فتح مجال السمعي البصري.. ضرورة لا مفر منها قانون الإعلام لسنة 90 هو الأفضل والمطلوب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح فتحت ''الخبر'' نقاشا واسعا حول القانون العضوي للإعلام المرتقب صدوره، في سياق الإصلاحات التي تعهّد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطاب 15 أفريل الماضي. ودعت أساتذة جامعيين وإعلاميين متمرّسين إلى المشاركة برأيهم في أربع إشكاليات أساسية في ملف قانون الإعلام، الأولى هي: هل المهنة بحاجة إلى قانون جديد، أم أن القوانين الموجودة تفي بالغرض لكنها بحاجة إلى تطبيق. وتتمثل الإشكالية الثانية في إعلان رئيس الجمهورية نيته إلغاء التجريم عن الكتابة الصحفية، إذ يظهر لقطاع من المهتمين بهذا الموضوع بالذات أن ذلك هدية أو منحة من السلطة. وتتناول الإشكالية الثالثة، أيُ الكيانين أصلح للمهنة وللمشتغلين بها؟ وزارة للإعلام تخلت عنها الديمقراطيات العريقة وألغتها الناشئة منها مثل جمهوريات أوروبا الشرقية؟ أم مجلس أعلى للإعلام يضبط المهنة في جوانبها القانونية والأخلاقية؟ أما الإشكالية الرابعة فتتعلق بملف مثير للجدل، هو فتح مجال السمعي البصري على المبادرة الخاصة. كل هذه الملفات بتشعباتها تعاطى معها السادة: أحمد بجاوي أستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام، وحسن جاب الله أستاذ بنفس الكلية. وإبراهيم إبراهيمي مدير المدرسة العليا للصحافة. وثلاثة إعلاميين معروفين بحكم التجربة الطويلة، هم سعد بوعقبة وبشير حمادي ومحمد عباس، إضافة إلى زبير سويسي رئيس مجلس أخلاقيات المهنة ومدير جريدة ''لوسوار دالجيري'' سابقا. قانون الإعلام لسنة 90 هو الأفضل والمطلوب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح وزارة الإعلام تتحدث عن ''إعداد مشروع قانون عضوي يتعلق بالإعلام''. هل ترون أنه من الضروري إعداد قانون إعلام جديد لضمان حرية الصحافة في الجزائر ؟ أم أن القوانين موجودة وينقص فقط تطبيقها. بعبارة أخرى، هل المشكل في التشريع أم القضية سياسية بالأساس؟ محمد عباس لدينا ما شاء الله من القوانين، والمشكل ليس في القانون وإنما في السياسي، إن مولود حمروش أسس لتجربة إعلامية جيدة، غير أنها أصبحت يتيمة بعد رحيله من الحكومة. أعتبر أن المهم هو تطبيق القانون وإعادة صياغة بعض المواد فيه، والأهم من هذا كله أن تكون ممارسات السلطة لائقة، ويجب أن تدرك أن الإعلام يتضمن الدعوة لمشاركة المواطنين في التسيير، لكن أتساءل: ''هل لدى حكامنا الرغبة في الاتصال؟ أستحضر مقولة لنابليون عبر فيها عن نزعة غالبة لدى الحكام، هي احتكار النشر على الدوام، ويعتبرون الصحافة مشوشة ويجب ترويضها.. أعتبر أن قانون الإعلام لسنة 90 يحمل الكثير من الجوانب الإيجابية، لكنه بقي حبيس الثلاجة مدة 20 سنة، والمطلوب أخذ الإيجابيات منه.
أحمد بجاوي أتفق مع من يؤيد قانون 90 من حيث الإيجابيات التي أتى بها، أرى أن الصحفيين حازوا مكاسب حتى بالنسبة للقطاع العام، وظهر بعد قانون 90 بريق من الصحفيين، لكن بعضهم تم التخلص منهم، واللامعين في التلفزيون تم تصديرهم، وقانون 90 كان قد سد كل الفراغات التي عرفها قطاع الإعلام، واقترح إيجابيات عدة، لكني أرى أنه لا نستطيع تغيير قطاع الإعلام دون أن يتغير المحيط أو المجتمع، لأن كل شيء مرتبط بالإرادة السياسية. أحسن جاب الله الإشكالية في الإصلاحات بشأن الإعلام واضحة، لكن المشاكل غامضة، أرى أن القضية مرتبطة بالإرادة السياسية، لقد تكلموا في المجلس الوزاري الأخير عن القانون العضوي وعن تعديلات، إذن هناك غموض في الطرح بين هذا وذاك.. ومنذ حل المجلس الأعلى للإعلام درسنا خمسة مشاريع قوانين، وكانت هناك إرادة سياسية في مشروع قانون درس في عهد الرئيس السابق اليامين زروال، لكنه توقف في ظروف معينة، هذا يبين غياب إرادة قوية لمواجهة الإشكالية وأصبحنا ''قفة بلا يدين'' لما حل المجلس. أصبح كل من هب ودب يؤسس جريدة، ما فتح فراغا رهيبا أحيلت فيه بعض الجوانب لقانون العقوبات.. أنا مع قانون عضوي يرتكز على مبادئ أساسية لأنه شبه دستور لا يتغير.
إبراهيم إبراهيمي الوضع الحالي أنتج نقائص أضرت بالصحفيين، من خلال استغلال قضايا لإدانتهم،، والقانون يجب أن يتضمن أمورا ترفع العقاب عن الصحفي، خاصة إذا كتب عن موضوع بأدلة ثبوتية ووثائق مرفقة، أنا شاركت في صياغة قانون الإعلام لسنة 90 وقد تضمن العديد من الأمور الإيجابية، عكس مشروع القانون الذي أرادت خليدة تومي تبنيه سنة 2002، لما كان القطاع تابعا لمصالحها، وأنا مع قانون عضوي للإعلام لا يتغير كل أربع سنوات وإنما يعيش لقرن، مثل الحاصل في دول أخرى، ومنه تتفرع قوانين حول قطاع السمعي البصري والإشهار والإعانات، التي يجب أن تتطور بتطور التكنولوجيا.. وحاليا يجب الانتقال من الحق في الإعلام إلى الحق في الاتصال، وهي إشكالية تطرح في مشروع القانون المرتقب. كما يجب إشراك الأحزاب مع واجب الحفاظ على مكتسبات قانون .90 زبير سويسي المشكل الرئيسي هو عدم وجود إرادة سياسية للنظام الذي لا يريد التغيير، سوى أنه يربح الوقت فقط، نحن مناضلون ضد التسيير الأمني للصحافة، والأمن هو الذي يقدم الإشهار للصحافة، والواجب هو تغيير النظام، وأرى أن أفضل قانون للإعلام هو قانون ,90 وضروري أن يكون أهل المهنة هم من يصيغون قانونهم. بشير حمادي تابعت كل قوانين الإعلام، فقانون 89 كان عربة بلا حصان، وقانون 90 كان حصانا بلا عربة، صحيح القانون الأخير أحدث ثورة في الجزائر، في فترة ما بين أحداث أكتوبر 88 وبين توقيف المسار الانتخابي سنة ,90 كان ألمع فترة من حيث الشفافية والديمقراطية والحرية، هذا القانون كان جيدا لأن الصحفيين شاركوا فيه، لكنه جمد بعد ذلك، وهناك من يقول إنه لا يصلح. أتساءل: هل جربناه ؟ وهل النظام الذي يحكم حاليا أحسن من النظام الذي كان آنذاك؟ مستحيل. إن قانون 90 يجب أن يشكل وثيقة للانطلاق في القانون العضوي، ولكن يريدون تعجيل تمريره في الدورة الخريفية، لكن الاستعجال يسيء كثيرا. كما أن البرلمان الحالي غير مؤهل لمناقشته، باعتراف النواب أنفسهم، على أنه غير شرعي، أقول لهم نحن ماناش مقلقين طالما لم نقلق مدة 20 سنة. سعد بوعقبة 80 بالمائة من قانون الإعلام الحالي صالح للتطبيق، ومن المفروض أن يتم تطبيق الجوانب الإيجابية فيه، على غرار هيئة المجلس الأعلى للإعلام وجوانب من ممارسة المهنة. أذكر أن 90 بالمائة من الصحفيين هم من كانوا يقودون الإصلاحات الإعلامية في ذلك الوقت، وقانون 90 جاء في ظروف كان الصحفيون لهم وزن، لذلك تحقق الانفتاح، لكن سرعان ما تم الالتفاف عليهم بقانون حالة الطوارئ، حيث تم حل المجلس الأعلى للإعلام، وتبنوا التسيير الأمني للمعلومة، إلى الآن، وهناك ضباط أمن هم من يوزعون الإشهار على الجرائد، وبهذه الطريقة أسست جرائد لا علاقة لها بالمهنة، وأصبحت عبارة عن أرصفة لتحويل المبيعات والاستفادة من الإشهار، ونحن نطالب بتطبيق الجزء الإيجابي لقانون الإعلام الحالي، ورفع الحالة الأمنية وحالة الضغط عن المؤسسات الخاصة، أما العامة فهي ''مستعمرة'' مع الإلحاح على أن يكون أهل المهنة شركاء في إعداد القانون المرتقب. لا فائدة من الإبقاء على وزارة الاتصال وزارة للإعلام أم مجلس أعلى للإعلام. أيهما الأنجع ولماذا؟ زبير سويسي تجربة المجلس الأعلى للإعلام في الجزائر كانت مفيدة وناجحة حتى أننا اعتقدنا بأننا في بلد ديمقراطي بأتم معنى الكلمة. فهذا المجلس كان يحدد آليات ممارسة المهنة وأولوياتها، فضلا على أنه كان مجلسا يضم صحافيين منتخبين عن كل مؤسسة إعلامية، هم على دراية بمشاكل وتطلعات زملائهم. يجب العودة اليوم إلى مجلس أعلى للإعلام، وهو تقليد تعمل به عدة دول أوروبية اليوم بعدما تخلت عن وزارات الإعلام. محمد عباس وزارة الاتصال الحالية لا تؤدي أي دور ولا تزال تدور في حلقة مفرغة، وأطالب بإلغائها وتبديلها بمصلحة إعلامية جدية في الرئاسة، وأفضل العودة إلى المجلس الأعلى للإعلام. أحسن جاب الله ويعترف أحسن جاب الله، وهو أستاذ بكلية الإعلام والاتصال، أنه كان أحد الإعلاميين الذين أشرفوا على عملية انتخاب الصحافيين للمجلس الأعلى للإعلام مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث تم إحصاء 0051 صحفي كانوا مسجلين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. إن المجلس الأعلى كان سلطة ضبط إدارية مستقلة، كان يشرف على المهام الأساسية الخاصة بالإعلام، ولم يتوان عن الإشراف على مجال السمعي البصري. بل حتى البطاقة الصحفية التي كان يمنحها للصحفي كان معترفا بها من قبل هيئات دولية في الخارج. ولذلك فإن تجربة المجلس الأعلى للإعلام كانت ناجحة، ولابد من العودة إلى إنشاء هذه الهيئة ولكن بالإبقاء على وزارة الاتصال. سعد بوعقبة المجلس الأعلى للإعلام في تجربته السابقة كان يضع المهنة بين المهنيين،، ويتولى سلطة الضبط فيما يتعلق بممارسة هذه المهنة، وهو الهيئة المؤهلة في الوقت الحالي لتسيير قطاع الإعلام والاتصال. إن الوزارة الوصية على قطاع الإعلام والاتصال لم تعد تؤدي أي دور. ويجب سن مادة قانونية تنص على أن السلطة العمومية إذا ما قامت بتضليل جريدة من الجرائد تعرض إلى عقوبة. إبراهيم براهيمي أما براهيم براهيمي، مدير المدرسة العليا للصحافة، فيؤكد على أن أغلب بلدان العالم لجأت إلى اعتماد مجالس عليا للإعلام لتسيير شؤون الإعلام والاتصال، على اعتبار أن المجلس الأعلى له عدة مهام تضمن الممارسة الفعلية للعمل الإعلامي، وذلك على نحو ما كان عليه المجلس الأعلى للإعلام في الجزائر الذي كان تجربة رائدة، بالنظر لتركيبته المشكلة من صحافيين منتخبين ومثقفين بينهم بن هدوفة. وأفضل العودة إلى إنشاء مجلس أعلى للإعلام، يقوم بتطبيق القانون، ويمثل الصحافيين، ولكن من غير أن يشير إلى الإبقاء على وزارة الاتصال أو إلغائها. أحمد بجاوي ويؤكد أحمد بجاوي، أستاذ جامعي متخصص في مجال السمعي البصري، أن وزارة الاتصال بالنسبة له لا يوجد أي مبرر لوجودها حاليا، وإذا كان لابد من استبدالها بهيئة أخرى، فمجلس أعلى للإعلام هو المؤهل لذلك. أنا مع إنشاء مجلس أعلى للإعلام، طالما أن هناك غموضا كبيرا يكتنف طريقة تسيير وزارة الاتصال للشأن الإعلامي. بشير حمادي وبالنسبة للإعلامي بشير حمادي، فإن الإبقاء على وزارة الاتصال في الإشراف على تسيير المجال الإعلامي في الجزائر هو ضرب من العبث، على اعتبار أن التقاليد الجديدة المتبعة حاليا في العالم في قطاع الإعلام والاتصال، مختزلة كلها في مجالس عليا للإعلام، هناك 05 مجلسا أعلى للإعلام في العالم، وأحسنها المجلس الأعلى البريطاني الذي ينخرط فيه الجمهور، كونه يتضمن لجنة دراسة الشكاوي. إن المشهد الإعلامي اليوم ببلادنا ليس بحاجة إلى وصاية إعلامية من طراز وزارة للاتصال التي لم تعد قادرة حتى على فرض وصايتها على جزء من وسائل الإعلام العمومية. ولذلك أطالب بإنشاء مجلس أعلى للإعلام كونه يوفر للصحافيين الوقت والمال. فتح مجال السمعي البصري.. ضرورة لا مفر منها هل يمكن التنازل عن مطالب: فتح مجال السمعي البصري، الخدمة العمومية للقطاع العام؟ أحمد بجاوي في بداية التسعينات كان هناك مجلس السمعي البصري الذي كان يدرس توزيع الذبذبات على الخواص، غير أن الأمر توقف. ونأسف عن تأخر فتح المجال، ما جعل الجزائر من أواخر الدول التي تملك قناة تلفزيونية واحدة فقط. الوزراء يظنون أن كل الشعب الجزائري يتابع تغطية نشرة الأخبار لنشاطاتهم، غير أن العكس يحدث، فصار الجزائريون بدو رحل تلفزيونيا، مادام هناك 250 قناة ناطقة بالعربية، ولا يعرجون على قناتهم إلا نادرا، فيتم احتسابهم كمشاهدين بعد 21 ثانية من المكوث على برامج التلفزيون الجزائري.. التلفزيون تم تحطيمه وصار يقدم خدمة حكومية وليس خدمة عمومية، رغم أنه مموّل من قبل ضرائب المواطنين. فحذف الضريبة التلفزيونية من فاتورة الكهرباء كان رسالة من قبل السلطات أنه ليس المواطن الذي يموّل التلفزيون بل السلطة، غير أن الضرائب مصدرها أيضا المواطن.
سعد بوعقبة عدم فتح مجال السمعي البصري، هو مساس بالأمن الوطني، طالما أن الرأي العام المحلي تقوم ببلورته قنوات مثل ''الجزيرة'' و''تي.اف. ''1 و''فرانس ''24 ما يجعلنا نقول إن السلطات تخاف من الراغبين في إنشاء قنوات خاصة وطنية أكثر مما تخاف من الأجانب''. وعن نوعية برامج التلفزيون الجزائري، قال: ''منذ أيام، كما قال الأخ بجاوي، كنت كالبدو الرحل، فتوقفت عند قناة ''كنال ألجيري'' فوجدت شريطا وثائقيا حول تربية النحل في الجزائر، نفس البرنامج وجدته في القناة ''الأرضية''، ونفسه في الجزائرية الثالثة، فما الفائدة من القول إنه لدينا ثلاث قنوات ما دام أنها تبث نفس البرامج. محمد عباس أنا مضطر فقط لمتابعة عناوين النشرة لأغادر القناة، لأن مشاهدة بقية النشرة وبقية البرامج يعد عقوبة بالنسبة لي. فلا بد من فتح المجال، وهذا أمر ضروري لا يحتمل النقاش، وعلى سبيل النكتة، فحتى يومية ''المجاهد'' الحكومية، لا تقدم لقرائها برامج التلفزيون الجزائري، بل برامج القنوات الأجنبية. حسن جاب الله لقد تم تقديم قضية فتح مجال السمعي البصري في وجه الخواص، على أنه شيء سيؤدي إلى مشاكل وأشياء أخرى، رغم أن الأمر بسيط، فيكفي تقديم دفتر شروط، ولا مفر من فتح المجال لمواكبة العصر الرقمي، والأكيد أن فتح المجال سيتم، نأمل فقط أن التأخر هذا ليس للسماح للبعض لتحضير المشاريع ليكون الفتح محدودا هو الآخر. إبراهيم براهيمي يجب فتح وسائل الإعلام الثقيلة لكل التيارات، المنافسة الحرة للإنتاج الوطني وتقديم الإعانة للابتكار، وكما قال كل الزملاء فتح المجال أكثر من ضروري، وأرى أنه يجب تصور فتح مجال السمعي البصري، في مجال مغاربي كبير يمكن من إنشاء قوة قادرة على مواجهة قوة القنوات التلفزيونية المؤثرة في العالم وفي الفضاء العربي. زوبير سويسي فتح المجال لا حديث فيه، غير أنني أود الحديث عن قمة الرداء التي يقدمها التلفزيون الجزائري لمشاهديه، حتى نوعية الصورة فيها ما يقال، فهناك فرق كبير بين نوعية صور التلفزيون الجزائري وكافة القنوات الأخرى، ولا أتحدث عن نوعية البرامج التي يقدمها، فهذا أمر معلوم، ما أدى إلى نفور المشاهد الجزائري من قناته الوطنية.
بشير حمادي يمكن القول الكثير عن فساد نظام الرئيس المصري المخلوع، لكن حبذا لو قمنا بإنشاء قنوات مثل التي أنشأها، مثل دريم، رغم أنها كانت لا تخوض في السياسة كثيرا وليس فيها نشرات أخبار بالمفهوم المهني المتعارف عليه، فعار أن نشاهد ميكروفونا واحدا أمام شخصية عالمية تزور الجزائر، في حين أن في غزة المحاصرة التي تسيّرها حركة حماس المصنفة من قبل الإدارة الأمريكية على أنها تنظيم إرهابي، نجد عشرات القنوات التلفزيونية التي تغطي الأحداث هناك. رفع التجريم تحقق بفضل نضالات الصحافيين هل إلغاء عقوبة السجن عن الممارسة الصحفية، هي صدقة من السلطة؟ أم تنازل تحت الضغط، أو تصحيح وضع، أو جاءت نتيجة نضال أهل المهنة؟ إبراهيم براهيمي عندما أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأنه يعتزم رفع التجريم عن الكتابات الصحفية، لم يكن ذلك بدافع تقديم هدية للمهنيين ولا هي منحة من أي كان. الأمر يتعلق بحصاد جاء نتيجة دخول عدد كبير من الإعلاميين السجن في وقت سابق. صحيح أن هناك محيطا دوليا وإقليميا معينا جراء ما حدث في تونس بشكل خاص، أثر بشكل أو بآخر في الجزائر، ما دفع السلطات إلى التراجع عن مسألة العقوبات بالسجن ضد صحافيين، ولكن الإجراء المعلن عنه هو محصلة نضال ومعارك بالأساس خاضها الصحافيون الجزائريون من أجل حرياتهم.
محمد عباس ليس الأمر مزية إطلاقا من أي أحد، ولا هو هدية. فتجريم الكتابات الصحفية وتهديد الصحفي بالسجن والوسيلة الإعلامية بغرامات مالية ثقيلة كان أمرا نشازا، وكان عيبا ونقيصة كبيرتين أثّرتا في الجزائر كدولة. وفي اعتقادي ينبغي معالجة قضايا القذف بإصدار غرامات مالية بسيطة إذا ثبتت جنحة القذف، ولا يمكن أبدا قبول أن يزج بالصحفي في السجن بسبب مقال، حتى لو كانت التدابير القانونية التي تنص على الحبس غير مطبقة. سعد بوعقبة بإعلان إلغاء الجرم عن الكتابات الصحفية تكون السلطة قد صلحت الخطأ الذي ارتكبته في قانون العقوبات المعدّل في 2001، ونريد منها أن تصلّح الخطأ الذي ارتكبته في قانون الإعلام بإلغاء العقوبات التي يتضمنها. وفي السابق كانت الحماية متوفرة للصحفي لدرجة أن أي مسؤول في الدولة لا يسمح له بمتابعته قضائيا، إلا بموافقة الجهة الوصية على الصحفي، أي وزير الإعلام. وقد حدث معي ذلك أنا شخصيا في عهد وزير الإعلام عبد الحميد مهري، إذ كتبت حينها عن وزير الفلاحة الذي استأذن من مهري حتى يتابعني في القضاء ورفض وزير الإعلام طلبه. ولكن في حالات أخرى تم سجني وكان ذلك خارج إطار القانون واتهمت بالمساس بأمن الدولة. وأمن الدولة كتهمة ضد الصحفي وضد أي كان، غير محدد، أين يبدأ وأين ينتهي (المادتان 50 و76 في قانون الإعلام تهددان الصحفي بالسجن قد يصل إلى 10 سنوات في حال تم تكييف الأفعال المنسوبة إليه، على أنها مساس بأمن الدولة). إنني لا أطالب بحرمان المواطنين من رفع شكاوى ضد الصحافيين، ولكن لا يمكن أن يخضع الصحفي لعقوبة السجن بسبب مقال. لهذا فرئيس الجمهورية ألغى مظلمة هو من ارتكبها، والاعتراف بالخطإ فضيلة. ورغم كل الضغوط وأشكال المضايقات لا زالت الصحافة صامدة، ولكني أخشى من الالتفاف عليها. بشير حمادي بعد إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية مطلع 1992، تعرضت الصحافة لضغوط ومضايقات كبيرة وتم غلق الكثير من الصحف. وأنا شخصيا جرجرت إلى المحاكم في مدة تجاوزت 37 شهرا بسبب أنني نشرت إعلانا في صحيفتي، يتعلق بأحزاب معتمدة قانونا، إذ تم تكييف القضية على أنها مساس بأن الدولة (المادة 36 من قانون الإعلام تتناول الأفعال التي تدخل تحت طائلة كشف أسرار الدفاع وأسرار الدبلوماسية والإخلال بأمن الدولة)، ولكن لا أحد يعرف أين يبدأ سر الدبلوماسية الجزائرية وأين ينتهي، ولا حيث تبدأ سيادة الدولة ولا أين تنتهي. وإجمالا بإمكاننا أن نقول بأن العقوبات في قانون الإعلام متشددة وقاسية وينبغي أن تلغى.
احسن جاب الله لا أعتقد أن النظام السياسي تغيّر إلى درجة يقدم فيها طواعية على اتخاذ إجراءات تعكس رغبة في رفع القيود عن الممارسة الصحفية. فقد جاء قرار رفع التجريم عن الكتابات الصحفية بسبب محيط دولي معين، وبسبب ضغوط دولية، وبشكل أخص قوة عظمى مارست ضغوطا على السلطات بواسطة منظماتها، لتغيّر معاملتها إزاء الحريات، ومنها حرية الصحافة. لقد جاء قرار إلغاء عقوبة السجن بالنسبة للصحافيين، بناء على ضغط دولي للأسف، ولكن الحكام في الجزائر لا يحبون الصحافة ويخشون الصحافيين، وهي حقيقة لا يمكن إغفالها. والنصوص لا تزال في غير مصلحة الصحافيين، فقانون الإعلام يتضمن في باب التدابير الجزائية، 19 مادة تتناول كلها عقوبات ضد الصحافي. ويتضمن نفس القانون مفاهيم تستخدم ضد الصحافي، وهي في حاجة إلى توضيح مثل مفهوم الأمن العسكري ومفهوم الأمن الاقتصادي (المادتان 86 و87). زوبير سويسي قرار رفع التجريم عن الكتابات الصحفية لا ينبغي أن يتعامل معه أهل المهن على أنه هدية من رئيس الجمهورية، ولا من أي أحد في السلطة. وإنما تم ذلك نتيجة كفاح مستمر خاضه الإعلاميون على مرّ السنين. وهذا الكفاح يترجم تراكم سنوات طويلة من الخبرة والممارسة، ومن التعامل مع الحكومات والسلطات المتعاقبة في النظام. وتحضرني هنا الكثير من التجارب المريرة التي عززت في تجربة الصحافيين، مثل سجن الكثير من الصحافيين ومسؤولي جريدة ''الوطن'' بسبب نشر معلومات عن اغتيال دركيين في قصر الحيران بولاية الأغواط (1993). واتهمت الجريدة بأنها نشرت خبرا سابقا لأوانه، مع أنه كان متداولا وسط الإسلاميين ساعات قبل أن يصدر عدد الجريدة الذي تناول الحادثة. أحمد بجاوي على عكس ما يراه البعض، أعتقد بأن رفع التجريم عن ممارسة الصحافة لم يأت بضغط خارجي، وإنما بضغط من الداخل. وكذلك الأمر بالنسبة لحركات الاحتجاج التي جرت في بلدان عربية، فقد جاءت في اعتقادي عاكسة لحاجة داخلية. فالعرب ككل البشر يتوقون للحريات والديمقراطية والعدالة. ولكن المسؤولين في الجزائر غير مؤهلين للقيام بإصلاحات حقيقية''.