لا تختلف كثيرا العبارات التي استخدمها الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في رده على سؤال حول مرحلة ما بعد بوتفليقة في الجزائر، عن تلك التي عبّر بها عن خارطة طريقه المتعلقة بتنظيم الانتخابات في مالي. صحيح أن الرئيس الفرنسي ترك في حواره عبر قنواته التلفزيونية، الموجهة للمشاهد الإفريقي بشكل خاص، الحق للجزائريين في "تحديد مستقبلهم". لكنه في نفس الوقت، رد ضمنيا على نداءات تفعيل المادة 88 من الدستور، قائلا "هناك انتخابات مقررة في 2014 وأثق في هذا الموعد". وهي رسالة واضحة أن الحارس الأمين على الأسرار المختفية بين جدران مستشفى فال دوغراس بخصوص الحالة الصحية لرئيسنا، يعارض تنظيم الانتخابات الرئاسية المسبقة في الجزائر، أو في حالة أخرى، هو على إطلاع بما يجري تحضيره عندنا ويعلم علم اليقين أن سيناريو الرئاسيات المسبقة غير وارد عند صنّاع مستقبلنا. أما الرسالة الثانية التي بعث بها هولاند للجزائريين في حواره، أول أمس، فمفادها أن فرنسا ليست متمسكة ببوتفليقة رئيسا مدى الحياة، مثلما ترك الانطباع خلال زيارته لبلادنا في ديسمبر الماضي. وفي نفس السياق، تعتبر ثقة هولاند في موعد 2014 أن فرنسا أعطت الضوء الأخضر لانطلاق سباق خلافة بوتفليقة. كما يعتبر عدم تصديق نازل الاليزي لسيناريو الفوضى ما بعد بوتفليقة، رسالة أخرى أنه لا يصدق أيضا بلوغ الصراع بين أجنحة السلطة في بلادنا مرحلة في غاية التعقيد، كما تشير إليه كل التحاليل والأخبار الواردة عن تطورات الساحة السياسية هنا. وحتى إن سلمنا أن الجزائر لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية، على حد تعبير الخطاب الرسمي، فلا يمكننا التصديق أن هولاند ليس طرفا في تحديد المستقبل السياسي للجزائر، بعدما أضحى المصدر الأول والأخير عن الحد الأدنى من الأخبار التي تصلنا عن تطورات صحة رئيس الجمهورية ومكان تواجده في التراب الفرنسي. ومن هذا المطلق، كان باستطاعة هولاند أن يكتفي حين سأله الصحفيون الذين سألوه عن المخاوف من حدوث الفوضى في الجزائر بعد بوتفليقة، بتذكيرهم بحكمة هذا الأخير وقدرته على مواصلة مهامه، دون التطرق لموعد 2014 بأي طريقة تجعل المحللين السياسيين يستخلصون منه موقفا ما من الرئاسيات الجزائرية. ويبقى الآن أن نعرف من هو الرجل الأقرب لنيل الدعم الفرنسي لاعتلاء كرسي المرادية بداية من 2014؟ وهنا أيضا نفهم من حديث هولاند عن وجود "مؤسسات متينة" في الجزائر، صك أبيض لمؤسستنا العسكرية، لأنها المؤسسة الوحيدة المتينة أو الحقيقية، بينما تعد باقي المؤسسات من حكومة وبرلمان ومجلس دستوري... تمثّل ديكورا مؤسساتيا لا يقوى حتى على تصريف الأشغال اليومية باستقلالية.