ستعرف الأشهر المقبلة تكثيفا لنشاط مختلف الهيئات واللجان المشتركة الجزائرية الفرنسية لضمان تسوية العديد من الملفات التي طرحت خلال الزيارة التي قام بها في ديسمبر الماضي الرئيس "فرانسوا هولاند" للجزائر، على غرار الجوانب المتصلة بقطاعات التعليم والمشاريع الاقتصادية المشتركة وتنقل الأشخاص ووضعية الجاليتين. ويبدي الجانب الفرنسي استعدادا لتدعيم الشراكة القائمة مع أهم الشركاء في منطقة جنوب الحوض المتوسط، والتي ستكون محل تقييم شامل في ديسمبر المقبل مع اجتماع اللجنة المختلطة الجزائرية الفرنسية "كوميفا"، ولقاء يرتقب أن يجمع الوزيرين الأولين عبد المالك سلال و"جون مارك أيرو". ❊باريس تنظر إلى أبعد من الموعد الانتخابي الرئاسي لسنة 2014 وترغب في تفعيل الديناميكية التي أبرزتها زيارة هولاند مع اعتماد نظرة براغماتية وعملية، كما أنها ترغب في تجاوز مرحلة الاحتقان وسوء الفهم الذي ظل ساريا مند سنوات وفتح صفحة جديدة مع توجيه رسائل حسن نية، من خلال الاستجابة للمطالب الجزائرية والابتعاد عن النظر إلى الجزائر كسوق استهلاكية فحسب، بل مصاحبة السياسات الجديدة التي يرغب من خلالها الجانب الجزائري إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات على أرض الواقع لا الاكتفاء بالخطابات أو الوعود، وتعتبر الجزائر وفقا للمقاربة الفرنسية شريكا لا يمكن تجاوزه في المنطقة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، كما يتم الاتجاه إلى مقاربة جديدة تركز على حل كل ملف على حدة أو حالة بحالة،مع تحديد النقاط التي يتم الاتفاق حولها وتلك التي لا تزال عالقة بين الجانبين والتقدم تدريجيا إلى غاية تسويتها، مع إسناد الملفات إلى لجان مشتركة ستقدم عروضها إلى اللجنة المشتركة العليا التي ينتظر أن تجتمع شهر ديسمبر بمعية الوزير الأول عبد المالك سلال ونظيره الفرنسي جون مارك أيرو. وعلى ضوء هذا المعطى، فإن عدة ملفات يتم حاليا تسويتها، ومن بين هذه الملفات التي ينتظر أن تعرف تقدما تلك المتعلقة بالجوانب الإنسانية والاجتماعية: سواء تعلق الأمر بوضعية المقابر التي تعود للفرنسيين والتي تعتبر باريس بأنها بحاجة إلى رعاية وصيانة أكبر لأن المسؤولية تقع على عاتق السلطات الجزائرية، أو وضعية الأملاك التي تعود إلى الجالية الفرنسية التي بقيت في الجزائر بعد الاستقلال وظلت فيها. بالمقابل، يعكف الجانبان على تسوية الملفات المتعلقة بالإجراءات الإدارية الخاصة بالإقامة وتنقل الأشخاص بالنسبة للرعايا الجزائريين بالخصوص، حيث يطالب الجانب الجزائري بتجانس وتوحيد للإجراءات بين مختلف الهيئات الإدارية الفرنسية والبلديات والقنصليات الجزائريةبفرنسا. على صعيد متصل، تعرف ملفات المعاشات والضمان الاجتماعي تقدما مع شروع الجزائر في تسوية الديون المتعلقة بالتكفل بالمرضى الجزائريين في فرنسا عن طريق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حيث تطالب باريس بضمان تسديد المبالغ المستحقة. وتفيد الإحصائيات المتوفرة على أن قيمة الديون الجزائرية تجاه الإسعاف العمومي للمستشفيات بباريس يقدر بحوالي 16 مليون أورو، يضاف إليها ديون أخرى في المستشفيات الكبيرة الفرنسية الأخرى بليون ومارسيليا، ومستشفيات متخصصة مثل ”هوت بيار” الذي بلغت ديونه أكثر من 550 ألف أورو. وهناك مصادر تقدر الدين الجزائري بحوالي 600 مليون أورو أي ما يعادل 10% من العجز السنوي للتأمين الصحي في فرنسا، وباشرت الجزائر عملية تسديد جزئي لهذه الديون منذ 2012 ما ساهم في تقليصها، وينتظر أن يعرف الملف تقدما خلال الأشهر الستة القادمة. ورغم الإشكال الذي طرحه قرار توقيف شركة ”ميشلان” لمصنعها في الجزائر، فإن الجانب الفرنسي يبرز رغبة العشرات من الشركات الفرنسية في العمل مباشرة في السوق الجزائرية وضمان ترسيخ مبدأ النشاط الاقتصادي المشترك، أي إمكانية تحقيق مشروع بنسبة إدماج صناعية عالية في البلد المعني دون تحويل النشاط أو نقل المؤسسة كليا، بحيث يمكن للشركات الفرنسية أن تقوم بالتصنيع الجزئي لعدة قطع وأجزاء من المنتوج في السوق الجزائرية بالاستعانة بمناولين شركاء، كما هو الحال مع مشروع ”ألستوم” لصناعة القاطرات، ومشروع ”رونو” للسيارات، ومشاريع ”لافارج” ومشاريع أخرى منتظرة مثل مصنع ”فانسون” لصناعة الألواح الشمسية. وما ينتظره الجانب الفرنسي بالمقابل، هو توضيح لقواعد اللعبة الاقتصادية وشفافية أكبر وتبسيط الإجراءات المتصلة بمناخ الأعمال والاستثمار وتبسيط الإجراءات الإدارية عموما، وهو جانب سيكون أيضا محل توافق لاسيما مع زيارة ”ماريلين لامبروشو” وزيرة إصلاح الدولة واللامركزية والوظيف العمومي، مع دعم باريس لتطوير أساليب الادارة والتسيير وتكوين الإطارات. وفي مجال التكوين والتعليم، لا تزال المحادثات متواصلة لتوسيع شبكة المدارس الفرنسية بالجزائر، مع فتح مدرستين جديدتين مقابل دعم المدرسة الجزائرية في فرنسا، يضاف إليها فتح أربعة معاهد عليا للتعليم التكنولوجي بمصاحبة فرنسية تشرع في العمل ابتداء من السنة الجامعية في 2013 بورقلة، قصر شلالة بتيارت، البويرة وعين مليلة بأم البواقي على أن يتم توسيع نطاقها إلى المدن الكبرى.