يجيب المنسق العام للحركة التقويمية لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد الكريم عبادة، في هذا الحوار، عن الأسباب التي ما زالت تعيق عقد دورة اللجنة المركزية لحزبه. وأعلن بالمناسبة تأييده لعمل منسق المكتب السياسي عبد الرحمن بلعياط. كما أبدى تصوره للصراع الدائر بخصوص الموعد الرئاسي القادم وكيف سيتعامل معه الأفالان الذي تعود على إخراج الرؤساء منذ الاستقلال. أين وصلت تحضيرات عقد اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير؟ هي الآن موضوع تجاذب أجنحة، وإذا كانت هناك صعوبة لعقدها فلأنها ملغمة وتركيبتها غير متجانسة. الأمين العام الأسبق تحايل عندما رفض تشكيل مكتب الدورة في جانفي الماضي واكتفى بافتتاحها، وبعد سقوطه افترقنا على فراغ واضطررنا لتطبيق المادة التاسعة من النظام الداخلي في غير محلها. واليوم بلعياط لم يقتنع بعد بأن الشروط الملائمة لعقد الدورة في هدوء ودون تشنج وانقسام... متوفرة، ونحن إذن مع المنسق لتوفير هذه الشروط قبل عقد الدورة. وتتمثل هذه الشروط في الذهاب إلى دورة اللجنة المركزية في إطار القانون الأساسي ووحدة الكلمة من أجل تحقيق مهمة واحدة هي انتخاب أمين عام جديد على أساس ضوابط يجب أن تتوفر في الشخص الذي يتم اختياره عن طريق مكتب دورة منتخب وعن طريق مكتب للترشيحات. ثم نذهب للتزكية أو التوافق أو الصندوق إذا لم نتوافق، لكن الصندوق يجب أن يخرج بالشخص الذي يناسب تطلعات المناضلين. ولذلك نحن في اتصالات دائمة لإذابة الجليد بيننا والقضاء على التكتلات. ويتمثل الشرط الثاني الذي يجب توفيره لعقد الدورة، في تحضير لائحة تنظيمية وسياسية تتضمن اقتراح آليات تعيين المكتب السياسي وتقييد صلاحيات الأمين العام حتى لا نتركه يسير الحزب فرديا. لا بد من تفعيل هياكل الحزب لنصل إلى العمل الجماعي بدل التسيير الفردي. إذا عدنا إلى الأزمة التي عاشها حزبكم في 2004، نجدها أعقد من الأزمة الحالية، ومع ذلك وجدت الحل خلافا لما يحدث اليوم. كأن المشكل يتجاوز الأطر الداخلية للأفالان ومفتاح الحلول يأتي دائما من الفوق. أليس كذلك؟ الوضع في 2004 ليس نفسه سواء من حيث تركيبة اللجنة المركزية أو سبب الأزمة. اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر الثامن الملغى كانت متجانسة نسبيا وسبب الأزمة لم يكن عقائديا أو سياسيا، بل كان متعلقا بموقف من مرشح الرئاسيات. كان هناك من يرى ضرورة أن نتبنى الشرعية ونساند المرشح الذي يقود الحزب، وآخرون رأوا ضرورة ترشيح مرشح القاعدة. وانقسم المناضلون على هذا الأساس، لكن سرعان ما وجدنا صيغة للالتقاء حول التسليم بنتائج الانتخابات وعدنا إلى بعضنا لتجنب انقسام الحزب. كانت هناك تنازلات كبيرة لنذهب إلى مؤتمر جامع رغم الخروقات التي وقعت فيه، لكننا اتفقنا على عقد مؤتمر جامع لتحضير مؤتمر تاسع مسؤول نصحح فيه الأخطاء واخترنا صيغة رئيس الحزب كحكم. وللأسف أملنا تبخر والمؤتمر التاسع لم يكن نقلة نوعية للحزب لا من حيث التحضير المادي ولا الأدبي ولا الحضور ولا التسيير بسبب انفراد الأمين العام وزبانيته بتحضير المؤتمر. واليوم نعيش أزمة خانقة لأن هناك أطرافا خارجية تعمل على تحقيق أهداف ليست في مصلحة الحزب، وهو ما يعقد تحضير دورة اللجنة المركزية. إذ هناك من يريد استدعاء دورة مغشوشة وهم أقلية لكنهم متنفذون في هياكل الحزب. ماذا تقصدون بتجانس تركيبة اللجنة المركزية؟ نقصد التجانس الفكري والعقائدي، كما أننا لا نملك نفس التجربة النضالية ولا يوجد توازن في التمثيل الفئوي والإقليمي. تصور ولاية سطيف مثلا، ثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكان، ممثلة بثلاثة أعضاء فقط في اللجنة المركزية وهناك ولايات أصغر منها بكثير ممثلة ب 13 عضوا. أنتم تحسبون التمثيل بتعداد السكان أم بعدد المناضلين. ربما سطيف ليس فيها مناضلون كثيرون؟ لا، يا رجل. كيف لا يوجد مناضلون في سطيف؟ المناضلون الحقيقيون أقصوا ومجاهدون رموز مثل بورقعة وزهرة ظريف وعبد المجيد شريف وسي فوضيل وبوسماحة... تم إقصاؤهم. كذلك الشأن بالنسبة لأبناء الشهداء... هذه اللجنة المركزية اليوم، ومشكلتنا اليوم مع أربعة أشخاص تحكموا في لجنة ترشيحات تضم 111 عضوا ووضعوا أصدقاءهم وصديقاتهم في اللجنة المركزية. وهؤلاء لا ذنب لهم ما داموا أعضاء في اللجنة وسنتعامل معهم بكامل الصفة. لكننا ندعوهم لتحمل مسؤولياتهم للاهتداء إلى الشخص المناسب وليس إلى الجماعة. وماذا عن الخلافات العقائدية والسياسية التي تطرقتم لها أيضا؟ هناك خلاف جوهري. نحن حزب ديمقراطي اجتماعي نمثل الفئات المحرومة ونتجذر في هذا الوسط، ونحن مع الرسالة النوفمبرية التي تعني تنمية البلاد اجتماعيا ومع النظافة واللامركزية ومع التوزيع العادل للثروات... لكن هناك فئة تسللت بتشجيع من عناصر قيادية، بدأوا يغيرون وجهة الحزب لتحقيق منافع وبدأوا في التقرب من تيارات سياسية أخرى وتبنوا خطابهم السياسي وميعوا المناضلين. في عهد بلخادم كان هناك انحراف من يوم لآخر، سواء من حيث الخطاب أو التوجيهات والأداء، وحضرنا النضال في الانتخابات واستهلكنا الفكر الموروث عن السلف وأسأنا له ونفرنا الناس عنه، وفقدنا المناصرين في المنظمات بسبب سوء تمثيل القيادة للحزب. وفي عهد بلخادم ابتعدنا عن اقتراح الحلول وتقديم البدائل واكتفينا بالترويج للعمل المشترك في إطار التحالف الرئاسي والمصالحة والعهدة الثالثة والرابعة وغيرها من الشعارات الجوفاء. عندما قرر بلخادم أن الحزب سيبقى في السلطة إلى غاية 2030، الجميع انتابه الخوف على مستقبل الأجيال. والحقيقة أنه كان يعتقد بأنه البديل بعد 2014 ومنح لنفسه ثلاث عهدات، وهل يجعل هذا المواطن يطمئن لنا؟ وما مدى مسؤولية رئيس الحزب، أي رئيس الجمهورية في هذا الوضع؟ رئيس الحزب ليست له مسؤولية تنظيمية ولا نريد توريطه فيها. بل الأمين العام هو من أوهم الرأي العام بأنه محل ثقة الرئيس والمناضلون سكتوا عنه مراعاة لعدم إحراج الرئيس، وهذا ما أطال عمر بلخادم على رأس الأفالان. ونحن نعلم أنه لم يكن يخبر الرئيس بالأحداث والرئيس بريء من هذه الوضعية. مع كل هذا، يبقى العام والخاص في الجزائر مقتنعا بأن أزمة الأفالان مرتبطة بالرئاسيات. ما تعليقكم؟ طبعا، لكن الفصل في هذه المسألة يتم في مؤسسات الحزب. بينما بلخادم أعلن منذ سنوات عن عهدة رابعة دون الرجوع إلى المناضلين ومؤسسات الحزب. مشكلة الأفالان أن الرئيس الحالي هو رئيس الحزب والرئيس القادم سيكون من الأفالان... وهناك عدة مرشحين أفالانيين لخلافة بوتفليقة. كيف ستتعاملون مع هذه الوضعية؟ القرار الفاصل للجنة المركزية، إما بالذهاب إلى الرئاسيات بمرشح الحزب أو تزكية مرشح حر... ولكل حادث حديث. لكن أعضاء اللجنة المركزية اليوم محل تجاذب الأسماء المرشحة للرئاسيات القادمة. أليس كذلك؟ صحيح هناك صداقات وعلاقات شخصية ومن حق كل واحد أن يروج للمرشح الذي يختاره. لكن هذا الترويج لا يهم إلا أصحابه لحد الساعة. لنقل إن الرئيس القادم لن يخرج من الأفالان، بل الأفالان هو المطلوب منه السير مع أي رئيس قادم. ما رأيكم في هذه المعادلة؟ الرئيس القادم لن يكون إلا جبهويا، هذا أكيد. واللجنة المركزية بمجرد انعقادها ستنظر في نقطتين هما: الرئاسيات وتعديل الدستور. قد يكون ذلك في جويلية أو أوت، ولدينا الوقت إلى غاية ديسمبر للفصل في موضوع الرئاسيات. وتأكد أن الفصل سيتم في ظرف نصف ساعة. وهل ما زلتم متمسكين بالترشح لقيادة الأفالان؟ أنا لن أترشح، وإذا رأت اللجنة المركزية الخير في شخصي فمرحبا، أما إذا رأت شخصا آخر أنسب فسأقول كلمتي في اللجنة المركزية. لكنني لست من الذين يلهثون وراء المسؤوليات، والأمر لن يتم عن طريق الحصص التلفزيونية كوننا لسنا متوجهين لانتخابات شعبية، بل لانتخابات تنظيمية.