لن يكون بمقدور أي مهوس برياضة كرة القدم المرور على ذكر ما صنعه البرازيليون على مر التاريخ من أمجاد، دون أن يتذكر واحدا ممن أسمته جماهير “السيليساو” “فرحة الشعوب” وأخرى “الملاك ذي الفخذين المقوستين”، قياسا بتلك الفرحة التي أدخلها إلى قلوب الملايين من عشاق “الصامبا” البرازيلية خلال أكثر من مناسبة، بإبداعاته ورقصاته بالكرة فوق المستطيل الأخضر أمام أعرق المنافسين. إنه البرازيلي “مانوال فرانسيسكو دوس سانتوس” المعروف بتسمية “غارينتشا” أي “الطائر الذي يفضل أن يموت بدلا أن يقبض عليه حيا”.. يعد الساحر البرازيلي خامس أفراد عائلة فقيرة وهو الذي ولد من أب مهوس باحتساء الكحول، ما انعكس وراثيا على بنيته المورفولوجية التي جعلت من فرق برازيلية شهيرة ترفض ضمه في بادئ الأمر، بعد اكتشاف عمه مانوال كايرا مهاراته الكبيرة على غرار ما حصل له مع “فلامينغو”، “فاسكو دي غاما” وحتى “فلومينانسي”. ويعد نادي بوتافوغو البرازيلي الشهير أول من قبل بضم “غارينتشا” سنة 1953، بعد أن أدهش تقنيي هذا الفريق بمراوغاته السريعة والنادرة، قبل أن يساهم اللاعب على طريقته في إحراز ذات النادي للقب البطولة البرازيلية سنة 1957، بعد تمكنه من هز شباك الخصوم في 20 مناسبة من مجموع 26 مباراة شارك فيها خلال ذلك الموسم. مهارات اللاعب ساهمت في إحداث نقلة نوعية في احتفالات أنصار “بوتافوغو” من على المدرجات والتي سارت على ريتم مراوغات ذلك الساحر وتوغلاته السريعة، وهي معطيات جعلت مسؤولي “السيليساو” يجدون أنفسهم مرغمين على معاينة ما يصنعه مقوس الفخذين ومحدودب الظهر فوق الميدان وذلك إلى غاية إعلانه لاعبا جديدا لمنتخب “الصامبا”. "غارينتشا” الذي طار فرحا باستدعائه لمنتخب السحرة، لم ينتظر كثيرا لكي يحجز مكانة له وسط قلوب الجماهير البرازيلية الذي اعتبرته القوة الضاربة الثانية في المنتخب، بعد اللؤلؤة السوداء بيلي، هي معطيات حفّزت الساحر الجديد على تفجير طاقاته في مونديال 1958 الذي أحرز البرازيليون لقبه، قبل أن يذيع صيته في مونديال 1962 الذي اختير، خلاله، كأحسن لاعب في الدورة، حيث قاد “السيليساو” إلى إحراز اللقب العالمي الثاني على التوالي بتوقيعه ثنائية في مرمى المنتخب الإنجليزي في ربع النهائي وأخرى في نصف النهائي أمام منتخب البلد المستضيف الشيلي. وتبقى النقطة السوداء في مسيرة الرجل الكروية، ميوله، على غرار أبيه، إلى الإدمان على الكحول وباقي الأمور التي عكّرت صفو حياته الرياضية، الأمر الذي جعل بعض الأندية تتراجع عن ضمه لاحقا، بسبب تراجع رهيب في مستواه وذلك إلى غاية اعتزاله سنة 1972 ضمن صفوف نادي “اولاريا” الفتي. محبوب الجماهير توفي لاحقا سنة 1983 مدمنا معزولا، بفعل مرض تشمع خلايا الجسم الناتج عن إدمانه على الكحول التي أحرقت جناحي ذلك الطائر الذي مازال هواة “السيليساو” من الكبار يتذكرون كيف كان يتلاعب بأبرز مدافعي عصره الذهبي.