اختلف العلماء في كيفية استقباله عليه الصّلاة والسّلام بيت المقدس على ثلاثة أقوال كما جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي رحمه الله: كان ذلك منه عليه الصّلاة والسّلام عن رأي واجتهاد، قاله عكرمة وأبو العالية. وأنّه عليه الصّلاة والسّلام كان مخيّرًا بين بيت المقدس وبين الكعبة المشرّفة فاختار القدس طمَعًا في إيمان اليهود واستمالتهم، قاله الطبراني. وقال الزّجاج: كان ذلك امتحانًا للمشركين لأنّهم ألِفُوا الكعبة. وهو الّذي عليه الجمهور وهو رأي ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من الأئمة أنّ استقبال بيت المقدس كان بأمْرٍ من الله تعالى لرسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم ووحيه لا محالة، ثمّ نَسَخ الله ذلك وأمره الله تعالى أن يستقبل بصلاته الكعبة واستدلّوا بقوله تعالى: “وما جَعلنا القِبْلَة الّتي كُنتَ عليها إلاّ لِنَعْلَم مَن يتَّبِعَ الرّسولَ ممّن يَنْقَلِب على عَقِبَيْه} البقرة:143. ومن الملاحظ أنّ السياق القرآني يُشير إلى أنّ القِبلة الأولى كانت إلى البيت المقدس وذلك بلفظ “الْقِبْلَةَ الّتي كنتَ عليها”. ولهذا تأتي البِشَارة في محلّها من الحكيم الخبير.. قال تعالى مُخاطبًا نبيَّه الكريم بعد حادثة التّحويل: “وَما كان الله لِيَضِيعَ إيمَانَكُمّ.. حيث بشّرهم سبحانه وتعالى أنّه جلّ في عُلاه لا يَضيع في نبيّه الكريم ولا لأصحابه الإعلام ثواب الصّلوات الّتي قد أدّوْها وهم مستقبلي الأقصى المبارك لأنّهم أدّوْهَا كاملة إمّا بطريقة اجتهاد نبويّ وإمّا بتوجيه إلهي كما سبق ذِكْرُه.