الرئيس الجزائري صحته تتحسن، ولا يظهر للناس ولا يعود، هكذا تقول السلطة أو بقايا السلطة.. وسفراء الدول الفاعلة في الجزائر بدأوا الخوض في شأن من يخلف بوتفليقة..! دون حرج..! فعندما يقول سفير بحجم سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية: “إن بلاده تؤيّد من يختاره الشعب الجزائري”، فذاك يعني أن سعادة السفير تأكد من أن بوتفليقة لن يعود إلى الحكم.. وإذا عاد فلا يمكن أن يكون إلا لترتيب الأمور لمن يخلفه! أحزاب وصحافة (D.R.S) ضاع منها رأس الخيط في هذه المسألة، فلم تعد قادرة على تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في موضوع خلافة الرئيس؟! وهل الرئيس مريض فعلا إلى حد اليأس من العودة إلى الكرسي، أم أن الرئيس يناور بمرضه لفرض من يخلفه! وإذا كان مرض الرئيس وصل به إلى حالة اليأس فلماذا يخاف منه بقايا الحكم ولا يباشرون إجراءات خلافته؟! وإذا كان الرئيس يمارس عرضه المناورة ومازال يخيف، فلماذا يخرج رأسه من “زاورة” المرض؟ الطريقة التي يسيّر بها مرض الرئيس تدل على أنه يُستخدم لترتيب أمر ما قد يكون له علاقة بصراعات داخلية، وقد يكون له علاقة بصراعات خارجية. الأكيد أن الرئيس، بممارسته المرض الغاضب من عاصمة أجنبية، قد وضع النظام في ورطة سياسية تنظيمية كبرى! فأصبحت العواصم الأجنبية، في هذه الحالة، لها قدرة تأثير في تحديد خليفة بوتفليقة، ربما، تتجاوز تأثير الماسكين بزمام الحكم في الجزائر. لقد نجح بوتفليقة في تلويث كل أجهزة الحكم ومؤسساته بالفساد العاصف، ونجح في “تصحير” الحياة السياسية وإنهاء دور المؤسسات الدستورية في صناعة القرار السياسي القانوني، حتى ولو كان شكليا.. ونجح، أيضا، في إدخال البعد الدولي في تقرير من سيخلفه، فلم يعد النظام الأمني المغلق له كل السطوة والصلاحية في أن يقرّر بشأن الرئيس. حتى لو كان الرئيس قد وصل به المرض إلى حالة اليأس من العودة إلى الحكم، فإن قرار تعيين أو انتخاب خليفته لم يعد وطنيا.. بل لم يعد بالإمكان إجراؤه دستوريا.. كما كان الحال في عهد الراحل بومدين، أو حتى في عهد زروال أو الشاذلي.. لأن الأوضاع السياسية الدستورية والأمنية والإدارية والاجتماعية لا تسمح بأي معالجة متحكم فيها وفق الأطر التقليدية لانتقال السلطة، لأن تحويل الأحزاب الإدارية (الآفة والراندو) إلى منظمات جماهيرية للحزب الحاكم (D.R.S) على مستوى القيادة، وتحويل مناضليها إلى جمعيات تأييد ومساندة لحكم الرئيس وليس برنامج الرئيس.. كل هذا أدى إلى استحالة إجراء عملية رئاسية بأساليب تقليدية دأبت السلطة الفعلية الحاكمة على ممارستها! وبات واضحا أن أمن البلاد واستقرارها لا يمكن أن يسمح بإجراء انتخابات مشبوهة، وفي الوقت نفسه لا يسمح الوضع العام بإجراء انتخابات مفتوحة.. فالبلاد فعلا في ورطة.. ولعل هذا ما يفسر عدم الحسم في مرض أو صحة الرئيس.