية ليست بطاقة أو تسمية شارع.. بل هي مشاكل الفساد وسوء تسيير الإعلام والرداءة وقلة المهنية ومصادرة الحرية باسم القانون الجائر. مصائبنا أن القشور أصبحت لبّا؟!