لم يعد يقتصر مطلب الطبقة السياسية على معرفة تفاصيل الحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بقدر ما انتقلت إلى رسم السيناريوهات المقبلة، من باب أن غياب الرئيس الذي دخل شهره الأول، أضحى له تأثيرات على مستقبل البلاد، في تلميح منها إلى ضرورة المرور لمرحلة ما بعد بوتفليقة. دشنت أحزاب ال14 للدفاع عن السيادة والذاكرة، الحديث عن ما بعد مرض الرئيس، بحيث حذر قادتها من مخاطر استمرار غياب الرئيس بوتفليقة عن المشهد السياسي في الجزائر، في وقت تغرق فيه الجزائر في الاحتجاجات والإضرابات، وفي ذلك رسالة إلى أن ترك هذا الملف مغلقا من شأنه أن تتولد عنه أزمة في البلد. وحتى وإن لم تحسم قيادات هذه الأحزاب في مرشحها للرئاسيات، غير أنها طرحت مرحلة ما بعد بوتفليقة للنقاش، ليس داخل صفوفها فحسب، بل السعي لفرضها لدى النافذين في الحكم. وحتى إن جاءت دعوة مجموعة ال14 على استحياء، ربما لافتقادها المعطيات الكافية، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمرشح الوحيد للرئاسيات المقبلة إلى غاية الآن أحمد بن بيتور الذي قال إن السلطة "في حالة شغور منذ شهر ولم يعد ممكنا أن يستمر هذا الوضع". ولم يتوقف بن بيتور عند هذا الحد، بل صرّح بأنه من الأفضل أن تنظم انتخابات رئاسية مسبقة في نوفمبر المقبل لو كان ذلك هو توجه النظام حاليا. ما جاء على لسان رئيس الحكومة الأسبق، يعني أن مرحلة بوتفليقة انتهت والتفكير جار حاليا داخل أجهزة النظام حول ترتيب أوراق الرئاسيات المقبلة التي يرجح بن بيتور أنها ستكون قبل موعدها المبرمج في أفريل 2014. بدوره انتقد المرشح السابق للرئاسيات 2009، فوزي رباعين، من يقول إن مؤسسات البلاد تسير على ما يرام والرئيس غائب، وبالنسبة إليه الخروج من هذه الوضعية، يستدعي مرحلة انتقالية تفتح فيها مشاورات موسعة "للخروج من المأزق"، في إشارة إلى أن البلاد في حالة شلل وجمود جراء غياب الرئيس. ومع مرور الأيام واستمرار غياب الرئيس بدأت القناعات داخل الطبقة السياسية، خصوصا المعارضة منها، تتوسع وتتجه أكثر في تفكيرها لما بعد عهد بوتفليقة، بحيث بدأت تتسرب مصطلحات جديدة تتحدث عن "الرئاسيات المسبقة" والذهاب إلى مرحلة "انتقالية"، وتم تجاوز الحديث عن تطبيق المادة 88 من الدستور. ولعل هذا التوجه السياسي الذي بدأ يفرض حضوره بقوة في الساحة الوطنية، بعد شهر من غياب الرئيس، وراء مسارعة الأمين العام بالنيابة للأرندي ورئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، لرمي حجر لتحريك المياه الراكدة، خصوصا من جهة المساندين لبوتفليقة، بحيث وصف الداعين إلى تفعيل المادة 88 من الدستور بأنه "تجاوز للحدود"، ونعت بن صالح هؤلاء ب"أصوات الشؤم"، في وقت كما قال يوجد فيه الرئيس في رحلة علاج عادية. ويعكس هذا الأمر أن السلطة تعيش حالة ارتباك ولا تملك ما تواجه به خصومها السياسيين الذين لم يقتنعوا بالبيانات الرسمية حول صحة الرئيس ويتطلعون لفتح قواعد اللعبة في رئاسيات 2014.